لا زال الخطاب العربي والإقليمي والدولي الهادف إلى تحقيق الأمن والسلم الدوليين في باب المندب والبحر الأحمر وخليج عدن غير موفقا إذا ما استمر في مراهناته على التكتلات المخادعة للقوى المهيمنة في اليمن الشقيق التي طالما خذلت الجميع في كل المراحل السابقة .
ولمعرفة حقيقة هذه التكتلات المخادعة ينبغي ربط هذه التكتلات المشبوهة بأس المشكلة وإرثها التاريخي الذي أنتج واقعا لا يجيد سوى إنتاج التكتلات القبلية والعسكرية والدينية المتطرفة في اليمن الشقيق لأسباب كثيرة يكمن أهمها في كون اليمن الشقيق يكاد أن يكون من بين البلدان القليلة إن لم يكن البلد الوحيد في العالم الذي لم تقم به دولة مدنية ولا يمكن تقوم وبالذات في زمنا المعاصر بفعل خضوعه التاريخي لهيمنة الثقافة (القبلية والعسكرية والدينية المتعصبة) التي لا تؤمن بثقافة الدولة المدنية التي تنتج الأحزاب السياسية وطالما الأمر كذلك فلا توجد أحزاب سياسية حقيقية في اليمن الشقيق يتم المراهنة على تكتلها خدمة لمصالح عربية وإقليمية ودولية لأن الموجود تاريخيا ولا زال تكتلات (قبلية وعسكرية ودينية متطرفة) لا تجيد سوى التكتل من أجل مصالحها فقط .
ولهذا فالرهان على ما يسمى بأحزاب الوهم مضيعة للوقت وتعطيل للمنجز الجنوبي الضامن للأمن والسلم الدوليين في المنطقة والعالم كما كان ولا زال .
وإسهاما منا في إبراز حقيقة تلك التكتلات اليمنية المخادعة سنركز البحث أولا عن أس المشكلة وإرثها التاريخي وصولا إلى ما هي عليه اليوم .
ولهذا سيدرك الباحث منذ البداية بأن موروث الثقافة المهيمنة في اليمن الشقيق لم ينتج أحزابا سياسية بل أنتج تكتلات قبلية وعسكرية ودينية لأن الثقافة المهيمنة في اليمن الشقيق لا تؤمن بثقافة الدولة المدنية ولهذا من المستحيل أن تنتج هذه الثقافة الراديكالية أحزابا سياسية تمتلك مشروعا وطنيا مدنيا يتم الرهان عليه .
وما يزيد من عمق المأساة في اليمن الشقيق أن تلك التكتلات القبلية والعسكرية والدينية تتكتل في كل مرحلة بالشكل الذي يحقق هيمنت قوى الهضبة العليا بصنعاء وما حولها فقط على بقية القوى القبلية والعسكرية والدينية في اليمن الشقيق.
ولضمان استمرار هيمنة قوى صنعاء وما حولها على الكل تحرص هذه المكونات على التماهي في كل مرحلة مع كل ما هو جديد بهدف إخضاعه لقوى صنعاء وما حولها بهدف استمرار هيمنتها على الآخرين بل إن جميع فروع هضبة صنعاء وما حولها أينما كانوا يكون ولائهم دائما لمركز الهضبة مهما كان شكله ونوعه.
ولإثبات صحة ذلك سنحاول تقديم أبرز النماذج فقط لتأكيد صحة هذه الحقيقة.
١-ففي مرحلة ظهور القبيلة كقوة جامعة في اليمن الشقيق تعاملت معها الأسر النافذة في صنعاء وما حولها ثم تكتلت لتنتج هيمنة قبيلة حاشد ذات الأقلية على الأكثرية في قبيلة بكيل وتخضعها لهيمنتها ولا زالت .
