قصة قصيرة
أفواج من الناس، ضاق بهم المكان. رقاب تشرئب، يحيطون بسائلة الوادي، حيث يتم تنفيذ حكم الإعدام، برجل كهل تخطى الأربعين بعام أو عامين.
المنازل المحيطة بالسائلة، حيث يتم تنفيذ أحكام الإعدام هي الأخرى ازدحمت بالمتفرجين، الأسطح، والنوافذ، وشرفات المنازل أغلبها اتشحت بسواد النسوة.
عيون متلصصة تبحلق في فزع، حيث يقبع الكهل بزي الإعدام البرتقالي الفاقع، مقرفصا ويداه مكبلتان للخلف. كان الكهل يرتجف خوفًا، وفرائصه ترتعد، ووجه بدا شاحبًا ذابلًا، غادرته الحياة، كأنه أشبه بجثة متحنطة، وبجواره يقبع الطبيب بملامحه الصارمة، وسماعته الطبية، التي تتدلى من أذنيه كثعبان برأسين، وقد طلب من جنديين ملثمين أن يبطحا الكهل؛ ليتمكن من فحصه، وتحديد مكان القلب؛ ليرسم عليه بطبشور الموت المخيف، وينهى مهمته الصعبة.
همهمات تتعالى، صخب ولغط في الأنحاء، بدأ الحديث يعلو، وترتفع بعض الأصوات تطالب وتضغط على أهالي القتيل وأولياء الدم بالعفو عن القاتل الذي وضعته الصدفة كقاتل! ولم يكن يبيت النية!! تعنت أهل القتيل، وتصلبوا، وتمسكوا بموقفهم؛ لكن أحد الأبناء يقال أنه عفا!
توقف الطبيب عن عمله الذي كان يهم به، وحل الملثمان وثاق القاتل المرعوب، الذي خر على الأرض ساجدًا!!
فرحة عارمة تملكت القاتل الكهل، راح يحضن الطبيب، ويقبله، ويقبل الملثمان، وكل ما يلقاه أمامه حتى أنه احتضن كلبًا عابرًا، مرق من أمامه، وراح يهيل عليه القبل، والكلب يزمجر.
كانت فرحة غامرة لاتوصف، تحدث عنها الناس طويلًا،كل من حظر تلك الحادثة أقسموا بأغلظ الأيمان أنهم لم يروا في حياتهم قط فرحة قدر تلك الفرحة، التي غطت السماء حتى أن الجمع الغفير الذي ضاقت بهم السائلة راحوا في نوبة ضحك وسرور، استمرت لعشر دقائق، وموجة تصفيق حار، دوت في المكان بقوة، وأطلقت النسوة اللاتي اعتلين أسطح المنازل، زغاريد الفرح.
كان عرسًا بمعنى الكلمة، غلب فيه العفو، تسيد فيه التسامح، وغابت الضغينة، وتوارت الأحقاد خلف قلوب تنبض بالمحبة، والإنسانية والكرم، لكن وفيما الناس في خضم تلك البهجة والمشاعر الفياضة المتدفقة، والحبور والسرور،انطلق صوت جهوري بغيض لشخص قمىء الوجه، يشق تلك الأجواء الحميمية ليخنق الفرحة وينكد ذلك السرور والانبساط هاتفًا: نحن أولياء الدم من الذي سامح، ومن الذي سمح لكم أن تتحدثوا فيما لايعنيكم ؟! نحن لم نسامح!
ليتبعه بقية أولياء الدم. مذعورين، ومذعنين، مسلمين بصدق كلامه بأنهم لم يسامحوا، وأنها مجرد شائعة، أطلقها أولياء الجاني؛ ليضغطوا عليهم، ويضعوهم أمام موقف محرج، وأنهم كأولياء دم يطالبون بالقصاص العادل، وتنفيذ شرع الله، ولاحرج أو خجل يعتريهم أمام تطبيق حكم القضاء العادل؛ ليعم السكون السائلة وتغرق مجددًا في صمت وبيد، ويجثم على صدور جمهرة الناس هم ثقيل، وكرب شديد، وتختنق الزغاريد في حلوق النسوة، وتشرورغ عيونهن بالدموع، وشقت ذلك الصمت ثلاث رصاصات، وتغرق السائلة بالكآبة، والأسى، والحنق، وبقعة كبيرة من الدم!!
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news