في ظهيرة يوم الاثنين، 13 ديسمبر العام 1982م شهدت اليمن زلزالًا مدمرًا هز أرجاء محافظة ذمار - 100 كم جنوب العاصمة صنعاء - في بضع ثوانٍ، انهارت منازل ومباني وتحولت بعض الأحياء إلى أنقاض، تاركة وراءها مشهدًا مأساويًا لا يُنسى.
بلغت قوة زلزال ذمار نحو (6) درجات على مقياس ريختر، ما أسفر عن وفاة أكثر من 2800 شخص، وإصابة الآلاف، وتشريد عشرات الآلاف، وخلّفت الهزات الأرضية أضرارًا جسيمة طالت المباني والمنشآت العامة والخاصة، وأثرت بشكل كبير على الحياة اليومية لسكان المنطقة.
"كانت المنازل مهدمة، بعضها فوق بعض، وكان المشهد أشبه بيوم القيامة" يتذكر علي محمد رسام، تفاصيل ذلك اليوم قائلاً: كنت عائدًا إلى المنزل من متجر والدي بسوق الربوع وسط مدينة ذمار، وكنت في الشارع عندما بدأت الأرض تهتز من تحت قدمي، تبعها انهيار للمنازل والمتاجر، وكل ما هو قائم سقط وتهاوى".
أُصيب والده بجروح بعد انهيار سقف المتجر، إلا أن أسرته لم تصب بأضرار بالغة، فقد كان منزلهم من طابق واحد، وسقط جدار إحدى الغرف فقط. طالت الأضرار المنازل والمدارس والمساجد، وألحقت أضرارًا كبيرة بالبنية التحتية، ما أثر على الحياة اليومية للسكان في ذمار ومحيطها لسنوات، حيث لم تكن المنطقة مهيأة لتحمل الزلازل.
مع كل خبر جديد عن الزلازل، تستعيد ذاكرة رسام ذلك الرعب والتشرد والخوف الذي عاشه، ويظل زلزال ذمار من أقوى الزلازل في تاريخ اليمن الحديث.
منذ عام 1982، تشهد اليمن سنويًا مئات الهزات الأرضية، ومعظمها غير محسوسة، لحدوثها في أعماق طبقات الأرض أو في أعناق البحار والمحيطات.
حوادث متكررة
وبحسب المهندس محمد حسين الحوثي، رئيس المركز الوطني لرصد ودراسة الزلازل والبراكين في ذمار، أن الزلازل ما زالت تحدث بين الفينة والأخرى في اليمن، نتيجة انفتاح خليج عدن والبحر الأحمر والأخدود الأفريقي، حيث تتحرك القشرة الأرضية بحوالي خمسة سنتيمترات سنويًا، ما يسبب نشاطًا زلزاليًا ملحوظًا في المنطقة.
وأضاف الحوثي في تصريحه لـ "الموقع بوست" إن اليمن يقع ضمن منطقة جيولوجية نشطة تتأثر بالحركات التكتونية، وهو ما يجعلها عرضة للهزات الأرضية المتفاوتة الشدة.
تأسس مركز رصد ودراسة الزلازل والبراكين بمحافظة ذمار عام 1990 لرصد وتحليل الهزات الأرضية ودراستها، لكنه تعرض للتدمير الشامل في مايو 2015 إثر غارات جوية لطائرات التحالف العربي بقيادة السعودية استهدفت المبنى، ما أدى إلى تدميره وفقدان بيانات قيّمة كانت تسهم في تحليل النشاط الزلزالي.
ويؤكد الحوثي أن المركز لا يقتصر دوره على رصد الزلازل، بل "يمتد إلى دراسة البراكين والموجات الزلزالية الناتجة عن انفجارات نووية أو شبه نووية". ففي عام 2015، رصد المركز موجات زلزالية ناجمة عن قنابل يُشتبه أنها نيوترونية استهدفت جبل نقم، وأُثبتت قوتها بما يعادل 3 درجات على مقياس ريختر، حسب وصفه.
استحالة التنبؤ
يؤكد الحوثي أنه من المستحيل تحديد موعد وقوع الزلازل بدقة، إذ لم يصل العلم إلى هذه القدرة بعد. ولكن يمكن للعلماء تقديم مؤشرات أولية واستراتيجيات للتخفيف من آثار الزلازل عبر بناء منشآت مقاومة وتقوية البنية التحتية وفق علوم حديثة ومتطورة. وأضاف: تساعد هذه الجهود في التخفيف من الأضرار، وإن كانت لا تمنع وقوع الزلازل.
الزلازل في ذمار
بين فترة وأخرى، تشهد محافظة ذمار نشاطًا زلزاليًا، وأبرزها كان سلسلة من الزلازل الأرضية في مديرية عتمة ومغرب عنس عام 2016، التي وصلت قوتها إلى نحو 3 درجات بمقياس ريختر، دون تسجيل ضحايا. ويرجع مركز دراسة الزلازل هذه الأنشطة التكتونية إلى "الحركات الأرضية الطبيعية الناتجة عن انفتاح خليج عدن والبحر الأحمر".
تاثير سد النهضة
أثارت تحليلات الحوثي فرضية تأثير سد النهضة الإثيوبي في زيادة النشاط الزلزالي في المنطقة، مشيرًا إلى أن المياه المتجمعة في السد تُحدث ضغطًا على القشرة الأرضية. إلا أن الدكتور فهد الضلعي، رئيس قسم الجغرافيا بجامعة ذمار، يخالف هذا الرأي قائلًا: سد النهضة قد يسبب زلازل مستحثة، ولكن ليس له تأثير مباشر على النشاط الزلزالي في اليمن. موضحا أن السد – سد النهضة- يقع في منطقة غير نشطة زلزاليًا، وإذا زاد الضغط على الصدوع المجاورة، فقد يحدث زلازل خفيفة.
تشققات نجران
تحولت تصدعات صغيرة ظهرت منذ سنوات في مديرية جهران بمحافظة ذمار إلى شقوق عميقة تثير قلق السكان.
ويُرجع مركز الرصد الزلزالي سبب هذه الظاهرة إلى "الاستنزاف المفرط للمياه الجوفية، الذي يؤدي إلى انخفاض التربة وتشقق الأرض". كما يسهم النشاط الزلزالي المستمر وانفتاح البحر الأحمر وخليج عدن في حدوث هذه التصدعات.
وأجرت الهيئة العامة للموارد المائية دراسة فنية أكدت فيها تأثير السيول والتشققات على منازل ومزارع مدينة معبر وبعض القرى المحيطة.
وبينت الدراسة أن "التشققات تؤدي إلى تسرب مياه الفيضانات والسيول إلى خزانات المياه الجوفية، مما يهدد جودة المياه ويثير المخاوف من تفاقم المشكلة وتأثيرها السلبي على الزراعة والحياة اليومية".
وفي الوقت الذي يزداد فيه القلق بين السكان من احتمالية تفاقم هذه التشققات وحدوث انهيارات أرضية، يستبعد المهندس الحوثي أن تكون هذه الشقوق مؤشرًا على زلزال وشيك.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news