مشاهدات
تصدّرت إسرائيل وهايتي قائمة الدول التي سجّلت أكبر عددٍ من جرائم قتل الصحافيين خلال العام 2024، متقدمةً على الصومال وسورية وجنوب السودان، بحسب المؤشر العالمي للإفلات من العقاب الذي تعده لجنة حماية الصحافيين سنوياً.
واحتلت هايتي المرتبة الأولى هذا العام بسبع جرائم قتل للصحافيين لم يُكشف عن مرتكبيها، بعد ظهورها على المؤشر العام الماضي واحتلالها المركز الثالث جراء الاضطرابات السياسية التي أدت إلى سيطرة العصابات على مناطقة واسعة من البلاد. فيما جاءت إسرائيل في المركز الثاني، بثماني جرائم قتل للصحافيين لم يُكشف عن مرتكبيها، حتى 31 أغسطس/ آب الماضي.
ولفت التقرير الصادر الأربعاء إلى أن قياس نسبة عدد جرائم قتل الصحافيين التي لم يُكشف عن مرتكبيها يتم نسبةً إلى عدد السكان، ممّا يجعل هايتي التي تملك عدداً قليلاً من السكان تتصدّر المؤشر أمام دولة الاحتلال، رغم وقوع عددٍ اقل من الجرائم فيها. كذلك، أشارت لجنة حماية الصحافيين إلى أنّها تحقّق في 10 جرائم قتل عمدٍ أخرى راح ضحيتها صحافيون آخرون على يد قوات الاحتلال، لكنّها أشارت في الوقت عينه إلى أنّ العدد قد يكون أكبر من ذلك بكثير، في ظل صعوبة توثيق أحداث الحرب.
وفي حين نبّه التقرير إلى أنّ إسرائيل قتلت "عدداً قياسياً" من الصحافيين الفلسطينيين منذ بدء حرب الإبادة العدوانية المستمرة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم تحتسب معظم هذه الجرائم ضمن مؤشر الإفلات من العقاب. إذ يعتمد هذا المؤشر على معايير معينة، وتعرّف اللجنة "جريمة القتل العمد" بأنها "قتل الصحافي، سواء عن نية مسبقة أم بصفة ارتجالية، عندما تتيح لنا الأبحاث التي نجريها أن نقول، وبدرجة معقولة من اليقين، إن الفرد المعني قُتل على خلفية ارتباط مباشر بعمله صحافياً". بالتالي، وعلى الرغم من أن مكتب الإعلام الحكومي في قطاع غزة أحصى حتى الآن استشهاد 180 صحافياً بقصف ونيران الاحتلال الإسرائيلي، إلّا أنّ اللجنة أدرجت فقط أسماء الشهداء الذين تمكّن باحثوها من إثبات استهدافهم بسبب صفتهم الصحافية.
وعلى الرغم من إسرائيل أنكرت أنها تتعمد قتل الصحافيين خلال حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة، إلّا أن جيشها يملك "سجلاً طويلاً لقتل الصحافيين"، وفقاً للجنة، التي وثّقت عدم محاسبة أحد من المتهمين بالمسؤولية عن مقتل 20 صحافياً فلسطينياً بنيران الاحتلال خلال السنوات الـ22 السابقة للعدوان الحالي. أما بعد السابع من أكتوبر 2023، فقد وثّقت لجنة حماية الصحافيين قتل جيش الاحتلال عمداً خمسة صحافيين، هم: مصور وكالة رويترز اللبناني عصام العبدالله الذي استشهد في قصف إسرائيلي استهدفه مع زملاء له خلال تغطيتهم الأحداث على الحدود اللبنانية في 13 أكتوبر/ تشرين الأول. إضافةً إلى حمزة الدحدوح ومصطفى ثريا، اللذين تعرضت سيارتهما لاستهداف مباشر في السابع من يناير/ كانون الثاني الماضي أثناء عودتهما من تغطية صحافية في قطاع غزة. وكذلك، إسماعيل الغول ورامي الريفي اللذين استشهدا في هجوم مسيرة إسرائيلية عليهما في 31 يوليو/ تموز الماضي.
على الصعيد العالمي لم يتغيّر الكثير أيضاً، إذ وجد المؤشر إلى أن الإفلات من العقاب استمر في 77% من جرائم قتل الصحافيين حول العالم، إذ لم يخضع أحد للمساءلة وبقيت الجرائم بلا حل. يعكس الرقم الحالي تحسناً طفيفاً عن العام الماضي حين وصل المعدل إلى 78%، ويظلّ أفضل بكثير من معدل 90% الذي سجل في العام 2014.
