المحويت في حرب من نوع أخرى.. مزارعون يروون قصص معاركهم اليومية مع القرود

     
يمن ديلي نيوز             عدد المشاهدات : 58 مشاهده       تفاصيل الخبر
المحويت في حرب من نوع أخرى.. مزارعون يروون قصص معاركهم اليومية مع القرود

أعد التقرير لـ”يمن ديلي نيوز” – علي العقبي:

في محافظة المحويت (غربي اليمن) يخوض مزارعو المحافظة حربا من نوع أخرى تفاقمت حدتها خلال السنوات العشر الأخيرة.

حرب وغزوات يقف المزارعون فيها موقف الدفاع أمام هجمات يومية ليست مرتبطة بوقت محدد.

إنها حرب مع “القرود” التي لم تعد تخيفها دما المزارعين في الحقول التي كانت إلى سنوات قريبة تمنعها من الاقتراب، بل تجاوزت ذلك ووصل بها الأمر حتى باتت حشودها في أحواش المنازل وأسقفها بحثا عما يسد رمقها.

إنها حرب أخرى يصفها المزارعون، لم يكونوا يعهدوها من قبل، فالأودية المليئة بالأشجار كانت هي الموطن الذي تستقر فيها القرود، ونادرا ما تقترب من مزارع وحقول المزارعين البعيدة عن القرى الآهلة بالسكان، لكنها مؤخرا تجاوزت كل شيء.

مزارعون يروون لـ”يمن ديلي نيوز” قصص معاناتهم المتزايدة من هذه الظاهرة التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية مع كل موسم زراعي جديد، حيث يعتقدون أن لجوء القرود إلى مناطقهم نظرا لبعدها عن أصوات المدافع وأزيز الرصاص.

حراسة مستمرة

يقول “محمد أبو علي” مزارع خمسيني من عزلة الأحجول بمديرية حفاش إنه يبدأ يومه بعد صلاة الفجر بحمل سلاحه الشخصي “مسدس” يستخدمه لحماية مدرجاته الزراعية المزروعة بالذرة الحمراء والسمسم.

يقضي ساعات الصباح في مراقبة حقوله حتى منتصف النهار، ثم يعود إلى منزله القريب لتناول طعام الغداء الذي يبعد عن القرية نحو عشرين دقيقة.

بعد الظهيرة، تتولى زوجته مهمة الحراسة، حيث تبذل جهدًا كبيرًا في حماية المحاصيل من هجمات فرق القرود المعروفة محليًا باسم “الرباح”.

هذه القرود تهاجم المحاصيل بعنف، وتستغل أي فرصة تجد فيها الحقول دون حماية لتقتلع المزروعات وتستهلك ما زرعه الفلاحون.

في المساء عند الثالثة والنصف، يعود أبو علي إلى حقوله، ويتناول أوراق القات للكيف ونسيان التعب حد قوله، ليواصل مراقبة حقوله حتى نهاية اليوم، يتفقد محاصيله ويحاول جمع ما يمكن إنقاذه قبل أن تعبث به القرود.

يقول “أبو علي” إن هجمات القرود تزايدت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، ما تسبب في فقدانه نصف محاصيله.

هذا الموسم كان الأصعب على الإطلاق – كما يقول – إذ يواجه هجمات تصل إلى مرتين أو ثلاث مرات في اليوم. متوقعا أن تكون الحرب التي تشهدها مناطق أخرى من اليمن هي السبب وراء نزوح القرود إلى مناطقهم الآمنة.

يتحدث “أبو علي” عن تعرض زوجته البالغة من العمر 48 عامًا، لمحاولة هجوم من قبل مجموعة مكونة من 30 قردًا أثناء وجودها في الحقل بمفردها، لكنها تمكنت من الفرار بسرعة خوفًا من الأذى، في مشهد غير معتاد بالنسبة لها.

وأشار إلى أن محصوله الزراعي تراجع بشكل كبير، حيث كان يحصل على 15 كيسًا من الذرة في الموسم، أما في السنوات الأخيرة، بالكاد يحصل على ثلاثة أو أربعة أكياس، مما يشير إلى أن تكاليف الزراعة وحماية المحاصيل تجاوزت بكثير قيمة الإنتاج بسبب ما تستهلكه القرود.

