شهدت العاصمة عدن في الفترة الأخيرة ارتفاعًا حادًا في أسعار الإيجارات، مع انتشار ظاهرة تأجير المنازل بالعملات الأجنبية، وخاصة الريال السعودي والدولار، وهو ما شكل عبئًا إضافيًا على المواطن العادي الذي يكافح في ظل الظروف الاقتصادية المتدهورة، ومع تفاقم الوضع وازدياد أعداد النازحين وعودة المغتربين، مما أدى إلى زيادة الطلب على العقارات وارتفاع الأسعار بصورة غير مسبوقة. بات البحث عن مأوى مناسب يشكل تحديًا كبيرًا، في وقت أصبحت فيه العملات الأجنبية تسيطر على سوق الإيجارات، مستبعدة الطبقة المتوسطة والفقيرة.
المواطن.. الضحية الكبرى في دوامة ارتفاع الأسعار
في خضم كل تقلب في سعر الصرف، يتضرر المواطن البسيط بشكل مباشر، حيث تتأثر حياته اليومية بكل ارتفاع جديد، سواء في أسعار المواد الغذائية أو الدواء أو حتى الإيجارات.
الوضع الاقتصادي المتدهور في اليمن عمومًا والعاصمة عدن خصوصًا، أدى إلى غياب الاستقرار في أسعار الإيجارات، ما جعل العثور على منزل مناسب مسألة شاقة تتطلب شهورًا من البحث المستمر.
وليس ذلك فحسب، بل يجد المواطن نفسه مجبرًا على قبول واقع مرير، حيث تفرض عليه الإيجارات بعملات أجنبية بدلاً من الريال اليمني، في ظل انخفاض قيمته وتضاؤل قدرته الشرائية، ويمكن وصف هذه الظاهرة بـ"الابتزاز"، والتي تضع المواطنين في مواجهة صعبة مع ملاك العقارات الذين يستغلون الوضع الاقتصادي الهش.
"موضة" الوقت: الإيجار بالدولار والسعودي
في مشهد غير مألوف، نجد الآن في العاصمة عدن منازل وشققًا تُعرض للإيجار بعملات صعبة مثل الدولار والريال السعودي، وتضع هذه "الموضة" الجديدة الملاك في موقع قوة، حيث يرفضون التفاوض حول السعر بالعملة المحلية، معتبرين أن الريال اليمني لم يعد ذا قيمة تذكر مقارنة بالعملات الأجنبية التي تظل في ارتفاع مستمر، ومع كل ارتفاع في سعر الصرف، تزداد أزمة الإيجارات تعقيدًا، مما يدفع المواطن البسيط إلى حافة اليأس.
استغلال الملاك وسط غياب الرقابة
بات واضحًا أن هناك استغلالًا واضحًا من قبل بعض ملاك العقارات الذين يسعون لرفع الأسعار بما يتناسب مع مصالحهم الخاصة دون مراعاة لظروف المواطنين المعيشية، وباتت أسعار الإيجارات تتجاوز الحدود المعقولة، حيث تُعرض منازل صغيرة جدًا بأسعار خيالية، ويشترط الملاك الدفع بعملات أجنبية، ويبرر الملاك موقفهم بأن لديهم مستأجرين آخرين على استعداد للدفع بهذا السعر، مما يضع المواطن أمام خيارين أحلاهما مر: إما قبول السعر أو الاستمرار في رحلة البحث عن مأوى في ظل ظروف اقتصادية خانقة.
النزوح الداخلي يزيد من تعقيد المشهد
أدى النزوح الداخلي، خاصة من المحافظات الشمالية مثل تعز والحديدة، إلى تفاقم أزمة السكن في عدن، وأعداد كبيرة من النازحين الذين يبحثون عن مأوى بعد أن دمر الصراع مدنهم وقراهم، ما دفع الكثير منهم إلى الانتقال إلى عدن، حيث يواجهون تحديات كبيرة في العثور على سكن يناسب قدراتهم المالية المحدودة.
وفي ظل هذا التزايد في عدد النازحين، أصبح المواطن العدني يعاني أكثر في محاولة العثور على منزل، حيث تتنافس الأسر النازحة معهم في سوق الإيجار المتضخم، وبفضل الدعم الذي يتلقاه النازحون من جمعيات خيرية ومنظمات إنسانية، تمكن بعضهم من الحصول على منازل بأجر مؤقت أو مدفوع مقدمًا، مما ضاعف من الصعوبات التي يواجهها المواطن المحلي.
عودة المغتربين: سبب آخر لارتفاع الإيجارات
لم يقتصر الضغط على سوق العقارات في عدن على النازحين فقط، بل ساهمت عودة المغتربين اليمنيين، وخاصة من السعودية، في زيادة الأزمة، فهؤلاء المغتربون عادوا ومعهم مدخراتهم بالريال السعودي، ما جعلهم قادرين على دفع إيجارات أعلى من المواطنين المحليين. ومع تزايد الطلب من قبل هؤلاء المغتربين، ارتفعت أسعار الإيجارات بشكل جنوني، وأصبح من الصعب على المواطن العدني المنافسة.
غربة داخل الوطن
النتيجة الحتمية لكل هذه العوامل هي أن المواطن العدني بات يشعر بالغربة في مدينته، فمع ارتفاع الأسعار وفرض الدفع بالعملات الأجنبية، يجد المواطن نفسه غير قادر على تأمين مسكن له ولأسرته، وهو ما يثير تساؤلات حول مستقبل سوق العقارات في عدن. إلى متى سيستمر هذا الوضع؟ وهل ستتدخل السلطات المحلية لضبط الأسعار وحماية المواطنين من جشع الملاك؟
الحلول المفقودة
يبقى السؤال الأهم: ما هي الحلول الممكنة لهذه الأزمة؟ في ظل غياب الرقابة الحقيقية من السلطات المحلية وانعدام التشريعات التي تحد من استغلال الملاك، يبدو أن الوضع سيستمر في التدهور، قد تكون الحلول بعيدة المنال، ولكن الأمل يكمن في تدخل الجهات الرسمية لوضع حد لهذه الظاهرة، وإعادة الأمور إلى نصابها بما يضمن تحقيق العدالة للمواطن البسيط.
في النهاية، يبقى المواطن العدني ضحية لدوامة ارتفاع الأسعار التي لا تعرف الاستقرار، في وقت تزداد فيه التحديات المعيشية يومًا بعد يوم. وما لم تتخذ خطوات جدية لمعالجة الأزمة، فإن الأمور مرشحة للتفاقم بشكل أكبر، مع مزيد من المواطنين الذين سيجدون أنفسهم عاجزين عن تأمين مأوى لهم ولأسرهم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news