٢-وعندما برز الدين كقوة جامعة للكل تعاملت معه قوى صنعاء وما حولها ثم تكتلت لتنتج هيمنة المذهب الزيدي ذات الأقلية على المذهب الشافعي ذات الأكثرية وإخضاعه لها .
٣- وحين برزت قوى الجيش الوطني كقوة عسكرية جامعة للكل تعاملت معه قوى صنعاء وما حولها ثم تكتلت لتنتج هيمنة القيادات العسكرية المتخلفة لهضبة صنعاء وما حولها ذات الأقلية على بقية القيادات العسكرية ذات الأكثرية في اليمن الشقيق.
٤-وعندما انفجرت الثورة السبتمبرية كقوة جامعة للكل استجابة لها قوى صنعاء وما حولها ثم تكتلت لتنتج هيمنة قوى اللاثورة على قوى الثورة واخضعتها لها.
٥-وحين برزت الدولة كقوة جامعة لكل القوى في اليمن الشقيق أمنت بها قوى صنعاء وما حولها ثم تكتلت لتنتج قبيلة الدولة بدلا من ديولة القبيلة لتخضعها لمصلحة الأقلية في صنعاء وما حولها .
٦- وعندما برزت التجارة كقوة جامعة للكل قبلت بها قوى صنعاء وما حولها وتكتلت لتنتج هيمنة الأقلية على الأغلبية من التجار واخضاعهم لها.
٧-وحين تم التوافق على الوحدة كقوة جامعة بين دولتي الجنوب واليمن الشقيق استجابة قوى الأقلية في صنعاء وما حولها للوحدة ثم تكتلت لتنتج انقلابا كليا على الوحدة خدمة لمصالح التكتل القبلي والعسكري والديني على حساب الشريك الجنوبي.
٨-وحين برزت الديمقراطية كقوة جامعة ومقنعة للحكم ومنتجة للاستقرار في المنطقة والعالم آمنت فيها قوى الأقلية في صنعاء وما حولها ثم تكتلت لتنتج ديمقراطية مزيفة تخدم قوى صنعاء ومن حولها وتلغي الحق الجنوبي.
٩-وعندما توافق الكل على اتفاقية العهد والاتفاق قبلت فيها قوى صنعاء وما حولها ثم تكتلت لتنتج وضعا انقلابيا تجسد في احتلالها للجنوب في يوليو 1994م وتعريض المنطقة والعالم للإرهاب إلى يومنا هذا.
١٠-وحين تم إعلان الحرب من قبل القوى الدولية والعربية ضد المشروع الإيراني الحوثي بقيادة دول التحالف العربي وافقت فروع قوى صنعاء المتواجدة في عدن على ذلك ثم تكتلت لتنتج انقلابا يمنيا حوثيا ضد التحالف والجنوب .
١١-وعندما تبنى التحالف بقيادة المملكة والإمارات مشروع الشراكة بين الانتقالي والشرعية قبلت فروع قوى صنعاء المتواجدة في عدن ثم تكتلت لتنتج شراكة مزيفة لا تخدم إلا مصالحها على حساب الجنوب .
واليوم قبلت شكلا فروع قوى صنعاء المتواجدة في الخارج بما يسمى التكتل اليمني لتحرير الحديدة لتنتج مستقبلا تكتلا مغايرا يؤدي إلى إنقاذ الحوثي ومحاربة الانتقالي والأيام بيننا إذا لم يتم الاستفادة من عبر الماضي .
هذه هي حقيقة التكتلات اليمنية منذ القدم ولا زالت والمراهنة عليها كمن يراهن على العدم وهذا ما ينبغي أن تدركه القوى الدولية والإقليمية والعربية الرامية إلى إحلال الأمن والسلم الدوليين في هذه المنطقة الحساسة من العالم حتى لا تقع بنفس الفخ الذي وقعت ووقع به الكل بفعل هذه التكتلات المخادعة في كل المراحل السابقة.
*محلل سياسي وباحث أكاديمي.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news