حتى المواشي

محمد العوامي مزارع وأحد الشخصيات الاجتماعية في مديرية “بني سعد” بمحافظة المحويت يقول لـ”يمن ديلي نيوز” إن منطقته شهدت في السنوات الأخيرة زيادة كبيرة في أعداد القرود لم تكن معهودة خلال العقود الماضية.

هذه القرود – كما يقول العوامي – لم تعد تهاجم المزروعات فقط بل أصبحت تهاجم الأغنام بضربها ومطاردتها وقتل صغارها وتمزيقها وأكلها، مع أنها لم تكن تقوم بذلك من قبل.

من جهته يقول المزارع “محمد القعيش” من مديرية حفاش إنهم تركوا ما يقارب ثلاثة آلاف شجرة “بن” في مدرجاتهم الزراعية دون اهتمام بها كما كان معتاداً، بسبب بُعد هذه الأراضي عن القرية وغزو القرود لمحاصيلها.

يؤكد لـ”يمن ديلي نيوز” أنهم خسروا المحصول الذي كانوا يجمعونه سنوياً، ويجففونه لتسويقه في أكياس إلى أسواق باجل، حيث كانوا يعتمدون على هذا العائد المالي لتغطية مصاريف العام.

عناء كبير

وفي مديرية ريف المحويت يقول “عبداللطيف حسن” نجل أحد المزارعين: “والله أصبح المزارع الآن في مناطقنا الريفية يعاني بشكل شديد من انتشار القرود. منذ قدوم نجوم المذاري، يعيش المزارعون في عناء كبير. وأغلبهم ترك بعض المناطق الزراعية لعدم استطاعة المزارع توفير عمال حماية من القرود.

وأضاف: لم يتبقَ سوى القليل من لا يزالون يحافظون على الموسم الزراعي وهم يعانون يحتاجون حراسة مستمرة من الفجر حتى المغرب، فتزيد تكاليف عمال الحراسة عن حصيلة المحصول، فيما القرود تأخذ المحاصيل بطريقة سرقة مستمرة.

وقال إن القرود تهاجم بشكل يومي حتى بوجود العمال وأحيانًا يخسر المزارع في النهاية، ويبقى له القليل فقط من المحصول… مردفا: أصبح المزارع وكأنه في جبهة، وليس في حقل زراعي.”

تهديد متواصل

ويتحدث “أبو عمار الجبرني” أحد مزارعي ريف الرجم، عن معاناة المزارعين المتزايدة مع غزوات القرود على مزارع ومناطق رعي الماشية وخلايا النحل والمحاصيل الزراعية.

يقول أبو عمار: “بعد اختفاء التين الشوكي الأحمر الذي كانت القرود تكتفي به في الماضي، أصبحت القرود تهدد محاصيل المزارعين بشكل يومي، ولا تكتفي بالغزو في الصباح أو بعد الظهيرة كما كان الحال سابقًا. الآن تأتي في أي وقت، مما يضطر المزارع إلى حماية الحقول الزراعية والمراعي وأماكن تواجد النحل طوال اليوم.”

ويضيف: “على سبيل المثال، إذا كان المزارع يمتلك عدة مجارب (حقول) فإنه لا يستطيع حمايتها وحده. يحتاج إلى ثلاثة أشخاص أو أكثر لحماية المحاصيل في تلك المجارب والشعاب، بحيث يكون أحدهم في الأعلى، وآخر في الأسفل، لأن القرود أصبحت لا تخاف من الإنسان. تغزو المحاصيل من مختلف الاتجاهات وكأنها تأخذها بالقوة.”

وأوضح “الجبرني” أن هذه المشكلة لا تقتصر على المحاصيل فقط، بل امتدت إلى مناطق الرعي والنحالين أيضًا. “في ديرة أخوالي، مثلاً، وهي منطقة نائية من ذات المديرية، يعاني الرعاة من نفس المشكلة. تهاجم القرود الرعاة، خاصة الأطفال، ولا تخاف منهم. أما الرعاة الكبار فيضطرون إلى الخروج بشكل جماعي ومعهم أسلحة مثل البنادق والفؤوس لحماية أنفسهم من هجمات القرود.”

