بعد أشهر من المناقشات واللقاءات المعمقة، أعلنت الأحزاب والمكونات السياسية الداعمة للسلطة الشرعية ممثلة في مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، تشكيل تكتل سياسي وطني باسم "التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية"، ليكون الأكبر منذ بدء الحرب قبل عشر سنوات.
احتضنت العاصمة المؤقتة عدن فعالية الإشهار في السادس من الشهر الجاري، بحضور رئيس الحكومة وممثلي البعثات الدبلوماسية والهيئات الدولية المعنية باليمن، في خطوة أعادت الاعتبار للعمل السياسي والتكاتف الوطني لتعزيز الجهود نحو تحقيق الهدف الأساسي المتمثل في استعادة الدولة وإنهاء انقلاب مليشيات الحوثي المدعومة من إيران.
يتناول هذا التحليل العوامل التي ساعدت في ميلاد التكتل السياسي وماذا يختلف عن المحاولات السابقة وصولا لاستشراف التحديات والتأثيرات المتوقعة على مستوى تعزيز قوة الدولة ومسار السلام وتعبيد الطريق للعمل السياسي.
المحاولات السابقة
في الواقع، نشأت الحاجة لتأسيس تحالف سياسي يضم القوى المؤيدة للشرعية منذ الانقلاب في سبتمبر ٢٠١٤، وكانت أولى تلك المحاولات في العاصمة صنعاء فيما سُمي حينها بالاصطفاف الوطني والذي نظم العديد من الفعاليات السياسية والمظاهرات الشعبية، ثم زادت الحاجة لتطوير الفعل السياسي عقب تدخل التحالف العربي في اليمن لدعم الشرعية في مارس ٢٠١٥، ولكن لأسباب مختلفة لم تتبلور النقاشات إلى إطار جامع.
في أبريل ٢٠١٩، عقد مجلس النواب الداعم للشرعية أول جلسة له في مدينة سيئون بحضرموت، وبالتزامن مع ذلك، أُعلن عن تأسيس "التحالف الوطني للقوى السياسية اليمنية" بمشاركة ١٦ حزبا ومكونا سياسيا بهدف دعم مسار استعادة الدولة ودعم السلام وإنهاء الانقلاب وبناء الدولة.
وقد وقعت القوى المنضوية في التحالف على الوثيقة المشتركة وبرنامج العمل التنفيذي واختارت القيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام، رئيس مجلس القيادة الحالي د. رشاد العليمي رئيسا للتحالف، ثم انتقلت القيادة للحزب الاشتراكي اليمني والتجمع اليمني للإصلاح على التوالي.
وعلى الرغم إن إعلان التحالف مثّل آنذاك أملا لتوحيد الصف الوطني وتعزيز العمل السياسي المساند للدولة، إلا أن ثمة عوامل حالت دون تنفيذ برنامجه على النحو المطلوب، وكان أبرز خطوة تم تحقيقها افتتاح فرع له بمدينة تعز فيما اقتصر العمل على البيانات السياسية.
بعد إعلان نقل السلطة في أبريل ٢٠٢٢ وإنشاء مجلس القيادة الرئاسي لتكون القيادة جماعية، استأنفت جهود توسيع التحالف بحيث يشمل القوى المنضوية في المجلس والداعمة له وتلك التي لم تكن جزءا من التحالف الذي تأسس في ٢٠١٩، وكانت نقطة الانطلاق الأولى كما يقول د. ناصر الطويل، أستاذ العلوم السياسية، هي دعوة الأستاذ محمد عبدالله اليدومي، رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح، في كلمته التي ألقاها بمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين لتأسيس الحزب.
كانت دعوة اليدومي أقرب إلى مبادرة يستشعر فيها الإصلاح مسؤوليته في قيادة الجهود لتوحيد العمل الوطني، انطلاقا من "المرحلة الحالية تتطلب البناء على تجربة التحالف الوطني لتوسيع قاعدة الشراكة عبر تحالف سياسي عريض يشمل المجلس الانتقالي الجنوبي، والمكتب السياسي للمقاومة الوطنية، وكافة القوى والمكونات المنضوية في الشرعية، للمضي صفا واحدا لإنهاء الانقلاب الحوثي".
التقط التحالف الدعوة وعقد سلسلة لقاءات في الداخل والخارج وشكّل لجنة للتواصل مع المكونات التي لم تكن جزءا منه، ثم بعد ذلك تم إعداد الوثائق الخاصة بالتكتل الجديد وشارك في دعم هذه الجهود المعهد الديمقراطي الأمريكي والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
تكتل سياسي موسع
في السادس من نوفمبر الجاري، تم إشهار التكتل الوطني بحضور رئيس الحكومة د. أحمد عوض بن مبارك، وقد تم التوافق على اختيار القيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام د. أحمد عبيد بن دغر، رئيسا للتكتل في الدورة الأولى.
