الجنوب اليمني: خاص
ونحن على مشارف الاحتفال بذكرى الـ 30 من نوفمبر وهو يوم جلاء آخر جندي للاستعمار البريطاني عن جنوب اليمن عام 1967، تعود بنا الذاكرة إلى الأثر الذي تركته الأغنية الوطنية على مشاعر الشعب اليمني وحسه التحرري. فقد كانت هذه الأغاني رمزاً لروح المقاومة ومثالاً على تضامن الشعب اليمني ضد الاحتلال والقمع. ولكن، كيف أسهمت التقلبات السياسية في اليمن في تراجع هذا الفن الوطني العريق؟
ولانه لم تمضي ايام قليلة وكان اليمنيون قد احتفلوا بذكرى ثورة 14 أكتوبر 1963 ضد الاستعمار البريطاني والسلاطين في جنوب اليمن وقبلها احتفل اليمنيون ايضا بذكرى ثورة 26 سبتمبر 1962 ضد الحكم الإمامي في شمال اليمن، وفي مثل هذه المناسبات تتجدد عادةً الاحتفالات بالأغاني الوطنية التي شهدت مراحل من التألق والخفوت على مر السنين، وذلك بتأثير مباشر من الظروف السياسية والثقافية التي مرت بها البلاد.
بدايات الأغنية الوطنية في اليمن
بدأت الأغنية الوطنية اليمنية منذ الخمسينيات، ويعتبر النقاد أغنية “باسم هذا التراب” للفنان حسن عطاء باكورة هذا اللون الفني الذي رافق موجات التحرر العربي. ورغم أن جنوب اليمن كان السباق في هذا المجال، إلا أن الشمال انضم سريعاً عقب ثورة سبتمبر 1962.
وقد برزت خلال ثورة 14 أكتوبر العديد من الأغاني، مثل “الله الله يا أكتوبر” ليوسف أحمد سالم، و”سلامي ألف للدولة وللعسكر” لإسكندر ثابت، و”هنا ردفان” للفنان محمد مرشد ناجي. وكانت هذه الأغاني محملة بنغمات وألحان عميقة مع توزيع موسيقي متقن، مستفيدة من الانفتاح الثقافي لمدينة عدن وتأثيرها القوي على باقي اليمن، كما ساعدت في انتشار الأغاني جنوباً وخارج البلاد.
ومن أبرز الأغاني التي صدحت بروح التحرر، أغنية “برع يا استعمار” لمحمد محسن عطروش التي حققت شهرة واسعة على المستوى العربي بعد تسجيلها في القاهرة وإذاعتها عبر صوت العرب، ما ساهم في بث الحماسة بين الثوار في عدن.
الأغنية الوطنية في الشمال
في الشمال، تأخر ظهور الأغاني الوطنية حتى بعد ثورة سبتمبر، حيث عوض الفنانون العرب هذا النقص، وغنى العديد من الفنانين لثورة الشمال، مثل عبد الحليم حافظ ونجاح سلام. لاحقاً، بدأت الأغاني الوطنية تظهر بصوت فنانين يمنيين، من بينهم محمد مرشد ناجي بأغنيته الشهيرة “يا طير يا رمادي”.
ومع نهاية الستينيات وحتى الثمانينيات، برز دور الفنان أيوب طارش في إحياء الأغنية الوطنية في الشمال بتعاونه مع الشاعر عبد الله عبد الوهاب نعمان (الفضول) لتقديم أعمال خالدة، أبرزها النشيد الوطني “رددي أيتها الدنيا نشيدي”.
مرحلة ما بعد الوحدة اليمنية
بعد الوحدة اليمنية في 1990، ظهرت موجة جديدة من الأغاني الوطنية، منها “أمي اليمن” لأبوبكر سالم و”من كل قلبي بحبك” لأحمد بن أحمد قاسم. لكن هذه الأغاني بدأت في التراجع بعد حرب صيف 1994، حيث أثرت تعقيدات المشهد السياسي على الإنتاج الفني الوطني، وانحسر دور الأغنية الوطنية بسبب تباين المصالح.
تأثير السياسة على الأغنية الوطنية
تحدث الموسيقار جابر علي أحمد عن خصوصية الأغنية الوطنية اليمنية ودورها التاريخي كرمز للنضال ضد الاستعمار، مشيرًا إلى أن هذا اللون الفني كان بمثابة رمز جامع قبل الاستقلال، لكنه بات أحيانًا أداة للدعاية السياسية، خاصة بعد أن أصبحت اليمن تحت إدارة وطنية.
وأضاف الشاعر فتحي أبو النصر أن الأغاني الوطنية تأثرت بالتحولات السياسية العميقة في البلاد، حيث أسهمت الصراعات الداخلية، خاصة منذ انقلاب الحوثيين عام 2014، في إضعاف الأغنية الوطنية التقليدية. وأصبحت “الزوامل”، وهي أغانٍ شعبية ذات طابع تحريضي، تهيمن على الساحة الفنية لتخدم أهداف الميليشيات، وتسببت في تراجع الأغنية الوطنية عن مكانتها الأصلية.
الأغنية الوطنية بين الماضي والحاضر
تمر الأغنية الوطنية في اليمن بمرحلة صعبة، حيث أصبحت ضحية للتقلبات السياسية المتواصلة التي عصفت بالبلاد، ما أدى إلى تراجع إنتاج هذا النوع من الفن وتراجع تأثيره. ففي ظل غياب الاستقرار، تعاني الأغنية الوطنية من التهميش وتحل محلها أغانٍ تعبّر عن الانقسامات والمصالح المتباينة.
مرتبط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news