في مشهد يعكس توتراً متزايداً بين أطراف الصراع في اليمن، ارتفعت في الآونة الأخيرة وتيرة التحركات ذات الطابع العسكري بين مليشيات الحوثي ومجلس القيادة الرئاسي، مما يثير التساؤلات حول إمكانية اندلاع حرب جديدة بعد توقف العمليات القتالية بفضل الهدنة الأممية المعلنة في أبريل 2022.
مناورات الحوثي: مواجهة محتملة لتحرير الحديدة
كان أبرز هذه التحركات هي المناورات التي بثتها مليشيات الحوثي خلال الـ 48 ساعة الماضية، والتي تحاكي سيناريوهات مواجهة قوات أجنبية تستهدف مدينة الحديدة وموانئها الحيوية على البحر الأحمر. تأتي هذه المناورات كرد فعل على التقارير الإعلامية التي تتحدث عن نية الولايات المتحدة دعم عملية عسكرية لتحرير الحديدة، كخطوة أخيرة لوقف الهجمات الحوثية المستمرة على الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
التحركات الحوثية تأتي في ظل الضغوط المتزايدة على داعمها الأساسي، النظام الإيراني، الذي يعاني من سلسلة من الضربات العسكرية والاستراتيجية من قبل إسرائيل وحلفائها. وتزداد المخاوف الحوثية من أن تكون الهدف التالي في سلسلة المحاولات الغربية لتحجيم النفوذ الإيراني بالمنطقة.
تهديدات أمريكية وتداعيات استراتيجية
تعكس المناورات الحوثية قلقاً واضحاً من احتمالات تحرك عسكري غربي لتحرير الحديدة، حيث تُظهر السيناريوهات التي تمثلها المناورات محاولة تصدي المليشيات لعملية عسكرية واسعة النطاق بقيادة الولايات المتحدة، بمشاركة وحدات بحرية متعددة ودعم جوي بهدف السيطرة على الحديدة. وبينما يستبعد الخبراء العسكريون إمكانية تحرك عسكري بهذا الحجم من الجانب الأمريكي، إلا أن المخاوف الحوثية ليست بلا أساس.
تعتمد المليشيات الحوثية في هذه المخاوف على معرفتها العميقة بتغير المواقف الغربية. فالموقف الأمريكي والبريطاني سابقاً كان لهما دور رئيسي في تجميد معركة تحرير الحديدة عام 2018، بعد ضغوط هائلة على التحالف العربي والحكومة اليمنية. وبالتالي، فإن أي تغير في هذا الموقف قد يعني خسارة الحوثيين لهذه المدينة الاستراتيجية ومينائها الحيوي.
إعداد جولة جديدة من الحرب بشعار "دفاعاً عن النفس"
لعل أحد أهم ما يخشاه الحوثيون هو فقدانهم السيطرة في حال اندلاع حرب جديدة، لذا فإنهم يسعون إلى تبرير استعداداتهم الحربية الأخيرة تحت شعارات الدفاع عن النفس. تعتمد المليشيات في ذلك على تأجيج المشاعر الوطنية والادعاء بوجود تهديدات أمريكية وغربية وشيكة ضدها. تُظهر عمليات التجنيد المكثفة والتدريبات التي تجريها المليشيات منذ نحو عام تحت شعار "نصرة غزة" استعداداتها لجولة جديدة من المواجهات العسكرية.
يبدو أن الحوثيين يحاولون الاستفادة من هذه الشعارات لتجنيد الشباب واستمالة الرأي العام المحلي، مستندين إلى مفهوم "المقاومة" ضد التدخلات الأجنبية، في محاولة لجعل حربهم مشروعة أمام أنصارهم.
التصعيد العسكري لدى المجلس الرئاسي والجانب السعودي
على الجانب الآخر، لم يقف المجلس الرئاسي اليمني مكتوف الأيدي أمام هذه التهديدات. شهدت الرياض في الأيام الماضية زيارات متكررة من قادة المجلس وقادة عسكريين بارزين، أبرزهم العميد طارق صالح والعميد أبوزرعة المحرمي، الذين يمتلكان قوة عسكرية فعالة تتمثل في قوات المقاومة الوطنية وألوية العمالقة الجنوبية، وهما من القوات التي شاركت بفعالية في معركة تحرير الحديدة في 2018.
كما زار مقر القوات المشتركة أعضاء آخرون من المجلس، من بينهم الشيخ عثمان مجلي ورئيس هيئة الأركان العامة الفريق صغير بن عزيز. وفي لقاء آخر جمع بين رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي وقائد قوات الدعم والإسناد اللواء الركن محمد بشير العنزي في العاصمة عدن، ناقشوا احتمالات التصعيد الحوثي والاستعدادات اللازمة لمواجهتها.
هل قرع الحوثيون طبول الحرب؟
في ضوء هذه التحركات المكثفة، يبدو أن الطرفين في اليمن يستعدان لمواجهة قد تضع اليمن أمام جولة جديدة من الصراع العسكري. الحوثيون يحشدون قواتهم ويعدّون الشعب اليمني لمواجهة تهديدات وهمية بوجود "غزو أمريكي" قادم، بينما المجلس الرئاسي والقوات السعودية يتخذان خطوات استباقية للحفاظ على التوازن العسكري وضمان جاهزية قواتهم لأي احتمال قادم.
تبدو الأوضاع مهيأة لتصعيد جديد قد ينذر باندلاع مواجهة عسكرية تتجاوز ما شهدته البلاد سابقاً. وفيما لا تزال الحرب الخيار الأخير بالنسبة لكلا الطرفين، فإن المستقبل قد يكشف عن احتمالات قد تفرضها تعقيدات الملف اليمني، وطموحات إيران الإقليمية، وموقف الغرب تجاه مليشيات الحوثي
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news