وفي حفل الإشهار، اعتبر بن مبارك تأسيس التحالف جهدا وطنيا مميزا في لحظة تاريخية، مضيفا "إننا ننظر لهذا التكتل كصوت جديد، ورؤية متجددة، وأداة للتغيير البناء في وطننا الغالي، وجهد بارز في السياق الوطني يضاف للجهود التي تسعى لرص الصفوف وتهيئة السبل لإنقاذ اليمن من براثن مليشيا الحوثي".
وأكد تطلع الحكومة وبانفتاح كامل للتفاعل إيجابيا مع هذا الجهد الوطني وبما يقود لتوحيد الجهود لاستكمال استعادة الدولة وهزيمة الانقلاب وتحقيق السلام الذي سيكون له عظيم الأثر في تخفيف المعاناة التي يكابدها أبناء الشعب اليمني.
وهنا، تُطرح العديد من الأسئلة التي تهم الرأي العام ويحاول التحليل تقديم أجوبة لها، من بين هذه التساؤلات ما هو الجديد في التكتل وماذا يختلف عن سابقه وهل سيحدث فارقا في السياسة وحياة الناس أم قد يتراجع دوره بعد فترة كما حصل في المحاولات الماضية، وغيرها مما يُثار حول التكتل.
وقبل الخوض في التحليل، نتوقف عند بيان التكتل وما تضمنه من أهداف وأولويات ثم ننتقل لمناقشتها في سياق تقديم فهم معمق ومفيد للمهتمين والمواطنين على حدٍ سواء.
اعترف التكتل بما "رافق عمل الشرعية والقوى السياسية الداعمة لها من قصور وأخطاء وتباينات المصالح والرؤى، مما يستدعي المعالجات الجادة"، وهذا يعني تحوّلا في عمل الأحزاب، ذلك أن الخطوة الأولى لأي تغيير هي الاعتراف بالأخطاء ومن ثم العمل على تجاوزها.
العمل الذي ينبغي القيام به ينطلق من أهمية وأولوية "وحدة الصف الوطني لمجابهة تلك التحديات" بغية "تحقيق الهدف الجامع المتمثل باستعادة الدولة وإنهاء الانقلاب".
وبحسب بيان التكتل، تتمثل المبادئ والأسس التي يلتزم بها في "الدستور والقوانين النافذة والمرجعيات المتفق عليها وطنيًا وإقليميًا ودوليًا والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، فضلا عن العدالة والمواطنة المتساوية والتوافق والشراكة والشفافية والتسامح".
ويتوخى البرنامج السياسي لتحقيق مجموعة من الأهداف منها "استعادة الدولة وتوحيد القوى الوطنية لمواجهة التمرد وإنهاء الانقلاب، حل القضية الجنوبية كقضية رئيسية ومفتاح لمعالجة القضايا الوطنية، ووضع إطار خاص لها في الحل السياسي النهائي والحفاظ على النظام الجمهوري في إطار دولة اتحادية، بما يلبي تطلعات أبناء جميع المحافظات، ناهيك عن الحفاظ على سيادة الجمهورية واستقلالها وسلامة أراضيها والتوافق على رؤية مشتركة لعملية السلام ودعم سلطات الدولة لتوحيد قرارها وبسط نفوذها على كافة التراب الوطني".
علاوة على ذلك، يهدف التحالف إلى "تعزيز علاقة اليمن بدول الجوار ومحيطها العربي والمجتمع الدولي ومحاربة الفساد والغلو والإرهاب ورفض التمييز بكافة أشكاله واستئناف الحياة السياسية في عموم محافظات الجمهورية، ورفض فرض المشاريع والرؤى السياسية بالعنف ومساندة الحكومة في برنامجها الاقتصادي لتقديم الخدمات ورفع المعاناة عن كاهل المواطنين وأخيرا عودة جميع مؤسسات الدولة للعمل من العاصمة المؤقتة عدن".
الجديد والمُختلِف في التكتل
بالعودة للأسئلة المشار إليها سابقا، يُمكن القول إن الجديد في التكتل هو ضم قوى لم تكن ضمن التحالف الأول، مثل المكتب السياسي للمقاومة الوطنية ومجلس حضرموت الوطني (حديث التأسيس) ومجلس شبوة الوطني، وكان يُفترض أن يكون المجلس الانتقالي جزءا منه لكنه انسحب على الرغم من مشاركته في الاجتماعات التحضيرية التي عُقدت في أبريل الماضي بعدن.