وتابع حديثه قائلًا: “في بعض قرانا في مديرية الرجم في الوديان، تجرأت القرود حتى على دخول المنازل، خاصة تلك الواقعة في أطراف القرى والمعازيب (القرى النائية) حيث تروي إحدى النساء أنها كانت تقوم بعمل الخبز خارج البيت في الحوش، للتفاجأ بالقرود جانبها تسرق الخبز الجاهز من خلفها.

كما لم تسلم خلايا النحل من هذه الهجمات. يقول أبو عمار: “أنا لا أستطيع ترك نحلي الآن حيث أتجول به، فقد صار عرضة لهجمات القرود. في الماضي كنت أضع خلايا النحل في مكان محدد وأعود إليها من عزبتي في نهاية اليوم لسقيها، لكني الآن يجب أن أكون بجوارها صباحًا ومساءً، لأن القرود تأتي وتعبث بمساقي المياه والأوعية التي أضعها أمام الخلايا.” وحتى أنها تفتح الخلايا وتعبث بالشمع وتنثره إلى الخارج مما يتلف الخلية ويتسبب بموتها، للأسف.

وأشار “أبو عمار الجبرني” إلى أن المعاناة تكبر لدى المزارعين في القرى المجاورة لوادي سردود بضفتيه “على طول امتداده من أعلى جهة مديرية الطويلة وحتى بني سعد”. وكذلك الحال شمال مديرية الرجم وادي لاعة بضفتيه أيضًا، أصبحت معاناة المزارعين والرعاة والنحالين لا تُطاق بسبب كثافة هجمات القرود، التي لم تعد تفرق بين مزروع أو راعٍ أو نحال.

أساليب المواجهة

وأمام تزايد هجمات القرود يتحدث المزارعون أساليب في المواجهة للحد من الأضرار الناجمة عن هجمات القرود.

يقول المزارع “صالح علي الحفاشي” من عزلة بني مٲمون أعالي مديرية حفاش: “نحاول ملاحقتها بطرق متعددة، منها استخدام البنادق لإطلاق النار عليها إذا وجدت، أو باستخدام المفرقعات الطماش. أما الأغلبية، فيلجئون إلى وسائل تقليدية مثل الحبال التي تحمل حجارة (الوظف)، حيث نطاردها من منطقة إلى أخرى.

وأضاف متحدثا لـ”يمن ديلي نيوز”: كما نستخدم حيلة تقطيع ملابس قديمة وتثبيتها على أطراف المدرجات الزراعية لإيهام القرود بوجود حراس، لكن لم تعد هذه الحيل فعالة وتزداد هجماتها عنفًا.”

ويتابع صالح: القرود تهاجم عادة في جماعات منظمة، إذ يتقدمها “قرد كبير” يكون مسؤولًا عن قيادة مجموعة من الذكور والإناث. وأحيانًا قد تصل الفرقة إلى خمسين فردًا. وتبدأ الهجمات في الصباح الباكر، ثم يتم طردها، لكنها تعود مرة أخرى في منتصف النهار، بعد أن تقوم بإرسال استطلاعات صغيرة من القردة لرصد وجود المزارعين وتحديد النقاط الضعيفة للهجوم.

يشرح “الحفاشي” إحدى الهجمات قائلا: “في إحدى الليالي هذا الموسم، كان أحد الشباب من جيراني سامرًا مع أصدقائه في قرية أخرى اي في سهرة مسائية، وعندما عاد إلى المنزل سمع حركة غريبة في الأرض الزراعية المجاورة. اكتشف بعد ذلك أن القرود تسللت في الظلام إلى الحقل وقامت بتدمير كامل محصول الذرة الصفراء الشامية، كما قطعت أشجار المحصول وهو بشكل مشابه لقصب السكر.”

وأرسل “الحفاشي” لـ”يمن ديلي نيوز” صورة لثلاث عينات من ثمار القرع (يقطين) لم تنضج بعد وقد عبثت بها القرود عثرت عليها والدته مرمية في الحقل بعد أن قامت القرود بقطعها من أشجارها في هجوم صباحي.

وأضاف: آخر هجوم للقرود كان في عصر الجمعة 4 أكتوبر، حيث دمرت مزيدًا من المحاصيل.

يؤكد “الحفاشي” أن منطقته لم تكن تعرف القرود لكن في السنوات الأخيرة تدفقت بكثافة، حيث يعود ذلك حسب قوله إلى الجفاف المستمر الذي أثر على المراعي والمصادر الغذائية للقرود. فثمار التين الأحمر والدوم والسدر باتت نادرة بسبب الظروف المناخية الصعبة.

