كشفت ناشطة حقوقية بارزة، عن اجتزاء وتحريف قامت به منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، لشهادتها على إحدى الغارات الجوية التي نفذتها مقاتلات التحالف في مدينة تعز وسقط فيها مدنيون.
وفي الإفادة التي بعثتها لـ"المصدر أونلاين"، أشارت الناشطة الحقوقية المعروفة إيمان مرعي، إلى أن المنظمة قامت بتعديل وحذف أجزاء من شهادة أدلت بها يومها حول غارة جوية وقعت في منطقة صالة بمدينة تعز في أغسطس من العام 2015، بهدف إدانة طرف واحد وتبرئة مليشيا الحوثي من جرم التمترس خلف المدنيين واستخدامهم دروع بشرية، وهو ما دأبت عليه المنظمة في كل تقاريرها.
وأضافت مرعي أنها كانت قد تحدثت في الشهادة التي أدلت بها لراصدي المنظمة يومها عن وجود قوات وأسلحة تابعة للحوثيين في المنطقة المستهدفة، غير أن التقرير الصادر عن المنظمة في نهاية العام والذي صدر بعنوان "غارات عمياء"، حذف ما يتعلق بهذه الجزئية في شهادتها، مع أن التقرير يفترض، وحسب التقاليد المهنية المعمول بها، أن يتضمن شهادات الشهود نصاً ويكتب بلغة المتحدث، ومع أن شهادتها قد وضعت بين حاصرتين إلا أنها كانت مجتزأة بما يخدم توجه المنظمة.
واعتبرت مرعي أن هذا النوع من الانتقائية يبرز تلاعب منظمة مواطنة بالمعلومات لتجنب الإضرار بصورة الحوثيين، وقالت: "هذه الواقعة، تفضح بجلاء تلاعب منظمة مواطنة بالمعلومات التي تحوزها من الميدان، وتسخيرها لصالح طرف على آخر في هذه الحرب، عوضا عن تغليب سردية على أخرى، لخدمة أهداف باتت واضحة ومرئية".
تفاصيل القصة:
في ديسمبر 2015، أصدرت المنظمة التي يديرها من صنعاء رضية المتوكل وزوجها السابق عبدالرشيد الفقيه، تقريرا يحمل عنوان: "غارات عمياء"، قالت إنه يسلط الضوء على تأثير الضربات الجوية للتحالف العربي بقيادة السعودية على حياة المدنيين في اليمن، خلال الشهور الأولى من الحرب بين مارس، الشهر الذي انطلقت فيه عمليات التحالف، وأكتوبر من العام نفسه.
قدّم التقرير ما قالت المنظمة إنها "حقائق" حول 44 غارة جوية في تسع محافظات يمنية، مثل صنعاء وتعز وصعدة والحديدة، وإنها تسببت بمقتل 615 مدنيًا على الأقل، بينهم 220 طفلًا و120 امرأة، وجرح 678 مدنيًا آخرين، من بينهم نساء وأطفال.
قالت المنظمة إن التقرير يعتمد على تحقيقات ميدانية قام بها باحثوها، الذين زاروا مواقع الضربات وأجروا مقابلات مع 155 شخصًا من الضحايا الناجين وأقاربهم وشهود العيان والأطباء، وتصب تلك الشهادات بشكل متواتر في تأكيد استهداف الأحياء السكنية المكتظة، والمنازل، والبنية التحتية المدنية، مثل الأسواق والمدارس، بعيدًا عن الأهداف العسكرية المعلنة.
ولإضفاء طابع الحياد، عرض التقرير أيضًا تصريحات التحالف التي يؤكد فيها حرصه على استهداف المواقع العسكرية بدقة لتقليل الأضرار على المدنيين، ليؤكد التقرير أن الحوادث الموثقة تتعارض مع هذا الادعاء، إذ تظهر الأدلة أن الغارات غالبًا ما كانت عشوائية أو دون الالتزام بتحديد أهداف عسكرية واضحة، ما أدى إلى خسائر مفرطة في صفوف المدنيين، يقول التقرير.
وفي الختام، قدمت المنظمة توصيات للمجتمع الدولي للتحقيق في هذه الضربات الجوية "بشكل مستقل ومحايد"، ووقف بيع الأسلحة التي تستخدم في النزاع، كما أوصت بتقديم تعويضات للمتضررين، وإلزام التحالف بمراجعة سياساته العسكرية لتفادي استهداف المدنيين.
ووقف الأسلحة عن التحالف، هو أبرز الأهداف التي سخرت المنظمة جهودها خلال سنوات الحرب، للضغط من أجله، ونجح الضغط في وقف تسليح السعودية بأسلحة هجومية من عدد من دول الغرب أبرزها بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة، فيما الأخيرة قررت مؤخراً العودة لتزويد المملكة بالأسلحة.