وبجانب ذلك، يعتبر التكتل أكبر تحالف وطني منذ بدء الحرب مما يعني توسيع قاعدة الشراكة السياسية والاصطفاف الوطني وتعزيز تماسك جبهة السلطة الشرعية بموجب المرجعيات والمبادئ والأهداف التي تم التوافق عليها والتي تزيل عوائق التقارب والعمل المشترك.
ومما يختلف به هذا التكتل عن التحالف السابق أنه انطلق من العاصمة المؤقتة ويؤدي عمله من هناك ومن المتوقع أن يكون لديه فروع في مختلف المحافظات لتعزيز التواصل مع الشعب والعمل الميداني لتجاوز أخطاء الماضي مثل اقتصار أنشطة التحالف على نخبه السياسية وبياناته الصحفية.
من المتوقع أن يكون العمل الوطني لتحقيق الأهداف المتفق عليها، يأخذ الطابع الجماعي أكثر من السابق الذي كان هناك مواقف مستقلة لبعض القوى رغم أنها كانت جزءا من التحالف الوطني، مما ساهم في تشتيت الجهود والطاقات وعزز الخلافات ودفع بها للسطح عوضا عن حلها ضمن النقاشات الداخلية في الإطار الجامع.
التركيز على الأهداف المشتركة وهي استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب من شأنه أن يؤجل أي خلافات جانبية ويعيد الزخم السياسي والوطني للمسار الذي تأثر بسبب جملة من العوامل منها التباينات وتغليب المصالح الخاصة دونما اعتبار لخطورة المرحلة وأولوياتها الوطنية.
إن المضي قدما في طريق استعادة الدولة يتطلّب تسخير وتوفير كافة الطاقات والجهود بين المكونات المختلفة مثلما كان الحال في البداية، على اعتبار أن تمتين جبهة الشرعية أمر أساسي وضروري لمواجهة الحوثي حتى على المستوى السياسي، وكلما كان هناك التزام بالأهداف الجامعة كلما كان هناك عمل أفضل.
وتبعا لذلك، سيكون التكتل مصدر قوة ودعم إضافي للمجلس الرئاسي والحكومة لا غنى لهما عنه، وسيساهم إلى حد كبير في احتواء الخلافات داخله لمنع انتقالها إلى هياكل الدولة وإعاقة عملها، وفي عزز التكتل حضوره في المحافظات، سيترتب على ذلك تفعيل مؤسسات الدولة وتلبية احتياجات الناس.
خلال العامين الماضيين، أثرت التباينات والخلافات بين أعضاء المجلس الرئاسي على أداء عمله، حتى أصبحت هذه المسألة حاضرة على الدوام في لقاءات السفراء الأجانب بأعضاء المجلس الذين كانوا يشددون على أهمية وحدة الصف داخل المجلس من أجل دعمه دوليا وتجنب إعطاء تصوّر سلبي عنه باعتباره جبهة مفككة من الصعب التعامل معها.
وحول هذه النقطة تحديدا، يؤكد التكتل أنه سيعمل على " توحيد مواقف المجلس الرئاسي حول برنامج إنقاذ وطني يرتكز على ما تضمنه إعلان نقل السلطة ويحدد الأولويات الجامعة لكل المشاريع السياسية للمكونات، وفي مقدمتها إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة"، ومن شأن تحقيق ذلك أن يساعد المجلس على تلبية الأولويات الشعبية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وعلى مستوى الخدمات.
أولوية تلبية احتياجات الناس
عادة ما يتم قياس نجاح ومستقبل أي تحالف وطني بقدرته على ملامسة هموم المواطنين واعتبارها أولوية في البرامج والأنشطة، وكلما اقتربت القوى السياسية من الجماهير بالاستجابة الفعلية لقضاياها أكثر من الكلام، كلما اكتسبت الثقة والحضور والعكس صحيح.
وفي هذا السياق، أدرك التكتل أهمية هذه القضية وأكد في بيانه أنه يعطيها "الأولوية في برامجه وأنشطته للجانب الاقتصادي والمعيشي للمواطنين"، ويشمل ذلك الضغط على الحكومة للقيام بإجراءات للحد من انهيار العملة الوطنية ومعالجة التدهور الاقتصادي وإعادة النظر في سلم الأجور لموظفي الدولة المدنيين والعسكريين وأسر الشهداء والجرحى في عموم المحافظات.
