مشاهدات
أعلنت جماعة الخدمة في تركيا، اليوم الاثنين، وفاة الداعية المثير للجدل فتح الله غولن عن عمر 83 عاماً في الولايات المتحدة الأميركية، والمتهم من قبل الحكومة التركية بالمحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016. وأعلن موقع هيرقل المعروف بأنه يتبع للجماعة خبر الوفاة، قائلاً: "انتقل اليوم (20 أكتوبر/ تشرين الأول) فتح الله غولن الذي قضى كل لحظة من حياته في خدمة دين الإسلام والإنسانية، إلى رحمة الله". وأضاف الموقع "ستتم مشاركة المعلومات التفصيلية حول إجراءات الدفن مع الرأي العام في وقت لاحق".
وأكد حساب أبو السلامة غولن، ابن أخ فتح الله، نبأ الوفاة عبر حسابه على إكس، حيث كتب "فاضت روح فتح الله غولن للسماء، رحمة الله عليه". وكانت مشاهد وصور قد نشرت قبل أيام لغولن أظهرت تفاعلاً كبيراً، كونه كان شبه جامد لا يتحرك، وقيل في وسائل التواصل الاجتماعي إنه يعاني من الخرف.
وغولن يُعتبر المتهم والمطلوب الأول للحكومة التركية لاتهامه بالوقوف خلف المحاولة الانقلابية على الرئيس رجب طيب أردوغان قبل ثماني سنوات، وكل مطالب تسليمه من الحكومة الأميركية باءت بالفشل.
وتأسست حركة الخدمة التركية على يد غولن في مدينة إزمير التركية في سبعينيات القرن الماضي، وجاءت بعد أحد الانشقاقات عن جماعة "نور" الصوفية، والتي كان رأسها حتى وفاته الداعية الكردي الصوفي سعيد النورسي (بديع الزمان)، وتعرضت الحركة للكثير من الاضطهاد من قبل الدولة التركية العلمانية، وعُدّ الانضمام إليها تهمة بموجب القانون الجزائي الصادر عام 1965.
من هو فتح الله غولن زعيم جماعة الخدمة؟
فتح الله غولن من مواليد 27 نيسان/ إبريل عام 1941، في ولاية أرض روم، وهو واعظ عمل على تأسيس جماعة لتنشئة "جيل ذهبي"، وفرّ إلى الولايات المتحدة الأميركية في العام 1999 لأسباب صحية، بعد فترة انقلاب 28 فبراير/ شباط 1997، عقب تقارير عن تزعمه عصابة تسللت لمديرية الأمن، ولكنه تمكن من السفر بتقرير طبي بعد تقرير الأمن بثلاثة أيام.
بدأ غولن رحلته التعليمية الدينية في العام 1945 بحفظ القرآن وأكمله عام 1951، ودرس في الوقت نفسه في مدارس الولاية، وبعد إتمام الدراسة في العام 1949، انتقل إلى ولاية أردنة إلى حين تعيينه في ولاية قرقلا إيلي عام 1965، وانتقل بعدها إلى إزمير بعد انتهاء خدمته العسكرية حتى العام 1971. بدأ العمل على التنظيم بتشكيل جمعية مع قيادات الجماعة خلال وجوده في إزمير، وبدأ بالوعظ والخطب وذهب إلى الحج، واعتقل في العام 1971 وسجن سبعة أشهر، وتمت تبرئته بعد 3 سنوات، وبعدها واصل عقد المؤتمرات حول العلم، والنسل الذهبي، والعدالة الاجتماعية، والنبوة.
وبعد انقلاب العام 1980، بات فتح الله غولن مطلوباً، ليتنقل في عدة ولايات دون أن يتم اعتقاله، مبرراً ذلك لاحقا بأن "الله حماه"، قبل أن يستقيل في العام 1981 من عمله الرسمي واعظاً دينياً. وفي العام 1986، اعتُقل من قيادات الجماعة في ولاية إسبارطة، وخلال هذه الفترات كانت تصدر مجلات تتضمن مقالات غولن، قبل أن يبدأ في الفترة بين عامي 1989 و1992 بإعطاء الخطب بشكل غير رسمي، أي بدون موافقة الحكومة.