كما بذلت المنظمة جهودا وعقدت ورش وندوات ولقاءات وأصدرت تقارير، مستغلة دعمها الكبير ونفوذها وعلاقاتها الواسعة في الغرب، للدفاع عن الحوثيين وتحميل خصومهم فقط مسؤولية الانتهاكات التي ترتكب في البلاد.
ومؤخراً، ومع إطلاق المنظمة منصة بودكاست، تابعة لها، نشرت مقابلات مع مسؤولين فيها، يتغنون بالحياد والموضوعية، ما دفع الناشطة المذكورة، وهي واحدة من أبرز الشهود في التقرير آنف الذكر، على الخروج، وكشف ما تعرضت له شهادتها من حذف وتعديل واجتزاء أجزاء منها، دفاعاً عن الجماعة.
وقالت الناشطة: "قدر لي مؤخرا الاستماع إلى تسجيلات (بودكاست) من القائمين على منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، يتحدثون فيها عن الموضوعية والمهنية في عملهم، ويلقون بتهم (التحيز والعمل لصالح أطراف النزاع) على كل من ينتقد أدائهم"، مضيفة: "في هذه المقالة، أسجل بالأدلة، واقعة واحدة على الأقل، تثبت أن منظمة مواطنة لم تكن في يوم من الأيام ملتزمة بالمعايير التي تعلنها في أدبياتها ومدونة سلوكها، بل تذهب لاجتزاء شهادات الشهود والضحايا، لتتسق مع تحيزاتها غير المعلنة والمواربة".
وتابعت مرعي: "في 16 سبتمبر 2015، وجدت نفسي شاهدة عيان، في قضية قصف لطيران التحالف العربي على منطقة صالة بمدينة تعز، عندما قام بأخذ إفادتي باحث ميداني يعمل لدى منظمة مواطنة لحقوق الإنسان. الشهادة كانت عن الغارة الجوية التي استهدفت حي صالة بتاريخ 20 أغسطس 2015، وفي المقابلة- التي أرفق نسخة منها هنا- أوضحت دور طيران التحالف في قصف الحي، إلى جانب إفادة بتواجد قوات وأسلحة لجماعة الحوثي الذي يسيطر على المنطقة وعلى قصر صالة الاثري والمعروف لدى الجميع".
آ
واستطردت: "بعدها بفترة، أصدرت منظمة مواطنة تقريرا يخص الهجمات الجوية للتحالف أسمته (غارات عمياء)، لم تكتف فيه بحذف جزء من شهادتي، والذي يخص التواجد المسلح للحوثيين، بل ذهبت لاعتماد رواية، على لسان شهود عيان لم تسمهم، تقول فيه إن الوضع- وقت الهجمات الجوية- "كان هادئا ولم تكن هناك اشتباكات في الحي قبل الحادثة"،
وأشارت مرعي إلى أنها كانت قد أوضحت في شهادتها "أن المنطقة المحيطة، وتحديداً قرب قصر صالة، كانت مليئة بالآليات العسكرية والأسلحة التابعة لجماعة الحوثي، كما كان هناك وجود واضح لشخصيات موالية للحوثيين يقومون بتخزين الأسلحة في منازلهم. هذه المعلومات ليست سراً؛ فجميع سكان الحي والأحياء المجاورة يعرفونها". لكن "تقرير مواطنة اختار بشكل متعمد إغفال هذه التفاصيل المهمة، وبدلاً من ذلك، ركز على جوانب أخرى أقل أهمية"، كما تقول.
وتضيف الناشطة "هذا النوع من الانتقائية- بالنسبة لي- يعد خرقاً لأمانة نقل الوقائع، وأكثر من ذلك يظهر الدأب الواضح للمنظمة والقائمين عليها لتجنب ذكر ما قد يدين جماعة الحوثي وممارساتهم".
وأشارت إلى أنها لا تسعى لتبرئة التحالف "من مسؤولياتهم والخسائر التي ألحقوها بالمدنيين، وتجاهلهم أهم مبدأ من مبادئ القانون الدولي الإنساني المتعلق بالتناسب والتمييز بين الأعيان المدنية والعسكرية، بقدر ما أشير أيضا إلى المسؤولية الجنائية لجماعة الحوثي في استخدامهم للأعيان المدنية والمدنيين دروعا بشرية إضافة الى استخدامهم للاعيان الأثرية "قصر صالة" كثكنة عسكرية، وكذلك تكديس الأسلحة في أحياء مأهولة بالسكان".
آ
وأكدت مرعي أن "هذه الواقعة، تفضح بجلاء تلاعب منظمة مواطنة بالمعلومات التي تحوزها من الميدان، وتسخيرها لصالح طرف على آخر في هذه الحرب، عوضا عن تغليب سردية على أخرى، لخدمة أهداف باتت واضحة ومرئية". مضيفة "يسند من هذا الأمر، دليل آخر واضح. في الفترة من بداية الحرب إلى اليوم، تم استبعاد أكبر انتهاك تعرضت له مدينة تعز، من قائمة انتهاكات أطراف الصراع؛ وهو ضحايا الرصاص الحي، والذين كانوا يستحقون تقريرا منفصلا".
