بقلم: د. يوسف سعيد احمد
المقدمة : تستهدف هذه المقالة الموجهة للمهتمين بسعر الصرف تسليط الضوء عندما يتعلق الأمر بممارسات الدول المستقرة بالمقارنة مع بلادنا في رفع أو خفض سعر الصرف عن المستوى التوازني وتوضيح ماذا يعني السعر الحقيقي التوازني واخيرا تحليل عنوان المقالة .
في الاقتصادات المستقرة قد تلجأ دولة لمواجهة المتغيرات الاقتصادية غير المواتية إلى تعديل سعر الصرف مؤقتا بأعلى من قيمه الحقيقية لكن هذا الإجراء يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم المحلية ومن ثم 'ارتفاع الاسعار النسبية للصادرات مما يؤدي إلى تقليص القدرة التنافسية للدولة 'وبالتالي قد يقود ذلك إلى تدهور الموقف الخارجي واستنزاف احتياطيات النقد الأجنبي أو خطر التعرض لأزمة ميزان المدفوعات في النهاية غير ان الدراسات التجريبية اثبتت أنه نادرا ما تتجه بعض الدول في تعديل سعر الصرف بأعلى من قوته التوازنية حيث يكون التغير في الغالب غير مرغوب وقد يكون نتاج للسوق أو لسياسة الفيدرالي الأمريكي كما يحدث للدولار احيانا .
وفي نفس السياق تعمل بعض الدول بهدف تخفيض الفائض التجاري إلى تعديل سعر الصرف مقوما بأقل من قيمته الحقيقة 'وهذا يؤدي إلى رفع أسعار الصادرات الوطنية وتخفيض اسعار الواردات.اما لماذا تبرز الحاجة لتخفيض الفائض التجاري فيعود ذلك حسب بعض الدراسات إلى أن فائض ميزان المدفوعات ليس كله حميدا . فالفائض المستمر لامد طويل نسبيا يقترن بعدد من المساوئ من بينها: التدفق المستمر للسيولة والذي يعد من بين العوامل التضخمية خاصة عندما تزيد السيولة المتدفقة عن القدرة الاستيعابية للدولة المعنية. كما تتعاضم المخاطر عندما تقوم المضاربة في أسواق الصرف الأجنبي إلى اجتذاب الأموال قصيرة الأجل نحو تلك البلدان ذات العملات المقومة بأقل من قيمتها الحقيقية.
لكن قد يتسائل البعض عن ماهية الجدوى الاقتصادية من تعديل سعر الصرف باتجاه الرفع أو الخفض عن قيمتة الحقيقية التوازنية.
في هذا الصدد فإن التجربة أثبتت أن البلدان التي تبنت سياسات دائمة وملائمة لسعر الصرف هي فقط التي استطاعت الإبقاء على مستوى توازني لسعر الصرف الحقيقي وبالتالي كانت أكثر قدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتحقيق معدلات اكبر للنمو الاقتصادي وهناك أمثلة كثيرة التي نجحت في جعل سياساتها الاقتصادية أكثر جذبا ..
لكي لكي تتضح الصورة علينا أن نوضح ماهو السعر الحقيقي التوازني لسعر الصرف ؟
سعر الصرف الحقيقي للعملة يتم ربطة عادة بالتغيرات الحادثة في مستوى الأسعار وبالتالي التي تحدث للعملة الوطنية التي تعكس قوتها الشرائية وكذا تقدير القدرة التنافسية للاقتصاد في ضوء التغيرات التي تحدث في العملة الوطنية ولذلك لسعر الصرف الحقيقي أيضا الصفة الدلالية على القدرة التنافسية للدولة في السوق الدولية .
نظريا سعر الصرف الحقيقي التوازني يتحقق عند المستوى الذي يحقق التوازن الداخلي والخارجي؛ بين العرض الكلي والطلب الكلي ' والذي يحقق التخصيص الأمثل للموارد الاقتصادية بين قطاعي السلع القابلة للاتجار والسلع غير القابلة للاتجار"غير القابلة للتصدير اوتلك التي يستهلكها المنتجون المزارعون مثلا ".
وبهذا يمكن أن نستنتج أن سعر الصرف الحقيقي يقوم بتعديل سعر الصرف الاسمي وفقا للتغيرات في مستوى اسعار الدول وبالتالي فهو يقيس القوة الشرائية للسلع والخدمات المحلية مقابل السلع والخدمات الأجنبية.
المضاربون لايستهدفون الوصول إلى سعر الصرف الحقيقي التوازني للعملة ?!