وقد ناقش أول اجتماع للتكتل في عدن، "الوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد وتأثيره المباشر على حياة المواطنين، إلى جانب تردي مستوى الخدمات الأساسية، مما زاد من معاناة الشعب اليمني. وتم الاتفاق على ضرورة التحرك السريع لوضع حلول عاجلة لهذه التحديات".
سيكون من المفيد للتكتل أن يتجاوز النمط التقليدي في مقاربة قضايا الناس والتي اعتادت الأحزاب والقوى السياسية معالجتها بالبيانات التي توّجه للحكومة لحثها على القيام بدورها، وبالتالي ينبغي الانتقال للمستوى الفعلي لتجاوز اختبار ثقة الناس، وذلك من خلال التوافق على آلية محاسبة ومراقبة لأداء المسؤولين بحيث يتولى كل حزب أو مكون تقييم مستوى مسؤوليه ورفع تقرير للمجلس ليكون الضغط جماعيا.
هذا المقترح يدعم هدف محاربة الفساد ويعزز المصداقية ولابد أن يترافق مع الضغط لتفعيل أجهزة الرقابة والمحاسبة المختلفة، وهذا الأمر يمكن تحقيقه طالما هذه المكونات شريكة في السلطة وتستطيع محاسبة مسؤوليها وتغيير الذين ثبت فسادهم أو فشلهم بدلا من استمرارهم في مناصبهم في الوقت الذي تكتفي قواهم بالحديث عن الفساد بالكلام دون فعل.
التحديات الحالية والمتوقعة
لكل عمل سياسي ووطني تحديات متوقعة وغير متوقعة، سواء كان هذا العمل في وقت السلم أو الحرب، ولذلك من الحكمة وضع تصوّر يتعامل مع هذه التحديات القائمة والناشئة المحتملة لضمان تحقيق الأهداف وتجنب الفشل الذي سيكون خيبة أمل كبيرة بعد التجارب العديدة.
من التحديات الراهنة، أن يتعامل التكتل مع السلطة باعتبارها تحالفا داعما بدلا من كونه جزءا منها أصلا، والفرق بين الأمرين يحدد النجاح والفشل، ففي الحالة الأولى سيعيد التكتل تعريف نفسه باعتباره نسخة من التحالفات الماضية التي نشاطها نخبوي يقتصر على البيانات دون تحمّل المسؤولية بالنظر إلى أن معظم مكوناته تنضوي في إطار السلطة سواء في الحكومة أو المجلس الرئاسي.
أما في حال التعامل بالطريقة الثانية، فهذا يعني أن التكتل سيقوم بواجباته وسيساهم في تغيير أداء السلطة ويلعب دورا ضاغطا في استجابتها لاحتياجات المواطنين ويشمل هذا الدور المحاسبة والشفافية ومحاربة الفساد وتعزيز عمل المؤسسات من الداخل والتركيز على الأولويات المجتمعية.
التحدي الآخر، تجاوز حالة المحاصصة والتقاسم في المناصب على أساس الانتماء والتأثير على حساب معايير الكفاءة والنزاهة والخبرة والاستعداد للتضحية، والاستفادة من دروس السنوات الماضية التي كانت نتيجتها تعطيل أداء المؤسسات وتمكين غير المؤهلين من المناصب وحمايتهم من المحاسبة والتمسك بهم حتى عندما يثبت فشلهم أو فسادهم، وعلى قدر حدوث تغيير في هذا الجانب، سيكون هناك فارق إيجابي لصالح الناس.
إن استيعاب كافة القوى الداعمة للشرعية أيا كان وزنها السياسي أو الشعبي أمر ضروري لتجاوز الشعور بالتهميش أو الإقصاء، كما أنه مفيد لجهة تمتين وحدة الصف واستغلال كل الطاقات لتحقيق الأهداف الجامعة.
وفي هذا الإطار، اتخذ التكتل خطوة جيدة بالتأكيد على أن بابه "مفتوح لكافة القوى السياسية الراغبة بالانضمام إليه وفقًا للأسس والأهداف التي قام عليها"، وهذا يعني أن الطريق سالك أمام التحاق قوى جديدة بما في المجلس الانتقالي الذي انسحب من تلقاء نفسه على الرغم إن التكتل وضع القضية الجنوبية في الإطار الذي يطالب به الانتقالي، كقضية رئيسية ومفتاح لحل القضايا الوطنية.
سيكون التواصل مع الانتقالي والتفاهم معه للانضمام للتكتل مسألة مهمة ولاشك أن القائمين على التكتل سيقومون بذلك مع الانتقالي ومع غيره، مع الأخذ في الاعتبار الهواجس المختلفة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news