آ
وقالت مرعي إنه "على مدى ما يقارب 10 سنوات من الحرب، ظلت مدينة تعز وجوارها عرضة لمئات إن لم يكن آلاف الاستهدافات للمدنيين والمدنيات، في مزارعهم وقراهم ومصالحهم الخاصة، بالقنص من قبل جماعة الحوثي التي تتخذ من هذا الانتهاك أسلوب للتنكيل بالمدنيين وإرهابهم. مع ذلك، غضت المنظمة طرفها عن هذا الانتهاك، كما لو أنه لم يكن، في تواطؤ مع طرف لا يأبه بالقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان".
آ
وتختتم الناشطة مرعي بالقول: "كان الأحرى بمنظمة مواطنة، بدلا من مقارعة طواحين الهواء، واختراع خصوم وهميين، النظر في سياساتها التحريرية، ومراجعة علاقتها بالأطراف المنتهكة. لأن من شأن هذا التحيز تشجيع المنتهكين على المضي قدما بممارساتهم بحق المدنيين، وكذلك الاتيان بأسوة سيئة لأولئك الذين يطمحون الإعلاء من شأن مبادئ حقوق الإنسان وتغليب قيمه".
نص الشهادة المنشورة كما وردت في تقرير المنظمة:
(وروت شاهدة العيان إيمان أمين 25عاماً: "حوالي الساعة الثامنة والنصف مساء، سمعنا أصوات تحليق طائرات ثم قامت بضرب المنطقة ست ضربات. كانت كل ضربة أقوى من التي قبلها، حتى أن المنطقة بأكملها اشتعلت بالنار. كان الضغط كبيراً على المنازل المجاورة بسبب الانفجارات، وكانت الغارات الجوية متتالية ماعدا الأخيرة والتي تأخرت قرابة20 دقيقة. كل هذه الضربات الجوية أصابت منازل لأناس مدنيين. تم إسعاف القتلى والجرحى الذين قُصفوا في الخمس الغارات الأولى إلى مستشفى اليمن الدولي. وبينما كان الناس مستمرين في الإسعاف، ضرب الطيران المنطقة للمرة السادسة، فهرب الناس خوفاً من قصفهم مرة أخرى، ولذلك تأخر الإسعاف. وأُسعف بقية الجرحى بأطقم تابعة لجماعة الحوثي والذين كانوا متواجدين في قصر صالة أثناء الحادثة".
الشهادة الأصلية الواردة في الملف الذي أرسلته الناشطة:
"في حوالي الساعة الثامنة والنصف تم تحليق طيران في سماء تعز وقام بالضرب مباشرة على منطقتنا (صالة) بست غارات من الطيران وكانت كل ضربة اقوى من الأولى حتى ان المنطقة بالكامل كانت تشتعل نار وكان هناك ضغط قوي على المنازل المجاورة بسبب الانفجارات وكانت الغارات متتالية ماعد الأخيرة تأخرت عشرين دقيقه تقريبا واستهدفت كل الغارات منازل لمدنيين تم اسعاف القتلى والمصابين الذين تم استهدافهم في الخمس الغارات الأولى الى مستشفى اليمن الدولي وحسب تواصلي مع المستشفى كانت الإحصائية الأولية خمسة عشر قتيل وسبعة وعشرون جريح وعندما كان الناس يسعفون ضرب الطيران الغارة السادسة فهرب الناس خوفا من استهدافهم ولذلك تأخر الناس بالإسعاف وتم اسعاف بقية الجرحى بأطقم الحوثيين الذين كانوا متواجدين في قصر صالة وكانت هناك اليات عسكرية واسلحة بكميات كبيرة تابعه للحوثين موجوده في قصر صالة بالإضافة الى ان هناك الكثير من الشخصيات الموالية للحوثيين في نفس المنطقة يقومون بتكديس أسلحة في منازلهم".
وقد لاحظ المحرر أن الفرق بين الشهادتين يكمن في حذف وتعديل بعض المعلومات في الشهادة المنشورة بتقرير مواطنة مقارنة بالشهادة الأصلية، لاسيما في التفاصيل حول التواجد العسكري للحوثيين:
في الشهادة الأصلية، أشارت إيمان بوضوح إلى أن قصر صالة كان يحتوي على آليات عسكرية وأسلحة بكميات كبيرة تابعة للحوثيين، بالإضافة إلى تواجد شخصيات موالية للحوثيين تخزن الأسلحة في منازلها.
بينما في الشهادة المنشورة بالتقرير، تم حذف هذه المعلومات المتعلقة بالتواجد العسكري للحوثيين وتخزين الأسلحة، وتم الإشارة فقط إلى أن سيارات الإسعاف التابعة لهم كانت موجودة في القصر.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news