التمييز الاعتقادي بين كلام الله المقدس وكلام الناس المدنس

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 32 مشاهده       تفاصيل الخبر
التمييز الاعتقادي بين كلام الله المقدس وكلام الناس المدنس

معضلة الترجمة المستدامة في الثقافة العربية الإسلامية

(

إذا كنُّا لا نثق بالعقل ذاته فكيف نصدق الكلام الصادر عنه؟) ق.م.

البارحة يوم الاثنين الموافق 28 أكتوبر2024م  عقدت وحدة الدراسات الترجمية بالمعهد العالمي للتجديد العربي ندوة فكرية بعنـــــوان –أركان بناء منظومة فكرية ترجمية عربية حديثة- قدمتها الدكتورة سعاد ميموني رئيسة الوحدة وعقب عليها كلّ من السيدات والسادة الأفاضل: د.حياة البستاني: أستاذة التعليم الثانوي التأهيلي ومنسقة نادي القراءة والثقافة-د. ميمونة حشاد: أستاذة محاضرة بكلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة -تونس ومترجمة فورية-أ.هناء البوكيلي: مترجمة اللغة الألمانية بالكتابة العامة لوزارة العدل-د. أشرف منصور: أستاذ الأدب والنقد المساعد بكلية الآداب جامعة جرش-الأردن-د.محمد أمين الحوامدة: أستاذ دراسات الترجمة المساعد، كلية الآداب، جامعة جرش، الأردن. ادارتها د. أريج البدراوي زهران أستاذة علم الاجتماع المشارك بالجامعة الأفروآسيوية وتتناول المحاضرة الأسس الرئيسية والمعايير اللازمة لبناء منظومة فكرية عربية متكاملة لتطوير الترجمة في العالم العربي.

ولما كنت مهتما بموضوع الترجمة بوصفها موقفا فلسفيا من العالم فقد حرصت على الدخول والاستماع والتداخل إذ وجدتها فرصة للتعبير عن اسئلتي ووجهة نظر في الترجمة ومداراتها المعقدة. إليكم فحوى مداخلتي:

ليست الترجمة مجرد نقل نصوص من لغة إلى لغة أو تواصل لغوي ثقافي فحسب بل هي موقف من الحياة وتأكيد حضور الكائن وقدرته على التفاعل في هذا العالم الإنساني ؛ عالم ما تحت فلك القمر والفعل والانفعال والتفاهم والحوار بين بني الإنسان في كل زمان ومكان، الترجمة حاجة حيوية لتدبر العيش المشترك بين الكائنات العاقلة، أنها تفاعل تبادلي بين الشعوب والثقافات واللغات وبها ومن خلالها تتخصب الثقافة بوصفها قوة التاريخ الإبداعية عالما وفنا وأدبا. والترجمة تجربة إنسانية طويلة جدا خاضتها الشعوب منذ أقدم العصور لاسيما بعد اكتشاف اللغة والكتابة إذ  لا يوجد طريقة للتواصل يبن الشعوب الذين يتحدثون لغات مختلفة إلا عن طريق الترجمة. والشواهد على قدم ممارسة الترجمة مازالت ماثلة للعيان في كبرى المتاحف العالمية، مثل رسائل تل العمارنة التي تعود للقرن الخامس عشر قبل الميلاد والمكتوبة باللغتين الأكادية والمصرية القديمة، وحجر رشيد الذي يعود للقرن الخامس قبل الميلاد وكتب باللغات الهيروغليفية، اليونانية، والمصرية القديمة. بل إن بعض مصادر التاريخ الهامة مثل ملاحم هيرودتس تذكر بأن الشعب المصري كان مقسما إلى سبع فئات إحداها فئة المترجمين، ويشهد على ذلك أيضا الكثير من الرقاع والبرديات المترجمة من الهيروغليفية إلى اليونانية القديمة المعروضة في المتحف البريطاني، فضلا عن أن نحو ربع الألواح التي وجدت في مكتبة نينوى الملكية كانت على هيئة قواميس وكتب قواعد للغات السومرية والبابلية والأشورية.

ولم يكن الاستشراق إلا حالة من حالات الترجمة إذ هو حصيلة خبرة تاريخية متراكمة لشبكة واسعة من الممارسات والعلاقات الثقافية والحضارية والمدنية، بين الشرق والغرب، بين الأنا والآخر، بين نحن وهم. هذه العلاقة التبادلية التفاعلية التي نمت وتطورت عبر التاريخ في مسارات متقاطعة من الفهم وسوء الفهم، والشدة واللين، والحوار والصدام، والسلم والحرب، والندية والتبعية، والتكافؤ والهيمنة، والقوة والضعف، والتحدي والاستجابة، وغير ذلك من تجليات التوتر والاضطراب في جدل التماس والصراع بين الشرق والغرب، بين القوة والضعف منذ الاستشراق الأول المحمول على رؤوس الحروف الإغريقية الأكاديمية حتى الاستشراق الأخير المحمول على رؤوس الصواريخ البالستية الأوروأميركية. وقد بدأت حركة الترجمة مصرية يونانية حين ذهب أهل اليونان يطوفون بلاد الشرق بحثاً عن العلم والحكمة والخبرة والتاريخ،فقد جاء في محاورة ألطيماوس (أفلاطون) أن(صولن) ذهب إلى مصر يبحث عن تاريخ بلاده السحيق فقال له أحد الكهنة المصريين “يا صولن، أنتم الهليين تلبثون دوماً أطفالاً.. لا تعرفون شيئاً من كل ما كان في عابر الأزمان لدينا أو لديكم, أما نحن فقد سجلنا في هياكلنا حساب السنين التي مرت على حضارة وطننا هذا”( أفلاطون، ألطيماوس وأكريتيس، ص191-192) وكان لحركة الترجمة التي بدأت من صدر الإسلام مع الخليفة مروان ابن الحكم ت 685 والخليفة خالد بن يزيد بن معاوية ت 704 أثر واضح في النسق الفلسفي العربي الإسلامي. إذ ترجم العرب معظم الاعمال الفلسفية والعلمية اليونانية وتلقفوها عبر الأفلاطونية المحدثة: المقولات. البرهان، المغالطات، الجدل والسماء والعالم وكتاب الأخلاق وقد بدأت حركت الترجمة من العهد الأموي التاسوعات والربوبيات وطماس الأخلاق الى خيماخوس وجمهورية أفلاطون ومنطق ارسطو حتى حكاية موت الإسكندر المقدوني في رسالة الاحزان للكندي وغير ذلك من علوم الأولين ويعد حنين بن إسحاق ت910 م أشهر المترجمين وابنه اسحق بن حنين وثابت بن قرة وهذا يعني أن أوجه التأثر والتأثير كثيرة وواسعة للفلسفة اليونانية في الفلسفة العربية في مختلف انساقها الميتافيزيقية الإلهيات والطبيعيات والفلك والرياضيات وفِي النفس والخلود والأخلاق والبلاغة والمنطق الارسطي.