ورأى التقرير أن الإفلات من العقاب صار "راسخاً في جميع أنحاء العالم، إذ يظل زهاء أربعة من كل خمسة من مرتكبي جرائم القتل ضد الصحافيين دون عقاب وباستمرار". وحلّت هايتي وإسرائيل والصومال وسورية وجنوب السودان في المراتب الخمس الأولى، فيما حلت أفغانستان في المركز السادس، متقدمةً على العراق والمكسيك والفيليبين وميانمار التي أكملت قائمة العشر الأوائل. وأشار التقرير إلى أن سورية والصومال وجنوب السودان كانت حاضرة بشكل دائم على نتائج المؤشر خلال سنوات العقد الماضي. كما لفت إلى أن جميع هذه الدول تعاني من عوامل هدامة مشتركة تتيح لـ"قتلة الصحافيين التملص من العدالة"، مثل "الحروب، وحركات التمرد، والحكومات الاستبدادية، والعصابات الإجرامية، ونقص الفعل السياسي والقضائي".
وأوضح أن ذلك يؤدي إلى "تأثير وخيم على حرية الصحافة"، منبهاً إلى أنّه "كلما استمرت هذه الظروف زادت أرجحية تكريس الإفلات من العقاب، وفرار الصحافيين من أوطانهم، وممارستهم للرقابة الذاتية أو تركهم للمهنة نهائياً".
في الوقت عينه، نبّه التقرير إلى أن تزايد الإفلات من العقاب يمتد إلى دول تعتمد نظماً ديمقراطيةً أيضاً. على سبيل المثال، سجلت المكسيك 21 جريمة قتل للصحافيين من دون عقاب، وهي الأعلى على امتداد فترة المؤشر. كذلك، الحال في البرازيل، التي شهدت مقتل 10 صحافيين خلال فترة المؤشر. وجرت معظم هذه الجرائم خارج المراكز الحضرية الكبرى وشملت صحافيين من وسائل إعلام محلية صغيرة ومحطات إذاعية وصحافيين مستقلين.
لجنة حماية الصحافيين توثّق الجرائم حدّد باحثو لجنة حماية الصحافيين 241 جريمة قتل عمد للصحافيين في الفترة بين 1 سبتمبر/ أيلول 2014 و31 أغسطس 2024. لكن العدالة الكاملة لم تتحقّق سوى في أقل من 4% من هذه الجرائم، وتحقّقت العدالة الجزئية في 19% منها، لكن ضحايا بقية الجرائم والتي تصل نسبتها إلى 77% لم يحصلوا على أيّ نوع من العدالة.
ورأت لجنة حماية الصحافيين أنّ استمرار الإفلات من العقاب في جرائم قتل الصحافيين، رغم قرارات الأمم المتحدة المتعدة التي رسخت مفهوم أن الصحافيين مدنيون يتمتعون بحماية القانون الدولي، يشير إلى غياب "التحرك الجاد" بخصوص المساءلة حول هذه الجرائم في العقود الأخيرة، ويبيّن "الحاجة إلى القيام بالمزيد لإخضاع مرتكبي الجرائم للحساب". وأشارت إلى أنّها تبذل جهوداً مع شركاء آخرين تهدف إلى "تشكيل فريق مهمات دولي للتحقيقات يركز على الجرائم ضد الصحافيين"، ولفتت إلى وجود "مخطط أولي لهيئة من هذا القبيل اقترحه فريق خبراء قانونيين عام 2020، تقوم بإرسال الموارد أو تقديم المشورة في الأوضاع التي قد تفتقر فيها أجهزة فرض القانون المحلية إما للقدرات أو للإرادة السياسية للتحقيق في الجرائم المرتكبة بحق الصحافيين. ومنذ العام 1992، وثّقت اللجنة 974 جريمة قتل ذهب ضحيتها صحافيون، ولم تتحققّ العدالة الكلية إلا في 5% منها فقط، فيما ظل 79% منها دون حل. بحسب اللجنة، فإن "الإفلات من العقاب منتشر كما كان دائماً، ولا تتوفر لعائلات الصحافيين القتلى ولزملائهم سوى فرصة ضئيلة أن يروا أي من مرتكبي الجرائم يخضع للمساءلة".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news