سبتمبر نت/ قراءة – خالد العلواني
كلودي فايان، الطبيبة الفرنسية بعد عودتها سنة 1956من عملها كطبيبة وحيدة في العاصمة صنعاء، أصدرت كتابا قيما، بعنوان« كنت طبيبة في اليمن»، والذي لقي اقبالا ورواجا في فرنسا واوروبا، ترجم إلى عدة لغات منها الانجليزية والالمانية والمجرية وغيرها، فيما ترجمها الاستاذ محسن العيني الطالب حينها في باريس إلى العربية سنة 1958، وصدر عن دار النشر في بيروت سنة1961، الكتاب أهميته تمكن بأنه أرخ ووثق لمرحلة مهمة من تاريخ اليمن المظلم اغلق امام الباحثين والمؤرخين ،بل أن الكتاب يعد مذكرات دونت فيه كلودي فايان، كل شيء شاهدته بأم عينيها او قابلها في طريقها أو في عملها.. ذكرت فيه كل شاردة وواردة في ارض واجواء اليمن سلبا أو إيجابا بما في ذلك ما تعرضت له من تحرش من قبل نجل الامام أحمد محمد البدر نائبه في الحديدة حينها، وولي عهده لاحقا، ثم إماما لأقل من اسبوع، ليطيح به الثوار الابطال في ثورة فجر الخميس السادس والعشرين من سبتمبر1962،الذي قبل اقل من عشرة سنوات يتحرش بالطبيبة الفرنسية، إلى حد انه عرض حريمه زوجاته ونسائه الاميرات- الشريفات- على صديقها مترجمها الخاص مقابل أن يقنعها لممارسة الجنس..
للأسف أن كتاب “كنت طبيبة في اليمن” قرأته قبل اكثر من30سنة، وقرأت ملخصات وعروض وقراءات كثيرة للكتاب يتم نشرها بمناسبة ذكرى ثورة 26سبتمبر في عدد من الصحف والمجلات اليمنية، وبالذات صحيفتي الثورة و«26سبتمبر»، فرغم العروض والقراءة المتكررة لهذا، إلا انه يبدو مبتورا، لعدم ايراد أو الحديث عن وقائع وقصص تتعلق بالتفسخ والانحلال الاخلاقي والدعارة المتفشية داخل قصور الامامة، تضمنها الكتاب ولم تكن تذكر في كتابات وتناولات الكتاب والصحفيين اليمنيين، وكلما تسأل المرء قالوا: هذه هي الدولة العميقة وتغلغلها في دولة الجمهورية، تعمل على تقرير ما ينشر وما لا ينشر، حتى انها تسحب الكتاب التي تصدر وفيها اساءة لها من اي نوع كانت، وتمنع دخولها اليمن.
لكن مادام وهذه الجماعة المتفسخة، وقد تطاولت وجاهرت في انتهاك اعراض اليمنيين، وقذف اليمنيات في شرفهن، حينما دفعت جماعة الحوثيين بالقيادي فيها، المدعو حمود النهمي، في قذف اليمنيات وانتهاك اعراضهن ووصفهن بالسافرات ،مدعي ان جده، المدعو يحيى الطباطبائي- الرسي- القادم من الديلم إلى اليمن، في نهاية القرن الثالث الهجري، هو من طهر اليمنيين من الرذيلة والدعارة المتفشية- حسب زعمه- غير مدركا لواقع ومحيط جماعته المتفسخة والمنحلة خلقيا،وان جده الرسي واحفاده مجوس فارس غارقين في وحل الرذيلة، وقد ذاع صيتهم في الرذائل وحيثما حلوا حلت معهم الدعارة والانحطاط الاخلاقي، وما صار عليها العراق ولبنان واليمن وغيرها، لهو أكبر شاهد حي على ذلك، بل أن اجداده الاماميين السلاليين وجماعته الحوثية لم يطلقوا على نسائهم مسمى “الشريفات” إلا لأنهن بلا شرف وهن غارقات في الفاحشة، وارتكاب الرذيلة على مر التاريخ.
وما قيام ثورة 26سبتمبر للإطاحة بحكم الامامة المنحل، إلا سبب رئيسي في التخلص والقضاء على دعارة وفجور الامامة وحكمها الكهنوتي الذي تعمل جماعة الحوثي جاهدة لإعادة هذه الدعارة، وتمنع اليمنيين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، الاحتفاء بالذكرى ال62 لهذه الثورة المجيدة الخالدة.