وكما استلهم الكندي فلسفة أفلاطون المتسقة مع العقيدة الإسلامي كذلك استلهم الفاربي فلسفة أفلوطين في نظرية فيض الإلهي العقول ولم يخفي شقفه بأرسطو المعلم الأول لهذا سمي بالمعلم الثاني. كما استلهم جمهورية أفلاطون في كتابه آراء أهل المدينة الفاضلة وستبدل الملك الفيلسوف بالرسول الكريم.كما أنه حاول الجمع بين الحكيمين أفلاطون وأرسطو. والجمع بين الحكمة والشريعة.في الفلسفة كتاب «الجمع بين رأي الحكيمين» كتاب «الخرافة الكبير» كتاب «الواحد والوحدة» كتاب «الجوهر» كتاب «الزمان» كتاب «المكان» كتاب «الخلاء» كتاب «العقل والمعقول» كتاب «التوطئة في المنطق» كتاب «منطق الفارابي» في الموسيقى كتاب «صناعة علم الموسيقى» كتاب «الموسيقى الكبير» في المنطق كتاب «الأخلاق إلى نيقوماخوس» كتاب «العلم الطبيعي» كتاب «الآثار العلوية» رسالة «النفس والعالم» في السياسة والاجتماع «آراء أهل المدينة الفاضلة»كتاب «السياسات المدنية» كتاب «جوامع السياسة»في العلوم إحصاء العلوم والتعريف بأغراضها في التصنيف كتاب «المقولات» (قاطيغورياس) كتاب «القول الشارح» (القضايا والتعريف) كتاب «أنا لوطيقا الأولى والثانية» (تأليف القياس المنطقي) كتاب «طوبيقا» (الجدل) كتاب «سفسطيا» (السفسطة) كتاب «ريطوريقا» (الخطابة) كتاب «بوطيقا» (أي الشعر) إيمانه بوحدة الحقيقة”واجب الوجود عقل محض، يعقل ذاته بذاته، فهو عاقل ومعقول في آن واحد.“

وفِي ذات السياق جأت فلسفة الطبيب الفيلسوف بن سيناء ت 1037 فلسفته مزيج من الفلاطونية المحدثة والنزعة الغنوصية الإشراقية ففي كتابه الإشارات والتنبيهات ترجم كتاب المنطق الارسطي وكتاب الشفاء ومقال في النفس وكتاب الحكمة العروضية. وكتاب القانون في الطب. وربما كان أبو حامد الغزالي ت 1111 هو الناقد الكبير للفلسفة اليونانية في صيغتها العربية في كتابه تهافت الفلاسفة. وفِي المظنون به على غير أهله كما أن الفلسفة في المغرب العربي وفلاسفتها ابن باجةت 1138 في تدبير المتوحد وابن طفيل ت1185 والشارح الكبير ابن رشد الذي كتب • بداية المجتهد ونهاية المقتصد في الفقه وكتاب مناهج الأدلة، وهو من المصنفات الفقهية والكلامية في الأصول. وكتاب فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، وهو من المصنفات الفقهية والكلامية. وكتاب تهافت التهافت الذي كان رد ابن رشد على الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة وكتاب الكليات..وقد امتد الأثر اليوناني الى الفقه والكلام والنحو والتاريخ والأدب لكن هذا لا يعني باي حال من الأحوال أن الجهد الفلسفي العربي الإسلامي لم يكن بأكثر من مجرد رجع الصدى للفلسفة اليونانية. بل يمكن القول أن أهم مؤثر في الفلسفة الإسلامية هو :القرآن الكريم والحديث الشريف والفقه وعلم الكلام والتأويل وأهل الحديث وأهل الرأي والإجتهاد ثم الدفعة من ترجمة التراث اليوناني: المنطق والطبيعيات والالهيات والأخلاق والسياسة والرياضيات والفلك والطب والهندسة ففي الفلسفة الاخلاقية العربية برز يحيى بن عدي إلتكريتي في كتابه تهذيب الأخلاق والغزالي ميزان العمل وأبو حسن الماوري أدب الوزير وأحمد بن مسكونة وكتابه الأخلاق والأمم وأبوبكر الرازي في الطب الروحاني تاثير الفلسفة الإسلامية في الفكر الأوربي وبن حزم الأندلسي في كتاب الأخلاق والسير وطوق الحمامة وشرح منطق أرسطو كما تأثرت الفلسفة الإسلامية بالفلسفة اليونانية كذلك أثرت الفلسفة العربية بالفلسفة الغربية من ذلك الفارابي كان له آثر كبير في فلسفة العصور الوسطي: ترجم كتاب «إحصاء العلوم»إلي اللغة اللاتينية، و أصبح في المدارس المسيحية كما كان في المدارس الإسلامية من المؤلفات التي لا يستغني عنها. وقد أفاد منه «روجر بيكون» استقر عند الإفرنج علي اختيار فلسفة ابن سينا ممثلة «للفلسفة الإسلامية» فقد ترجم «جنديسالينوس» كتاب«الشفاء» إلي اللاتينية، وترجم «جيراردي كريمونا» كتاب «القانون في الطب» فأصبح كتابا مدرسيا يعول عليه في مختلف الكليات الأوروبية من القرن الثالث عشر حتي القرن السابع عشر. وبهذا الكتاب ارتفع شأن ابن سينا في الغرب، و اتسع نطاق نفوذه؛حتي جعله الشاعر«دانتي»في منزلة بين «أبقراط» و«جالينوس» ويرى بعض الدارسين أن رواية روبوسون كروزو لدانيال دوفو هي مستلهمة من كتاب حي بن يقظان لابن طفيل فإذا ما انتقلنا إلي ابن رشد وجدنا أن الإعجاب بشروحه لفلسفة أرسطو كان عظيما في أوروبا حتي سماه «دانتي» «الشارح الأكبر» ومن المشهور أن مدرسة «بادوا» بإيطاليا كانت تنتمي إلي مذهب ابن رشد، و أن سيجر دوبرابان» كان زعيم المدرسة الرشدية في فرنسا إبان القرن الثالث عشر. ولقد ظل المذهب الذي نسب إلي ابن رشد متدارسا عند الأوروبيين في الكتب و في الجامعات، من منتصف القرن الثالث عشر حتي أوائل القرن السابع عشر،ولا يخفى أثر الغزالي في الفلسفة المسحية الوسطية وربما اثر في ديكارت وكان ابن خلدون هو الطائر الأخير الذي أثر في الفكر الأوروبي على نحو ليس له نظير في تاريخ الفكر البشري ابن خلدون أعظم فيلسوف ومؤرخ أنجبه الإسلام، وأحد اعظم الفلاسفة والمؤرخين في كل العصور ويذهب فيليب حتى إلى أن مقدمة ابن خلدون هي أحد أكثر المؤلفات ضرورت وأكثرها أهمية من بين المؤلفات التي أنتجها العقل البشري إذ تصور بها لقد ابن خلدون و صاغ فلسفة هي بلا شك أعضم نتاج أبدعه أي ذهن في أي عصر و في أي بلد بحسب أرنولد توجينجا وهكذا استأثرت آراء ابن خلدون في التاريخ والاقتصاد والفلسفة الاجيماعية باهتمام الباحثين. وهي الآراء التي تبقى بلا شك إسهامه الأساسي في إرث البشرية الفكري بحسب جورج لابيكا. إذ لقد جمع مؤرخوا العرب المادة التاريخية وابن خلدون وحده هو من استخدمها. لقد كان ابن خلدون بالنسبة للفكر العربي أشبه بالوهج الذي يشتعل قبيل انطفاء الشمعة! وتزداد الحاجة إلى الترجمة حينما يختل مسار التناسب الحضاري بين الشعوب إذ لا سبيل للحضارات المهزومة من فهم عوامل وأسباب نهوض الحضارات المتقدمة بوصف ذلك خيارا وجوديا حاسما ولا مفر منه أبدا.

