شمسان بوست / متابعات:
انتشرت الأدوية المهرّبة في شكل كبير خلال فترة الحرب في اليمن وما بعدها في ظل الهدنة الحالية. ويستغرب متخصصون صحيون وجود طلب على الأدوية المهرّبة من قبل المرضى نتيجة أسعارها المنخفضة مقارنة بالأدوية التي تدخل البلاد بطريقة رسمية.
تغزو الأدوية المهرّبة أسواق اليمن في ظل غياب رقابة الجهات المسؤولة التي تتواطأ هي نفسها في تنفيذ عمليات تهريب تنعكس سلباً على مستخدمي الأدوية الذين يتعاملون أيضاً مع الأدوية المهرّبة تحديداً بما هي حل بديل للارتفاع الجنوني في أسعار تلك التي تدخل البلاد بطرق قانونية.
ليس تهريب الأدوية ظاهرة الجديدة في اليمن، إذ يعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، لكنه كان محصوراً بأصناف لا توجد في السوق نتيجة قوانين الاستيراد، أو أخرى لا وكلاء لها في البلاد، أي أن الأمر كان يشمل عدداً محدداً من الأدوية. لكن الحرب التي تشهدها البلاد منذ عام 2015، وأفضت إلى انقسام سياسي، انعكست على مؤسسات الدولة. وساهم انتشار الفوضى في تنامي ظاهرة غزو الأدوية المهرّبة التي باتت تملأ أسواق اليمن، ويقف خلفها مسؤولون في الدولة وقيادات عسكرية وأمنية بمشاركة عدد من تجار الأدوية.
مطلع مارس/ آذار الماضي، ضبط فرع الهيئة العليا للأدوية في تعز شحنة أدوية مهرّبة تمهيداً لإتلافها، لكن مسلحين ينتمون إلى اللواء 170 دفاع جوي التابع لمحور تعز اقتحموا بأطقمهم العسكرية مقر فرع الهيئة، واعتدوا على موظفيها، ونهبوا الأدوية المهرّبة لحساب شخص يعمل في هذه التجارة الخطيرة.
وأوضحت الهيئة أنها كانت تستعد لإتلاف كمية كبيرة من الأدوية المهرّبة التي جرى ضبطها بالتعاون مع الأجهزة الأمنية في مديرية المسراخ – صبر، أثناء محاولة تهريبها إلى تعز. وحذرت من كارثة وصول هذه الأدوية إلى السوق وخطرها على حياة الناس لأنها سمّ قاتل”.
ومن بين أسباب زيادة الأدوية المهرّبة التدهور الكبير في قيمة العملة اليمنية الذي جعل الشركات الأوروبية التي تصنّع الأصناف الأصلية والفعّالة تتوقف عن التصدير إلى اليمن في ظل القدرة الشرائية للمواطنين. كما أن هذه الشركات تحرص على سمعتها التجارية التي قد تتأثر بعدم ضمان سلامة النقل والتخزين نتيجة الأوضاع السائدة في اليمن، وفي مقدمها انقطاع الكهرباء.
يقول مندوب علمي في شركة أدوية طلب عدم كشف هويته، لـ”العربي الجديد”: “استغل تجار أدوية الأوضاع السائدة، ونفذوا عمليات تهريب الأدوية بالتعاون مع مسؤولين في الدولة شكلوا معهم شبكة واحدة. وتضمنت العمليات إدخال أدوية بطرق غير قانونية، وعدم إخضاعها لأي إجراءات رقابة، ما ساهم في انتشار أصناف مزوّرة مجهولة المصدر، وبيع أخرى صُنعت في اليمن وخارجه من دون التنسيق مع الشركات الأم، وبيعها في الأسواق باعتبارها مقلّدة للأصناف الحقيقية. وهذا الأمر أكثر خطورة صحياً على غرار إدخال أدوية منتهية الصلاحية جرى إعادة تغليفها وإنزالها إلى الأسواق. ورغم أن المستهلكين يستطيعون تمييز الأدوية المهرّبة في معظم الحالات من خلال التدقيق في أختام الوكلاء المستوردين، فإن الوضع الاقتصادي الصعب يجعلهم يشترونها لأن سعرها أرخص من دون الاهتمام بمخاطر استخدامها”.
ويقول الدكتور سامي (اسم مستعار)، وهو صاحب صيدلية، لـ”العربي الجديد”: “يقود لوبي يضم مسؤولين في الدولة وقيادات عسكرية وأمنية ومهربين عمليات تهريب الأدوية. والفوضى الأمنية وغياب دور الهيئة العليا للأدوية يدعمان العمليات”.
يتابع: “تنتشر الأدوية المهرّبة في الصيدليات والمستشفيات والمراكز الصحية، ولا يجري سحبها وإتلافها. والمستغرب أن الزبائن يطلبونها في شكل كبير بسبب أسعارها المتدنية مقارنة بتلك التي تدخل البلاد بطريقة رسمية”.
ويوضح الدكتور سامي أن الأدوية المطلوبة في السوق ومرتفعة الثمن تهرّب في شكل كبير، ومعظمها خاصة بأمراض مزمنة، مثل السكري والقلب وأدوية الأمراض النفسية والعصبية”.
ويُخبر صيادلة “العربي الجديد” أن معظم الأدوية المهرّبة تأتي من دول القرن الأفريقي عبر سواحل مدينة المخا بمحافظة تعز ورأس العارة في محافظة لحج (غرب)، وأيضاً من منافذ برية في محافظة المهرة (شرق)، كما تهرّب كميات أقل جواً.
ووفقاً لإحصاء أجرته الهيئة العليا للأدوية الخاضعة لسيطرة الحوثيين بلغت فاتورة استيراد الأدوية في اليمن نحو 88 مليار ريال سنوياً (الدولار يساوي 535 ريالاً في مناطق سيطرة الحوثيين).
ويقول نقيب الأطباء والصيادلة اليمنيين في تعز الدكتور إسماعيل الخلي لـ”العربي الجديد” إن “سيطرة مليشيا جماعة الحوثيين على الهيئة العليا للأدوية عرقلت وصول معظم أصناف الأدوية التي تنتجها الشركات العالمية، وسهّلت تهريبها إلى قيادات في المليشيا بهدف غسل أموال وتنفيذ عمليات تجارية غير شرعية ذات مردود مالي كبير”.
ويشير إلى أن “المنافذ تحوّلت، في ظل سقوط هيبة القانون وسيطرة الجماعات المنفلتة، إلى نقاط لتهريب الأدوية بسهولة ويسر بمجرد أن يتفق المهرّب على الأرباح مع مسؤول في الجهة التي تحصل فيها عملية التهريب. وهما لا يخافان من مصادرة الأدوية أو أي محاسبة”.
ويتحدث عن أن ” الحوثيين تخلّت عن دورها في تزويد المستشفيات الحكومية بالأدوية التي تصرف مجاناً للمواطنين، وكانت تستورد بعضها للمستشفيات تحديداً. كما تخلت وزارة الصحة عن الاستيراد الحصري للأدوية المخدرة وتوزيعها مجاناً لمستشفيات حكومية تخضع لرقابة صارمة، وبيع جزء منها إلى مستشفيات الأهلية مع مراقبة آلية صرفها. وهكذا سيطر الحوثيون على تجار الأدوية المخدرة ذات المردود المالي الكبير”.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news