ويضيف: “نتيجة لهذا الجفاف، اتجهت جماعات القرود نحو محاصيلنا الزراعية، وخاصة البن، كما لم تتردد في التهام الجزر، والقرع، وسنابل الذرة، وكل ما تجده في طريقها.” وأوضح أن هذه القرود قد تتسبب في تدمير مدرجات زراعية كاملة أثناء بحثها عن طعام.

تحديات البيئة

وفي إطار البحث عن سبب انتشار القرود في ريف المحويت تواصل “يمن ديلي نيوز” بمدير فرع الهيئة العامة لحماية البيئة بمحافظة المحويت “عبده الشعثمي” الذي قال إن القرود مؤخرًا يعود إلى انقراض التين الشوكي البري، الذي كان مصدر الغذاء الأساسي لهذه الحيوانات.

وأضاف “الشعثمي” شارحا سبب انقراض التين الشوكي وقال إن السبب يعود انتشار فطر يُدعى “فطر المن القرمزي”، الذي يُعد دخيلًا على البيئة اليمنية.

وتابع: هذا الفطر يقوم بامتصاص الرطوبة من نبات التين الشوكي، ويتسبب في توقف عملية البناء الضوئي للنبات، وبمرور الوقت، يغطي الفطر جميع أجزاء الساق والأوراق، ما يؤدي إلى تدمير التين الشوكي بالكامل.

وواصل: نتيجة لهذا الانهيار في النظام البيئي، فقدت القرود مصدر غذاءها المفضل، مما دفعها للبحث عن بدائل غذائية في المناطق الزراعية، محدثة بذلك خللًا في التوازن البيئي ومشكلة كبيرة للمزارعين في المحويت.

والتين الشوكي الأحمر المعروف بلونه الأحمر الداكن، له أشواك بارزة حادة جدًا. اللحم الداخلي أحمر غامق ويحتوي على العديد من البذور السوداء التي كانت قد غطت معظم ارياف المحافظة وتوسعت على حساب مزارع المواطنين.

يؤكد “الشعثمي” أن انقراض التين الشوكي بقدر ما حافظ على الأرض الزراعية التي اتسع على حسابها، لكن انقراضه تسبب في تداعيات أخرى منها لجوء القرود لمهاجمة الأراضي الزراعية للمزارعين.

مرتبط

الوسوم

محافظة المحويت

القرود

الزراعة في اليمن

نسخ الرابط

تم نسخ الرابط

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

صدور أخطر قرارات جماعة الحوثي بشأن ”التغيير الجذري”.. الإطاحة بمئات المسؤولين من الهياكل الحكومية

المشهد اليمني | 4618 قراءة 

جماعة الحوثي ترفع رسوم أهم خدمة من 40 ألف إلى نصف مليون ريال..

وطن الغد | 3972 قراءة 

تفاصيل محاولة اغتيال وزير داخلية الحوثي شمال العاصمة صنعاء

وطن الغد | 2462 قراءة 

عاجل : دون علم الملك ... محمد بن سلمان يفاجئ الجميع ويصدر قرارات مفاجئة "نص"

اليمن السعيد | 2317 قراءة 

الكشف عن تفاصيل خطيرة حول قضية الناشطة "سمية العاضي" المتهمة بقتل زوجة عاقل الحارة"لن تصدق ماذا عمل الحوثيين"

اليمن السعيد | 2229 قراءة 

الزوج أصبح عما لزوجته.. قصة أغرب من الخيال تبطل زواجاً دام 3 سنوات

اليمن السعيد | 2155 قراءة 

ماذا وجد طبيب التشريح في جثمان الشهيد "يحيى السنوار"؟

يني يمن | 2107 قراءة 

الخطوط الجوية تكشف مصير طائرة اليمنية التي اختفت في الأجواء و هي بطريقها إلى عدن!

وطن الغد | 2106 قراءة 

واشنطن تعلن مصرع اثنين من طياريها الذين شاركوا في هجمات على اليمن

يمن إيكو | 2024 قراءة 

الكشف عن خطة إماراتية لتغييرات رئاسية وحكومية

موقع الجنوب اليمني | 1229 قراءة