يقول الدكتور عبد الحميد صالح حمدان “بفضل الترجمة تولدت الحضارة العربية والعلم العربي الذي ساهم في تكوينه مفكرون من مختلف القوميات والجنسيات، سريانيون وفرس وصابئة ومسيحيون نساطرة ويونانيون وأقباط من مصر وعبرانيون وهنادكة وأتراك وذميون، ولكن بلسان عربي، وفي ظل الدين الإسلامي الحنيف الذي لجأ إلى العقل ليحرك به الوعي الذاتي للفرد ويدفع به إلى الاستقلال في الرأي، ومن هنا تأكيد مبدأ “الرأي” و”القياس” و”الاجتهاد” في كل العلوم، وبخاصة الترجمة التي أصبحت القوة الدافعة للمذهب العقلي، والتي ربطت اللغة العربية بالمجرى العام للفكر الإنساني في تلك العصور”( ينظر، تاريخ الترجمة بين الحضارات القديمة والحديثة، موقع  2018

كما عقدت اليابان اتفاقات مع كبرى دور النشر العالمية لإصدار طبعة باللغة اليابانية من إصدارات هده الدور حال صدورها بلغتها الأصلية. ويقدر عدد العناوين المترجمة في اليابان آنذاك في أوائل القرن العشرين بحوالي ألف وسبعمائة عنوانا سنويا. وهذا جهد مهول لا يضاهيه إلا جهد اليابان في محو الأمية تماما خلال بضع سنين والتوسع في إنشاء المؤسسات التعليمية والجامعات حتى سبقت في هذا المضمار أكثر البلدان الأوربية تقدما أنذاك.

قبل سبعة أيام اسمعنا إلى ندوة في صالون تفكير قدمها الأستاذ الدكتور محمد السيد أستاذ فلسفة العلم في جامعة الكويت عن المفكر والمترجم الكبير شوقي جلال الذي يعد أهم المترجمين العرب.

استمعنا فيها إلى عرض وتتبع دقيق لمشروع الراحل شوقي جلال في الترجمة بوصفها ضرورة حيوية وحاجة استراتيجية للحضارة العربية المغلوبة على أمرها اليوم. وتحضرني الذاكرة هنا موقف الفيلسوف العربي الرائد في حقل الترجمة الفلسفية إذ هو صاحب الفكرة الخلاقة التي تقول ” ليس هناك فلسفة عربية أو فلسفة يونانية أو فرنسية أو ألمانية.. وإنما فلسفة عامة يتم «التفلسف» فيها وبها، وبالتالي التفلسف بالعربية. أي إنتاج نص فلسفي (باللغة العربية) يساهم في تطوير مفاهيم جديدة ويضيف إلى الفكر الفلسفي” وقد صاغ مصطلح الأفهوم» موازيا لمصطلح مفهوم الكانطي  المجرد؛ الأفهوم فعل تفكير وليس نتيجة تفكير، وأن التفكير يبلور فكرته من الواقع وليس فقط من المتخيل أو المتصور. وقد علق أحد الباحثين قائلا إن كانط لو أراد أن يكتب «نقد العقل المحض» بالعربية لما تمكن من صياغة نص فلسفي أجمل من الذي سبكه وهبة( ينظر، سعد كيوان، موسى وهبة «المتفلسف» ترجل .. وهو يطلق أفكارا ثم يعيد تفكيكها !الوطن Jul 11, 2017) في الواقع ترجمة الفلسفة ترقى إلى مصاف التفلسف ذاته إذ تعد المفاهيم المجردة مما لايمكن ترجمته ويرى فتحي الميمني عن حق ” أنا أعتبر أنّ الترجمة هي التمرين الفلسفي الحقيقي راهنا؛ وما عداه هو اعتياش على فتات الترجمات من دون قدرة على خوض معركة تأويلية عميقة مع مشاكلها. لا يتعلق الأمر بالتنظير للترجمة أو بالحثّ الأخلاقي أو المنهجي عليها من أجل سدّ ثغرات في المكتبة الفلسفية أو الفكرية بالعربية. بل بشيء آخر أكثر جسامة: إنّ الترجمة هي نمط التفلسف الحالي. ولا يجب أن نستعمل الترجمات الرديئة أو التقنية باعتبارها دليلا ضدّ ماهية الترجمة” ( ينظر، فتحي المسكيني، الفيسبوكFethi Meskini- فتحي المسكيني) وتنبع حاجاتنا العربية إلى الترجمة الفلسفية من واقع إن معظم الكلمات التي نستخدمها اليوم في حياتنا هي مفاهيم مجردة؛ فالإنسان والذات مفهوم والزمان مفهوم والمكان مفهوم والعدالة مفهوم والحرية مفهوم والوجود مفهوم والجمال مفهوم والسياسية مفهوم والوطن مفهوم والدولة مفهوم والقانون مفهوم والتربية ومفهوم الحرية ومفهوم العدالة والثورة مفهوم والعلم مفهوم والذكاء مفهوم والعقل مفهوم .الخ تلك المفاهيم الكلية وغيرها كثيرة التي لا وجود لها في الواقع المحسوس الملموس هي من يستدعت الحاجة الملحة إلى الترجمة الفلسفية لاسيم حينما نتلقفها من سياقات اجتماعية وثقافية مغايرة.

ولا يوجد أي علم أخر يمكنه اشباع هذه الحاجة غير التفلسف الترجمي وهو مشروع موسى وهبه وعنوان المؤتمر المزمع.

وفي مقاربة الموضوع دعوني أقول: إن تحديد المفاهيم وتعريفها هو الخطوة المنهجية الأولى في الدراسات الإنسانية والاجتماعية والثقافية، ذلك كون مفاهيمها ملتبسة وغامضة وغائمة، على الدوام، لأن موضوعها ذاته متحرك ومتغير باستمرار، (الإنسان في المجتمع والتاريخ ) إذ لا توجد نواة صلبة قابلة للتحديد والتعريف تصلح جوهراً للمفهومات التاريخية و الثقافية الإنسانية كتلك التي تستخدمها العلوم الطبيعية البحتة في دراسة ظواهرها وتفسير قوانين حركتها ك(الفيزياء والكيمياء والاحياء والرياضيات) فكل مفاهيم تلك العلوم متواضع عليها ولا تثير الغموض والالتباس كما هو الحال في العلوم الإنسانية والاجتماعية وبهذا يمكن القول أن العلم واحد والرأي كثير! وتكمن وحدة العلم الطبيعي وحياديته ووضوح مفاهيمه في ذلك الاتفاق المدهش بين جميع البشر من مختلف الشعوب والحضارات واللغات والثقافات والمعتقدات إذ أن 1+1=2، ومجموع زوايا المثلث ١٨٠ درجة. والخط المستقيم هو أقرب مسافة بين نقطتين. والماء يتكون من ذرتي هيدجين وذرة أكسجين. ولَكل فعل رد فعل مساوي له بالقوة ومضاد له بالاتجاه ، ولا شيء يحدث بدون سبب من الأسباب ، ولا تشتغل السيارة الا بالوقود والكهرباء وقس على ذلك حقائق العلوم الوضعية التي تتميز بالموضوعية والشمولية والوحدة في كل مكان تقريبا في الصين أو أمريكا أو مصر أو العراق .. الخ الجميع يدرس ذات العلوم والنظريات والقوانين العلمية بذات الطرق والاساليب والمفاهيم والادوات. وبهذا يتميز المنهج العلمي في التفسير أي تفسير العلل لمعرفة المعلولات الأسباب والنتائج وصياغة قوانين تجريبية للعلوم الاختبارية القابلة للحض والتكذيب.