عندما لا تتمتع الدولة بجهاز انتاجي قوي ويمكنها من التصدير ويمارس دور قوي في توفير الجزء المتعاضم من احتياجات السكان فإن السياسة النقدية لاتجدي نفعا في حال الصدمات الخارجية وحتى الداخلية .
في بلادنا تتبع الدولة سعر الصرف المعوم الحر وهذا يعني نظريا وعمليا أن ٱلية السوق هي من تحقق التوازن تلقائيا بل البلدان التي تتبع نظام اسعار الصرف المرنة اي المعومة تكون اقل حاجة لوجود احتياطيات نقدية خارجية كبيرة بالمقارنة مع أنظمة اسعار الصرف الثابتة.
مايحدث على صعيد سعر الصرف ليس خفضا أو رفعا بغرض تحقيق أهداف اقتصادية تعكس توجه الدولة ولكنها مضاربة منفلتة من عقالها تهدف الى التربح والأثراء هناك أطراف خارجية منخرطة في عمليات المضاربة على صلة بشركات الصرف ووجود مشاركة لها في رؤوس أموالها درجت على العمل منذ بدء الأزمة هذه الأطراف تستفيد من جاذبية تدني قيمة العملة مقومة بالعملات الأجنبية التي تحوز عليها وطبعا هدفها هو التربح والأثراء كما أسلفنا جنبا إلى جنب مع المضاربين المقيمين وتحقيق المكاسب المالية. هؤلا غير المقيمين كان يفترض أن يتجهوا إلى الاستثمار في الأصول الحقيقة الرخيصة مستفيدين من ضعف العملة الوطنية لكن مكنهم ضعف مؤسسات الدولة وركود قطاع العقار ان يتجهوا إلى الأسهل والعائد السريع ولايهمهم الآثار التي تترتب على انهيار قيمة العملة الوطنية .
هذا الحال يشبه الغزوات التي تقوم بها الأموال الساخنة في بعض البلدان التي تزداد جاذبيتها بعد قيامها في رفع اسعار الفائدة لمواجهة التضخم حيث تأتي هذه الاموال لاقتناص الفرص على المدى القصير بقصد جني الأرباح أيضا لكن الأموال الساخنة على الأقل تكون معروفة ومسجلة لدى الدولة المضيفة وفوق ذلك تدفع الضرائب..
ويمكن القول إن سوق الصرف الأجنبي في بلادنا يتصف بالتشوه وغياب البنيان والشفافية والحوكمة وبالتالي غياب تام لالية السوق وبالتالي فهو سوق الصرف سوق غير كفء ويفتقد هذا السوق إلى إنفاذ القانون وهو بالتالي سوق منفلت على الرغم مما يبذلة البنك المركزي من جهود ومستوى العمليات التنظيمية والفنية التي قام بها بهدف إخضاع قطاع الصرافة للقانون.
فلازال من غير المعروف كم حجم الطلب على الدولار بدافع استيراد السلع والخدمات وكم نسبة الطلب اليومية على الريال السعودي إلى صنعاء مقابل توريد القات والمنتجات الزراعية الأخرى وبالتالي معرفة حجم المضارب بالدولار وغسل الأموال أيضا .والسبب ان البيانات لاتتدفق وبشكل كامل و ٱلي ضمن شبكة التحويلات الموحدة وفي هذا فإن الثابت أن المضاربون يتعمدون اخفاء المعلومات الحقيقة ويبتكرون وسائل مختلفة كي تبقى بعض الأنشطة في الظل .
الوصول إلى تحديد سعر الصرف التوازني الحقيقي للعملة الوطنية مقابل الدولار كعملة احتياطي وعملة قياس عالمي تحتاج إلى توفر البيانات اللأزمة والضرورية التي تعكس حجم التجارة الخارجية وموقف الميزان التجاري ومتغيرات الاسعار وتدخل فيه عناصر أخرى ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار مثل جودة السلع وخدمات ما بعد البيع ويجب أن تأخذ ايضا في الاعتبار تحركات راس المال كنعصر هام ومحدد لسعر الصرف وهذه البيانات في ظروف اليوم غير متاحة.
وهذا المهمة لن ينهض بها سوى فريق عمل متخصص تتاح له البيانات يقوم بدراسة كافة المتغيرات ذات الصلة بسعر الصرف الحقيقي التوازني ولن تتحقق الا في ظل دولة مستقرة ومؤسسية ماعدا ذلك من دراسات البرامج الاحصائية لاتعدو أن توفر فقط حججا للمضاربين بسعر الصرف للإستمرار بحثا عن الإثراء بحجة الوصول إلى السعر العادل الصرف.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news