ومنذ العام 1999، أقام غولن في أميركا في ولاية بنسلفانيا، ومع تولي حزب العدالة والتنمية في تركيا الحكم في العام 2002، كان هناك تحالف مع الجماعة التي أخذت مجدها في تركيا ببناء إمبراطورية إعلامية واقتصادية ومزيد من التغلغل في مؤسسات الدولة، وخاصة في سلك الشرطة، والقضاء، والجيش، والتعليم.
ونشرت كتب عدة للداعية، وتم الاهتمام بالطلاب ودعمهم خلال فترة التعليم بالسكن، والمال، وتقديم المنح، والرحلات، مقابل قراءة كتب غولن، واستهداف الطلبة الأجانب أيضاً، وهو ما ساهم بمزيد من الشعبية له، فيما تم تأسيس القنوات والصحف والمجلات والشركات التي ساهمت في تعزيز الجماعة أكثر داخل تركيا.
واستمر شهر العسل بين الحزب الحاكم والجماعة إلى أن بدأت المواجهة مع الحديث عن مساعي الجماعة لفرض أسماء على الحزب لتكون في قوائم العدالة والتنمية بانتخابات العام 2011، الأمر الذي رفضه الرئيس رجب طيب أردوغان وكان رئيس الوزراء آنذاك.
فصول المواجهة كانت لها أشكال عديدة، حاولت الجماعة فيها استغلال تغلغل عناصرها وتوليها القيادة في القضاء والأمن، فحاولت التحقيق مع مستشار المخابرات هاكان فيدان بسبب إجرائه محادثات مع حزب العمال الكردستاني بمدينة أوسلو في العام نفسه، ولم تستطع تحقيق ذلك في العام 2012. كما حاولت في العام 2013 تأليب الرأي العام عبر مظاهرات في ميدان تقسيم الشهير بإسطنبول والحديث عن الربيع التركي، ولكن لم تنجح أيضاً هذه المحاولات، ولاحقاً تم ترتيب ملفات فساد بحق أبناء وزراء ورجال أعمال مقربين من أردوغان، تمكنت الحكومة من النجاة منها، رغم تسريبات صوتية عديدة للمسؤولين، إلا أنها لم تحقق الغاية المطلوبة منها.
وباتت المواجهة ظاهرة للعلن مع دعم الجماعة أحزاب المعارضة في انتخابات العام 2015 البرلمانية، لكن حزب العدالة والتنمية نجح في الفوز أيضاً فلم تتمكن الجماعة من إسقاط الحكومة. وفي العام 2016 حصلت المحاولة الانقلابية في يوليو/ تموز، وقبل أقل من شهر من انعقاد مجلس الشورى العسكري الذي كان ينوي تسريح دفعة عقداء من جماعة الخدمة في الجيش، حصلت المحاولة الانقلابية، وتمكنت الحكومة من صدها، ووجهت التهمة لجماعة الخدمة وغولن بالمسؤولية عنها.
وأدت المحاولة الانقلابية لفرض حالة الطوارئ وإصدار مراسيم أدت لاقتلاع جماعة الخدمة من مؤسسات الدولة، حيث تم تسريح عشرات الآلاف من وظائفهم واعتقال عشرات الآلاف، ولا تزال عملية التوقيف والاعتقال مستمرة حتى الآن، وتستمر المحاكمات بحق المعتقلين والمسرحين. وحاولت الحكومة التركية عقب المحاولة الانقلابية استرداد غولن، لكن الإدارات الأميركية المتعاقبة لم توافق على مطالب أنقرة، فيما وجه القضاء التركي له تهم "السعي لإزالة الدستور"، و"تأسيس عصابة مسلحة"، و"محاولة إسقاط الحكومة بالقوة والجبر"، و"إفشاء أسرار الدولة" و"التزوير"، و"الاحتيال"، وجرائم مختلفة أخرى.
واتهمت المعارضة التركية بين فترة وأخرى الرئيس أردوغان و"العدالة والتنمية" بفتح المجال أمام فتح الله غولن للوصول إلى ما هو عليه عبر التحالف معه، وشككت مرات عدة بالمحاولة الانقلابية الفاشلة، ولكن المؤكد أن مرحلة ما بعد المحاولة الانقلابية أدت لتغييرات في تركيا، منها ظهور التحالف الجمهوري الذي حوّل نظام الحكم في البلاد من البرلماني إلى الرئاسي، ومنح الرئيس أردوغان صلاحيات كبيرة أدت لاتخاذ قرارات بحق الجماعة بشكل أسرع، وربط المؤسسة العسكرية بالرئيس بشكل مباشر.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news