أما في الظواهر الانسانية فنحن بحاجة إلى اعادة تحديد وتعريف المفاهيم والكلمات التي نتحدث عنها في كل سياق من السياقات. وكل تعريف ليس إلا تعريفا نسبيا ومحتملاً للمعنى، لكن أشد الأخطار هو خطر الكلمات التي تستثير في أذهاننا جواهر أو ماهيات فكرية مشخصة زائفة تملأ التاريخ سكان من الأسماء الكلية المختلقة لا وجود لها في الواقع. ولعل الحاجة إلى إعادة تحديد وتعريف الكلمات التي نستعملها في دراساتنا الاجتماعية تزداد، لاسيما مع مفاهيم أو مصطلحات تلقفناها من سياقات ثقافية مغايرة، إذ أن المفاهيم لا توجد في فلك الأفكار ومدونات اللغات فحسب، بل هي كائنات تاريخية شديدة الارتباط بسياقاتها الاجتماعية الثقافية المشخصة، ولكل مفهوم مكان وزمان ولادة وسياق نمو وتجربة ممارسة وعلاقات قوة وسلطة معرفة ونظام خطاب ومدونة لغة وفضاء فكر وحساسية ثقافة وحقل تأويل وشفرة معنى وأفق دلالة.. الخ غير أن مشكلة الإنسان مع المفاهيم المجردة تكمن في اعتقاده بانه يعرفها بمجرد النطق وحينما يسأل نفسه عن معناها؟ يكتشف جهله بمعناها الحقيقي وتلك هي قضية سقراط الذي أكد أن الفلسفة هي التي تعلمنا جهلنا ومعرفة الإنسان بجهله الذاتي هو الخطوة الأولى لتفتح العقل وفهم العالم. وطالما والواقع يتغير ويتطور ويتجدد ويتبدل باستمرار فمن الضروري للفكر أن يتجدد باستمرار. والفلسفة بوصفها أكثر اشكال الفكر تجريدا هي أولى بالتجديد نظرية ومنهجا. إذا هي مثلها مثل أنساق المعرفة الانسانية والاجتماعية والطبيعية بحث في مشكلات العالم وتجاوزها.

وقد ارتبطت الفلسفة منذ نشأتها الباكرة في السؤال المتجاوز لذاته باستمرار فهي ميتا فيزيقا بمعنى صبوة العقل الذي لا يكف عن استنطاق المعنى فيما وراء الفوضى واللامعنى.

وبهذا المعنى نفهم تعريف جيل دللوز للفلسفة بوصفها فن إبداع المفاهيم، تلك العلمية التي تدل على توليد فعل التفكير في الفكر بما هو كذلك ، لأن الفكر ليس فطرياً ولا اكتسابياً ، بل هو توالُّدي أو تناسليّ.ويعني بالتجديد هنا تجديد في الأسلوب والمعنى والمبنى. والمفاهيم هي نظارات العقل بمعنى من المعاني إذ لا يتحقق التأمل والتفكير في العالم إلا عبرها ومن خلالها وهي مفاهيم مكتسبة من اللغة والثقافة والتعليم والتربية ولا يمكن فهم العقل بدون فهم اللغة إذ لا تفكير الا بالكلمات والصور الذهنية حتى في الأحلام. وإذا كان العقل يولد صفحة بيضاء بحسب جون لوك فهو لا يظل كذلك بعد المهد بل تنقش الثقافة واللغة والتربية والتعليم الكلمات والمفاهيم. لكن تلك المفاهيم ممكن أن تتحول بعد الاستخدام الطويل إلى أوثان واوهام تكبل الفكر وتعيق نشاطه الدائم في تعقل العالم وعندما يتنكر الناس للعقل فإن مختلقات خيالهم تتضخم وينغمسون في مهاوي الأوهام والضلالات والأخطاء.

