الميليشيات المسلحة، تنظيمات لجماعات غير نظامية، تغلبت على جيوش الدول، وتغذت على الجغرافيا الصعبة، صيغة تصلح للاستعمال في كل الأمثلة التي نفذت فيها هذه الميليشيات أجندات دول، وحققت مصالح قوى عظمى، بينما كانت في نسبة ليست بالقليلة أيضاً، محط صداع لمن أنشأها، إما بمخالفة القواعد، أو بتنظيم انقلاب على مؤسسها.
في بقاع كثيرة من الشرق الأوسط، ووصولاً إلى مناطق جغرافية مختلفة في إفريقيا، تمثل الميليشيات المسلحة التي تتخذ شكل الجيوش غير النظامية سلاحاً مهماً وفارقاً في تحريك بوصلة الصراع، واليوم بعدما باتت أمثلة كثيرة منها تخوض حرباً شبه مباشرة مع إسرائيل وأمريكا، تُطرح تساؤلات حول مستقبل هذه الجماعات، وما إذا كان الوقت قد حان حقاً لاندثار مفهومها، والحديث عن الفصائل المسلحة في العراق والحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان، وغيرها.
يقول مراقبون إن ما يجري في الساحة حالياً، يمكن أن يُترجم على أنه انقلاب السحر على الساحر، فأمريكا التي تستهدف بقوة اليوم هذه الجماعات المسلحة، كانت قد سمحت سياستها عبر التاريخ، لهذه الجماعات بالظهور، ويمثل اجتياح العراق عام 2003 مثالاً لهذا، حيث كان فرصة لظهور داعش وغيرها، بعد انهيار تام للجيش العراقي، سمح بظهور الحشد الشعبي وغيره من الجماعات التي تدخلت في تمويلها وإدارتها إيران لاحقاً كأحد أذرعها، بينما في لبنان فإن تجنب أمريكا لدخول حرب مباشرة مع إيران أعطى الضوء الأخضر لظهور قوة تتصارع مع إسرائيل في حروب متكررة، تتخذ منها أمريكا فقط صفة من يدير الأزمة وفق مصلحته، لا من يسعى لحلها، في وقت يرى فيه خبراء بأن زمن انتهاء هذه الميليشيات قد حان، بما يُسهم باستعادة مفهوم الدولة الوطنية، لا سيما وأن هذه الجماعات كان لها دور في صناعة القرار في الحكومات، على غرار ما حدث في ليبيا.
بالعودة لبعض الأشهر التي خلت، فإن أمريكا كانت تجد في هذه الجماعات المسلحة، أهدافاً ربما تستغلها لتحقيق مرادها دون التفاوض مع الدول مباشرة، بل إنها وفق مراقبين حاولت أن تشرعن وجود هذه الجماعات في المنطقة، ولعل إشراك حزب الله في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل كان دلالة تدعم هذه النقطة، فضلاً عن الاتصالات الأمريكية المباشرة مع الحوثيين في اليمن، وغيرها من الأمثلة، لكن ماذا تغير اليوم؟ وهل اتخذت أمريكا قراراً بتصفية هذا النوع من الجيوش غير النظامية؟
على جبهة اليمن، لم يرتدع الحوثيون لتنبيهات أمريكا، فارتفعت وتيرة الضربات التي لا تشبه سابقاتها في الأشهر الماضية، ويقول مسؤولون أمريكيون لـCNN بأن واشنطن لن تتردد في استخدام القوة المميتة مع كل تصعيد حوثي، بينما في لبنان، فإن ما شهدته الضاحية الجنوبية تجاوز مرحلة الرد، وسجل فارقة في عملية تعامل أمريكا مع هذه الجماعة المسلحة عبر اغتيال أمينها العام، وتصفية كبار قادتها، بينما قد تتالى الأهداف الأمريكية لتصفية جماعات وميليشيات مسلحة في دول عربية أخرى مع الوقت، فهل تسعى أمريكا بحق للقضاء على هذا النوع من الجيوش؟ أو على الأقل لتقليم أظافرها؟
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news