والعقل والتفكير والكلام هو القاسم المشترك بين الناس أما العواطف والمشاعر والانفعالات والمعتقدات والايديولوجية فهي خصوصية بالإفراد وخاصة بالجماعات. وحيثما تختلج ( نحن) تكون أيديولوجيا ، وحينما توجد أيديولوجيا توجد مصالح وغايات ومنافع يمكن رؤيتها وتعيينها بوضوح. فإذا اعتقدت جماعة من الجماعات بأن ما تراه وتقوله وتعتقده هو الحقيقة وما عداها باطلا فليس ثمة قوة في العالم يمكن أن تجبرها على تغيير معتقدها. الحقائق هي حقائق طالما وثمة جماعة تؤمن بها وتعتقدها كذلك. وهذا هو سر بقاء الملل والنحل والمذاهب والفرق والمعتقدات مستمرة على مدى الألف السنين. ومن يعبد البقرة لا يرى نفسه على ضلال ومن يعبد بوذا يراه إله ومن يعبد أي شيء يؤمن بأن ما يعبده هو الحقيقة عينها والإ لما استمر في عبادته.والحقائق لا توجد في جوف النصوص والكلمات كما توجد البذور في الثمار ، بل إن الحقائق توجد باتفاق وتواضع الناس عليها، فإذا ما اتفق جماعة من الناس واعتقدوا إن ما يفعلونه أو يفكرون به هو الحقيقة ذاتها بحسب باراديم رؤية وتأويل محدد للعالم والأشياء والكلمات والدلالات والرموز والنصوص. فلا شيء يحول دون اعتقادهم بإن ما يرونه هو الحقيقة عينها! ولكل جماعة من الناس الحقيقة التي ترتضيها لنفسها وتعتقدها كذلك فمن يعتقد أن البقرة آلهة لا يشك في صحة اعتقاده لحظة واحدة وإلا لما اعتقد بِه اصلا! ومن يعتقد بشي يراه حقيقة ولا يراه باطلًا أبدًا. والناس يسلكون وفقا لما يعتقدون، فإذا اعتقد أن هذا العالم مسكون بالجن والشياطين فلن تجرؤ على الخروج من بيتك وإذا اعتقدت بيتك مسكون بالأرواح الشريرة فلن تستطيع النوم فيه، وإذا أعتقدت أنك المدافع الأمين عن دين دين رب العالمين فسوف ترى بكل من يخالفوا اعتقادك كفرة وشياطين ومؤاهم النار وبؤس المصير! وإذا اعتقدت أن الناس في ضلال عظيم وأنك معني بهدايتهم إلى الطريق القويم فأمامك خيارين؛ الأول هو إقناعهم بالتي هي أحسن وجعل من ذاتك مثلا اعلى للصدق والاستقامة والأمانة والزهد والتواضع والصبر والشفقة والرحمة والتسامح والعدالة والرحابة وكل القيم الفاضلة الجاذبة للناس لجعلهم يقتدون فيك. والثاني؛ أن تشحذ سيفك وتعلن الجهاد تحت أي رأيه تحبها حتى تتمكن من جعل الجبناء من الناس يؤمنون وهو صاغرون لكنهم غير مقتنعين وسيظلون يتحينون الفرصة للثأر والانتقام وهكذا تتغذى الحروب الأيديولوجية من داخل دائرتها المغلقة. هذا في مجال الاعتقادات والاراء والأفكار الأيديولوجية التي لا تحتمل القياس والبرهان التجريبي ، أما في العلم والمعرفة العلمية فالحقائق يجيب أن تكون موضوعية ومحايدة ومختبرة ومجربة في عالم الممارسة والمشاهدة بالاستقراء المباشر. فالقول بإن كل الغربان سوداء، يمكن أبطاله إذا ما أكتشفنا إن بعض الغربان بيضاء. والقول: إن كل البشر حيونات عاقلة ، لا يمتلك قوة الحقيقة العلمية طالما وأن الكثير من البشر لا يتصرفون بحسب معايير العقل والحس السليم. وهكذا هو الحال دائما مع الناس والمعرفة. والفلسفة بوصفها ربيبة الدهشة وحكمة المعرفة هي المعنية دائما بتحطيم الأوثان؛ اوثان العقل ذاته وذلك بنقدها وبيان تارخانيتها عبر المزاوجة بين ملاحظة سلوكاته الذاتية” وسلوكات” الموضوعات الخارجية التي يسعى إلى تعقلها ومنحها المعنى وهذا ما يسمى بمنهجية الوعي الانعكاسي المتمثل في مراوحة العقل بين ادراك العالم وتمثله مفهوميا ثم قدرة العقل على وعي ذاته وتطهيره من الأوهام والأوثان وتلك هي وظيفة الفكر النقدي بوصفه يقظة العقل الدائم التساؤل والاندهاش. خذ أي مفهوم تاريخي كلي وحاول أن تفهم دلالته الحقيقية في سياقاته المتعينة مثل مفهوم ثورة. جاء في لسان العرب لأبن منظور أن  «ثار» الغبار سطع، و«أثاره» غيره، و «ثوّر» فلان الشر هيّجه وأظهره، و «الثور» ذكر البقر، و الأنثى «ثورة»، و «الثور» برج من أبراج الفلك. وعلى صعيد الاستخدام، تُطلق كلمة ثورة على ظواهر وأشياء عديدة ومختلفة، طبيعية وتاريخية: ثورة البراكين، ثورة الغضب، ثورة أسبارتاكوس، ثورة الزنج، الثورة الزراعية، الثورة الصناعية، الثورة الزراعية في ألمانيا، الثورة الإنجليزية، الثورة الفرنسية، الثورة الأمريكية، الثورة البرجوازية، الراديكالية، الثورة الروسية، الثورة الصينية، الثورة الثقافية،، الثورة العلمية، الثورة المعلوماتية، الثورة المضادة، الثورة المسلحة، الثورة السلمية، الثورات الاجتماعية، الثورة الشعبية، ثورة البروليتاريا، ثورة الشباب في أوروبا 1968، ثورة الطلبة، الثورات التحررية، ثورة الخبز، الثورة البرتقالية، الثورة المخملية، ثورة الحرية والكرامة، ثورات الربيع العربي،.. إلخ وهكذا نجد أن مفهوم «ثورة» قد أخذ يتسع ويغطي ظواهر كثيرة ومتنوعة، لا علاقة تجمع بينها في بعض الأحيان.

إن الثورة من حيث هي ظاهرة تاريخية ومفهوم مجرد تنتمي إلى العصر الحديث، وترتبط ارتباطاً عضوياً بمشروع الحداثة التي شهدتها أوروبا منذ بزوغ فجر النهضة في القرن الرابع عشر الميلادي، وامتدت لنحو ثلاثة قرون. ويمكن القول، أن مفهوم الثورة لم ينشأ في الفراغ، بل نشأ وتبلور وتمت صياغته في السياق التاريخي الاجتماعي المشخّص لحركة المجتمع وتطوره على جميع الصُعد: الحضارية والثقافية والمدنية. إذ ما كان لفكرة الثورة أن تتوطد بالحجج المجردة، والتنظيرات المنطقية، بل كان يحكم عليها من خلال الدليل والوقائع والحقائق التي كانت تتنضد في عالم الممارسة المشخصة، في لحظة شهد فيها التاريخ أعظم عملية تحول ثوري من التقليد إلى الحداثة. فظاهرة الثورة ارتبطت بجملة من الظواهر والممارسات والأفكار والمفاهيم العلمانية، العقلانية، التقدم، الحرية، العلم، الليبرالية، الديمقراطية، الدولة – الأمة، المجتمع المدني. كتبت حنا أرندت: «إن ما نسميه الثورة هو بالضبط تلك المرحلة الانتقالية التي أدت إلى ميلاد مملكة علمانية جديدة»، وإن ارتبطت فكرة الثورة منذ البداية بمعاني الجَدّة والبداية والعنف، فذلك لأن «إرهاصات الجَدّة الغربية التي تميز العصر الحديث قد احتاجت نحو قرنين من الزمان لتخرج من العزلة النسبية للفكر العلمي والفلسفي، ولتصل إلى ميدان السياسة» وهو ما أكده روبسبير بقوله: «أن خطة الثورة الفرنسية كانت مكتوبة بإسهاب في كتب مكيافيللي».

ربما كانت معضلة الترجمة في الثقافة العربية ذات طبيعة مختلفة جدا عن غيرها من ثقافيات شعوب العالم وهذا ما خبرته بذاتي إذ بسبب التمييز السيكولوجي الثقافي بين كلام الله وكلام الناس؛ هذا التمييز الراسخ في البنية التكوينية للثقافة العربية الإسلامية من أكثر من الف عام

إن المتأمل في واقع حياتنا الثقافية العربية اليوم سوف يلاحظ بغير عنأ ذلك الانفصال العقيم بين الدال والمدلول بين الكلمات والأشياء بين اللغة والوجود، فالكلمة لم تعد تعني المعنى الذي كانت تجسده ذات يوم، حينما بدأت لحماً ودما حياًً كما بدأت العبارات أيضاً (لحماً حياً) الحيوان والأعضاء والجسد والطبيعة والعلاقات والآلهة انبثقت من الواقع الحي لحياة الإنسان، ولم تكن هذه الرموز إلا تمثيلاً مباشراً صادقاً وحياً للأشياء التي تدل عليها. إذ أن كثيراً من الكلمات العربية ارتبطت بالحيوان والبيئة التي عاش فيها العربي في زمن ميلادها وكل كلمة أو مفهوم له ولكل مفهوم مكان وزمان ولادة، وسياق نمو وتجربة وخبرة ممارسة , وعلاقات قوة , ونظام خطاب ومدونة لغة وفضاء فكر وحساسية ثقافة وحقل تأويل وشفرة معنى وأفق تلقي .. الخ. ومادمنا نستعمل كلمات مختلفة بمعاني مختلفة فمن المهم أن نعّرف المصطلحات التي نستعملها ونحدد الدلالات التي نعنيها بها إذ ان كل تعريف تحديد، وكل تحديد سلب. كما للبشر تاريخ. إن كلمة “المتن” على سبيل المثال، بدأت بمعنى “ظهر الحيوان” بينما قد تعني الآن “أصول اللغة ومفرداتها” أو متن الكتاب، أي محتواه.. وكلمة “الابتكار” مشتقة من البكر أول مولود الولادة أي حفظ لنوع، وبالبكارة عزوبة المرأة والباكر أول النهار والابتكار الإبداع والاختراع. وكلمة “الحب” حينما ينطق بها تعني وجود رابطة حميمة بين كائنين وتعني الألفة والاتحاد والعيش معاً. وأنا أحبك كما يقول هيدجر ليس مجرد تعبير عن ذاتي.. بل هو الوجود يعلن ذاته ويتجاوزها إلى الآخر إنها تعني أن الفرد الموجود يتجاوز انغلاقه طلباً للآخر ويؤسس الحب في الخارج خارج الذات المنعزلة وأنا أحبك هي شمولية الوجود الذي لا يعي نفسه إلا شاملاً إنها الجزئي ظاهرياً والكلي جوهرياً.هذا معناه أن الكلمة ليست تعبيراً عن ذاتها، بل هي حاملاً لمحمول، هي صوت الجسد، هي رمز لشيء موجود، ولكنها ليست الشيء ذاته أبداً بل كما يقول موريس بلانشو، أن الكلمة في اللغات الأصيلة ليست تعبيراً عن شيء بل هي غياب هذا الشيء.

إن الكلمة تخفي الأشياء وتفرض علينا إحساساً بغياب شامل بل بغيابها هي ذاتها، وإذا أمعنا النظر في مملكة الرموز هذه أي اللغة سنكتشف أشياء مثيرة للدهشة بل أن فيها من السحر والإثارة ما يأسر اللب ويلهب الوجدان، فما معنى الكلمات التي نقولها ونعيدها كل لحظة، ما أصل الأسماء وما معناها، من أين جاءت هذه الرموز والإشارات التي نستدل بها عن الأشياء وهل مازالت تعبر عنها بالفعل أم لا؟ ما كانت اللغة، الكلام، بكل ما تعنيه من ابعاد ودلالات ثقافية واسعة هي جوهر الثقافة ومعناها العام ذلك لن المحصلة النهائية لـ”الثقافة” ثقافتك وثقافتي وثقافة كل إنسان هي مجموع اشكال ردود الافعال والتفاعل التي توجد في نواتنا، والتي نسميها”القدرة على قراءة اللغة، فأننا سنولي عنايتنا لتحليل العلاقة التي يقيمها الناس مع “الكلمة”وما تثيره من انفعالات مختلفة فيهم. فالكلمة الواحدة في لغة من اللغات تثير استجابات متنوعة ومتباينة عند الناس حتى وأن كانوا ينتمون الى اللغة ذاتها فقد نتفق على ما يعنيه لفظ “بحر” من الناحية النحوية ولكننا نختلف في معناها الدلالي، وربما اختلفت وإياك في التدعيات التي تثيرها هذا اللفظ في ذاتي، فقد يثير لديك مشاعر الرهبة والخوف بسبب خبرة سابقة لك معه، اما انا فالبحر يحفر عندي مشاعر الفرح والهدوء والجمال. الخ. وجميع الكلمات التي نستخدمها في حياتنا اليومية تنطوي على هذة الخاصية التعددية في اثارة الاستجابات المتنوعة عند اناس ينتمون الى مجتمع واحد.ولعل الخليفة الراشدي علي بن ابي طالب-كرم الله وجهه- حينما بعث ابو موسى الأشعري للتفاوض مع الخوارج بعد المعركة”صفين” الشهيرة، كان يدرك ذلك الفخ اللغوي، لهذا اوصى رسوله بالوصية التالية:”لا تخاطبهم بما جاء في القرآن، انما هو كلام مكتوب بين دفتين ينطق بما ينطق به”الرجال” ولما كانت الكلمات تختلف في معانيها هذا القدر من الاختلاف فلا يستطع أحد أن يحدد التفسير الصحيح والمعنى الجامع المانع للكلمة، إلا في سياق التفاعل الاجتماعي والحوار الحي والمباشر، حيث لا يعرف احد ما يجب ان تكون عليه تلك الكلمة قبل ان نلتقي بها ونواجها ونجربها ونعيدها مرات ومرات حتى نفهم معناها.

أن كلمة “فأس” التي كانت ترمز الى الاداة الرئيسية لشعوب العصر الجحري القديمة، من المؤكد انها لم تكن تعني فأساً بالمعنى الحديث أو اداة مختصة لقطع الأشجار. هذا يعني انه يستحيل معرفة معاني الكلمات حينما تنتزعها من سياقاتها الثقافية الاجتماعية المحلية أو القومية.كما يعني ايضا انه لا توجد معانٍ ثابتة وكاملة ومطلقة للكلمة في كل زمان ومكان. لكن هناك نمط من الأشخاص غير قادر على معرفة هذة الحقائق البديهية، حيث تكتسب الكلمات لديهم معاني محددة سلفاً وثابتة، وتجدهم يطابقون بين الكلمة والشي الذي يعتقدون انها تدل عليه، يطابون بين الدال والمدلول، بين اللفظ والواقع الذي قد منحوه في وقت سابق من تاريخهم جل احترامهم أو تقديسهم أو نفورهم، وفي دراسة حديثة أكدت الباحثة الأسترالية ليرا بوروديتسكي، إن للغات التي نتحدث بها تأثيرا في رؤيتنا للعَالم، إذ اشارت إلى سبب عدم قدرة الناس على فهم عالمهم وفهم بعضهم بعضا يكمن  في لغاتهم، فاللغات يمكنها أن تفتح أفاق التفكير الإيجابي الفعال أو تكبله بقيودها وأطرها السابقة التكوين والمكتملة الدلالات والمعاني الميتة إذ كتبت: ” إن السمة المميزة للذكاء البشري هي قدرته على التكيف، وقدرته على الاختراع وعلى إعادة ترتيب تصوراته للعالم بما يتناسب والأهداف وكذا البيئات المتغيرة. وما التباين الكبير في اللغات التي انتشرت في أرجاء هذا الكون إلا نتيجة لهذه المرونة. حيث توفر كل لغة أدواتها المعرفية الخاصة بها محتضنة كل ما طورته حضارتها عبر آلاف السنين من معرفة ورؤية للعالم. حيث تمتلك كل واحدة منها أسلوب إدراك وتصنيفاً وتفسيراً لهذه الرؤية، بل دليلاً قيماً طوره وصقله أجدادنا.

والأبحاث التي تجرى حول تأثير اللغات التي نتحدث بها في أسلوب تفكيرنا تساعد العلماء على كشف كيف تتولد المعرفة لدينا وكيف يتشكل الواقع وكيف أصبحنا أذكياء ومتحذلقين. هذه هي البصيرة التي تساعدنا بدورها على فهم جوهر ما يجعلنا بشراً”( ينظر، ليرا بوروديتسكي، الفكر واللغة، جوجل) تلك هي المعضلة الترجمية في الثقافة العربية الإسلامية التي كونتنا وشكلت طبيعتنا الثقافية التي نعيشها ونتعامل بها مع العالم ومع ثقافاته المتنوعة. في ثقافتنا العربية الإسلام هناك تمييز مستبطن من كل افراد المجتمع بين كلام الله المقدس وكلام الناس الاقل قيمة وأهمية عن كلام الناس بل لا قيمة له  ولا أحد يصدقه كما نعلم فضلا عن غياب الصلة الدلالية بين الكلمات والاشياء أو بين الفكر والواقع أو بين ما في الأذهان وما تراه الأعيان بحسب التعبير التراثي الشائع ليس هذه فحسب بل تم تكريس ثقافة تكذيب وأنكار ما تراه الأعيان وتسمعه الآذان وتلمسه الاجسام وتصديق ما يستحيل رؤيته أبدا!.

كتب المستشرق جاكوب “(إن العرب لم يعجزوا عن تأسيس نظام لحياتهم في عالم الأشياء المرئية بل إنهم لازالوا يمنحون ثقتهم وتصديقهم لعالم الكائنات غير المرئية) فم فائدة الترجمة في ثقافة لازالت تشكك بقدرة العقل على الفهم والحكم والتفكير ولا تثق بالكلمات الصادرة عن العقل العربي ذاته فكيف سيكون الحال إذ كان الكلام المراد ترجمته هو كلام الأجانب الذين لا يديرون بدين الإسلام؟ وعندما يتنكر الناس للعقل فإن مختلقات خيالهم تتضخم وينغمسون في مهاوي الأوهام والأخطاء.

ولاريب أن أحد المصادر الكبرى لقدرات الانسان العقلية والطبيعية ذاتها هي المذاهب الدينية والقانونية في حضارة من الحضارات وأهم هذه المصادر الصورة الميتافيزيقية الأوسع التي تجرى ضمنها أنماط الخطاب وتشكيل في فضائها أهم المفاهيم التي تشكل تصورات الانسان عن نفسه تشكيلاً عميقاً، فأما أنها تدعم قواه العقلية أوتضيق عليها وقد ضيق مهندسو الفكر العربي الاسلامي الاطر العقلية للانسان ومن ثم رفضوا قدرة الانسان على معرفة أسرار الطبيعة وفك مغاليقها، واثارة الشكوك حول قدرات الانسان العقلية ووضعوا العراقيل حول امكانية التفكير العقلاني بآيات الله الذي دمر البشر بالتفكير فيها في قول تعالى: «أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وماخلق الله من شيء» الاعراف الاية 185 وقوله تعالى:«ويتفكرون في خلق السموات والأرض«آل عمران الآية «191» وقوله تعالى «فاعتبروا ياأولي الابصار» لكن مالم نعرفه أن هذا العلم الذي ازدهر في ديار غيرنا لم يكن له أن يزدهر أويصل إلى ماوصل إليه ألا يفسح المجال للتفكير الفلسفي الحر واعلاء شأن العقل ومنح الثقة للانسان الذي أمره الله بتعمير الأرض وسبر اغوارها.

إن غياب مفاهيم الطبيعة والقانون الطبيعي، والانسان والضمير والعقل وحرية التفكير من آفق الثقافة الإسلامية أفضى بالمحصلة الأخيرة إلى العجز الكلي عن انجاز الطفرة العلمية الحديثة التي انحصرت في أوروبا الغربية واخفقت في حضارتنا العربية الإسلامية. كان العرب في كل حقول العلم .. في طليعة التقدم العلمي …إذ أن ما حققه العرب يثير الإعجاب إلى حد يدعو للتساؤل عن السبب الذي منعهم من اتخاذ الخطوة الأخيرة باتجاه الثورة العلمية الحديثة؟.

ويضيف “كان العرب قد وصلوا إلى حافة أعظم ثورة فكرية حدثت في التاريخ، ولكنهم رفضوا الانتقال من العالم المغلق إلى الكون اللانهائي) حسب تعبير(Koyre كويري). وبما أنهم عجزوا عن اتخاذ هذه الخطوة الخطيرة في بداية العصر الحديث، فإن البلاد الإسلامية لا تزال تتمسك بالتقاويم القمرية” وفي سياق تناوله للبُنى الثقافية والمؤسسية التي حالت دون مقدرة العلم العربي على اتخاذ تلك الوثبة الحاسمة من الباراديم التقليدي المغلق إلى الباراديم الحديث الجديد توصل هب إلى نتائج بالغة الخطورة والأهمية إليكم بعضها:

1- لم يكن لعلماء الطبيعة العرب دور معترف به اجتماعياً وثقافياً وسياسياً يوازي دور الفقهاء من حيث السلطة والنفوذ، بل كانت بنية الفكر والعواطف في الإسلام في القرون الوسطى بشكل عام ذات طبيعة جعلت طلب العلوم الوضعية والعقلية وعلوم الأولين أمراً يثير الشكوك ويجلب لأصحابها كثيراً من المتاعب والتهم الخطيرة على حياتهم.

2- كانت سلطة الفقهاء وسطوتهم شاملة بحيث لم يتركوا شيئاً للعلماء والفلاسفة ليقولوه، بل إن الفلاسفة وعلماء الإنسانيات لم يكن لهم وظيفة ودور معترف بهما في المجتمع، ومن ثم لم تكن لهم حماية، إذا ما أردوا التعبير عن آرائهم بشأن القضايا الفكرية بحرية، كمسألة خلق العالم، والعلية الطبيعية، والحرية الإنسانية، وما إذا كان بإمكان الإنسان الوصول إلى المبادئ الأخلاقية عن طريق الرؤية العقلية بعبارة.

3- غياب فكرة العقل والعقلانية؛ إذ إن مصادر الشرع هي القرآن الكريم، والسنة، والإجماع، والقياس، وهذا ما أفضى إلى التخلص من العقل بوصفه مصدراً من مصادر التشريع، وقد أدى التضييق على العقل إلى إنكار النظرة العقلانية إلى الطبيعية؛ أي دراستها بوصفها موضوعًا قابلاً للفهم والسيطرة ،كما أن مفهوم العقل الذي شاع عند المسلمين ليس العقل الفعال عند أرسطو، ولا (النور الداخلي) عند فلاسفة النهضة، بل يطلقون كلمة العقل على الأفكار التي يؤمن بها عامة الناس. ويرى فضل الرحمن أن “اللاهوت احتكر في نهاية المطاف حقل الميتافيزيقيا كله وأنكر على الفكر الخالص حق النظر نظرة عقلانية في طبيعة الكون وطبيعة الإنسان، لكن العلم الحديث لم يكن له أن يظهر ويزدهر دون توافر أطر ميتافيزيقية عامة ومعترف بها تقوم على فرضيات عن انتظام العالم الطبيعي وخضوعه لقوانين معينة وعلى الإيمان بقدرة الإنسان على فهم البنية الكامنة في الطبيعة وفهم القوانين التي تتحكم في الكون والحياة والإنسان واستيعابها والتنبؤ بنتائجها والسيطرة عليها، وربما هذا هو ماقصده ماكس بيرونتز بقوله: “أنه لا يزال هناك ما يقال بشأن اكتشاف السبب في أن هناك آخرين عميت بصيرتهم عن التقاط ما حاولت الطبيعة أن تقوله لهم، على الرغم من أنهم في الظاهر كانوا قادرين على ذلك”ويخلص (هف) إلى القول: “لقد ضيق مهندسو الشريعة واللاهوت في الحضارة العربية الإسلامية القدرات العقلية عند ألإنسان ورفضوا فكرة الفاعلية العقلية التي يتميز بها جميع بني البشر لصالح الرأي القائل إن على الإنسان أن يسير على نهج السلف وأن يتبع التقليد، وإن الأسلاف لم يتركوا شيئاً للآخلاف.

أما الأوربيون القروسطيون فقد وضعوا تصوراً للإنسان والطبيعة كان فيه من العقل والعقلانية ما جعل النظرات الفلسفية واللاهوتية مجالات مدهشة من مجالات البحث التي كانت نتائجها لا هي بالمتوقعة ولا بالتقليدية.فمتى تطلق بومة منيرفا جناحيها للريح في فضاءات العالم العربي الإسلامي؟! هذا هو ما سبق وناقشناه في مشروع المشترك الثقافي العربي إذ جرى الحديث أهمية الترجمة التبادلية التفاعلية بين نحن والأخر إذ إنَّ مشكلة وعي الذات ووعي الآخر ليست من اليسر بحيث تنكشف لكل إنسان بذاتها ولذاتها، بل هي عملية شديدة التعقيد والفهم. إذ قد يعيش الناس مئات السنين من غير أن يتمكنوا من اكتشاف الحجب والوصول إلى درجة وعي الذات والآخر، فالذات إذا ما تركت لذائها من غير أن تصطدم بتحدِّي الآخر فسوف تظل عمياء غير واعية لذاتها، وهذه هي طبيعة الإنسان الذي إذا ما حيل بينه وبين ذاته لتصوَّر نفسه مركز الكون، هذا معناه أنَّهُ ثمَّة علاقة جدلية تفاعلية تبادلية بين الذات والآخر، فالآخر مرأة الذات، ومعرفة الآخر تفضي إلى التعرُّف على الذات.

وقبل إطلاق أيَّ حُکم نافذ عن مجتمع بعيدٍ ما، لا بُدَّ أن يبلور الشخص موقفًا واضحًا قدر الإمكان عن مجتمعه نفسه، وسرعان ما سيكتشف أنَّ الطريق الوحيد التحقيق كشف المحجوب عن الذات إنَّما يتم بالدراسة (المقارنة) لذاته أثناء انهماكها برصد الآخرين، وبأن يعي أنماط التشويهات التي ينطوي عليها هذا الموقف بالضرورة، فرصد الآخرين وتأويلهم هي أيضًا دائمًا وسيلة تؤدِّي إلى رصد الذات، ولعل الفكرة المستخلصة من الاحتكاك الجسدي المباشر بين الذات والآخر هي أن الجهل بالآخر يعني الجهل  بالذات وهذا ينطوي على لحظتين لحظة؛ الجاهل الذي يجهل جهله والجاهل الذي لا يعرف أنه يجهل ذاته والاخرين وكلما زاد احتكاك الأفراد والشعوب والثقافات ببعضهم، كلما إتسعت رؤيتهم للعالم والحياة والتاريخ فالاحتكاك ليس حدثا عابرا في حياة الكائنات، بل هو لحظة فائقة من لحظات احتدام الذوات في عالم الممارسة الاجتماعية الإنسانية. تمتزج فيها الأجساد والأرواح والسياسات والمعتقدات والقيم والعادات والمواقف والافكار والتطلعات والآمال والآخر مرآة الذات. ولا ينكشف حجب الذوات عن ذاتها الإ بالاحتكاك المباشر بين الفاعلين الاجتماعين في مكان وزمان متعيين. وتلك هي وظيفة الترجمة التي لا غناء عنها لسكان هذه العالم للتواصل والتفاهم  بينهم منذ أقدم العصور  وبحسب حاتم الجوهري يطمح مشروع المشترك الثقافي العربي إلى نقد الصور النمطية للذات العربية عند الآخر ونقد التصورات النمطية للآخر في الذات العربية وذلك بالاعتماد على “الترجمة عن اللغة العربية للآخر والعمل على دراسة إشكاليات هذه الترجمة ومعوقاتها ومفاهيم الخطاب المقترح لتغيير الصورة النمطية للذات والآخر، من زاوية اهتمامها بتقديم خطاب جديد وترجمته للغات الأخرى عبر الاهتمام بنظريات الارسال والتلقي ومحددات استقبال الخطاب لكي يحقق خطابها الجديد الحجية والمنطقية والقدرة على الوصول إلى “الجمهور المستهدف” عند الآخر”.

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

عاجل : طارق صالح يعلن رسميا عن اقتراب معركة التحرير ويكشف عن غرفة عمليات مشتركة تضم كافة المحاور القتالية "بيان"

اليمن السعيد | 3296 قراءة 

خوف وهلع يصيب قيادات الصف الاول للحوثي في صنعاء بعد إعلان أمريكي رسمي ساحق

نيوز لاين | 2060 قراءة 

عاجل : البنك الدولي يفاجئ الجميع ويتدخل بشكل طارئ لانقاذ اليمنيين ويقدم هذا الدعم الكبير

اليمن السعيد | 1925 قراءة 

مصر رأس حربة وسر معركة الخلاص.. استنفار حوثي وحشود ضخمة وإخلاء للموانئ ونقل هولاء لصنعاء

نيوز لاين | 1752 قراءة 

لاعتقادهم بأنه "إكسير الحياة...هنود يتناولون ماء يقطر من قطعة جبس داخل معبد هندوسي ثم اكتشفوا المفاجأة "شاهد"

اليمن السعيد | 1726 قراءة 

محلات الصرافة تصعق المواطنين بإعلان أسوأ انهيار في تاريخ الريال اليمني صباح اليوم

المشهد اليمني | 1490 قراءة 

ليلى عبد اللطيف تصطدم بترامب

العين الثالثة | 1430 قراءة 

وداعاً لضعف النظر.. حبة جعلها الله علاج لضعف النظر.. كوب واحد قبل النوم وانسى مشاكل العين !!

وطن الغد | 1255 قراءة 

احتشاد غير مسبوق في صنعاء بسبب مواطن جنوبي

كريتر سكاي | 1202 قراءة 

بعد فوزه بالرئاسة الأمريكية.. ترامب يفاجئ الجميع ويتوعد بهذا الشيء

العين الثالثة | 1109 قراءة