وسط سفه هذه العصابة المنحطة، الذي يتفوه به قردة وخنازير الامامة وكلابها الاوفياء لانحطاطها، في مهاجمة واعتقال مئات اليمنيين المحتفين بثورتهم وايداعهم سجونها ومعتقلاتها السرية.. نقتطف النص الذي اوردته الطبيبة الفرنسية كلوي فايان في كتابها (كنت طبيبة في اليمن)، عن محاولات اغتصابها أكثر من مرة من قبل محمد البدر الذي كان حينها وزيرا في حكومة والده، وبعد اقل من 10سنوات صار إماما أطاحت به ثورة 26سبتمبر1962، وابن عمه، الامير علي إبراهيم الذي صار وزير خارجية تشكيلة حكومة البدر فيما بعد..
القصة الاولى حبذت بألا اورد تفاصيلها، لأنها تتعلق بسرد محاولة بيع فتاة جارية للبدر، لاحد امراء خليج بسبعمائة جنيه، وعمرها لا يتجاوز 15سنة، وكلفت الدكتورة للكشف عنها ان كانت خالية من الامراض، فوجدتها فرصة لإفساد تلك الصفقة، خاصة بعدما اتوا لها بالفتاة تفحصها فوجدتها جسمها جميل ،لكن وجهها عبوس، فأدركت الطبيبة ان الفتاة غير راضية بهذه الصفقة، وانها توحي بأن الفتاة لا تريد الذهاب إلى سوق الرقيق، ولا أن تكون سلعة أو ماشية من المواشي تباع وتشترى في سوق الرقيق، فكتبت الطبيبة في تقريرها الطبي إلى ان الفتاة مصابة بأمراض خطيرة، وهي في الحقيقة صحيحة وسليمة من أي مرض، لكن الصفقة الغيت وغادر المشتري المطار، ولم يأخذ معه جسما محجبا صغيرا بعيدا عن وطنه، لكن فايان قالت «إن على اصدقائي اليمنيين أن يدركوا أن الانسان ليس حيوانا يباع..».
واما قصتها الثانية، والمتعلقة بالتحرش بها، فقد اوردت الطبيبة الفرنسية، كلودي فايان، قصص التحرش الجنسي بها من قبل الامراء-حينها- من ابناء الامام أحمد وابناء أشقائه، بدأتها بواقعة حدثت لها مع وزير الصحة حينها، والتي عنونتها بالقول:
عند وزير الصحة
إذ قالت: في الساعة الثانية بعد منتصف الليل استيقظت على قرعات عنيفة تهز الباب الخارجي هزا.. ولم أكد أرفع شعلة المصباح حتى اندفع إلى غرفتي أربعة عساكر يتقدمهم أحد الامراء لا يعرفون الانتظار !..
كنت في المساء قد غسلت شعري قبل النوم وقد تدلى في جدائل كئيبة.. لقد أحسست بالهوان”.
وأضافت: دعوني للذهاب إلى بيت الامير وزير الصحة ! فليكن: أخرجوا من غرفتي..صرخت وأشرت إليهم من فوق سريري أن يدعوني أرتدي ثيابي، ولكن دون جدوى..لم يتحرك أحد منهم ..وكانت الدكتورة جنييف لانسوي، قد قالت لي أن أحدهم سألها إذا كانت الحكيمة امرأة كإحدى نسائهم؟!.
والآن ها هم أمام فرنسية في سريرها..إن هذا شيء لايرونه كل يوم !..وقد قمت من سريري ودفعتهم خارج غرفتي دون أن أدعهم وقتا أطول..ولكن لباس النوم كان لائقا ومناسبا.
وفي هذه الساعة المتأخرة لا بد أن يكون الامر متصلا بالحريم، ولما لم أجد القدرة على ارتداء ملابسي، فقد اكتفيت بالمعطف الازرق وركبت معهم سيارة الجيب ولكنهم لم يسوقوني إلى الحريم.. لا إلى المفرج..وتغير مزاجي وشعرت بالقلق والاضطراب، وأنا أجد نفسي في جمع كبير من الرجال(الأمراء).
كنا في رمضان وهم هنا يسهرون الليل وينامون النهار، وقد خلع هؤلاء “السادة” عمائمهم وغطوا الارض بأغصان القات وأوراقه..وعلى المساند يتربع خمسة عشر رجلا يتصدرهم الامير أمام طاولة منخفضة شبيهة بتلك التي توضع عندنا فوق سرر المرضى يتناولون عليها طعامهم، وأمام الامير أعدوا لي كرسيا وحيدا.
وتحت الضوء الساطع..وفي (الروب دي شامير )وعلى هذا الكرسي لم أعد أتمالك نفسي ..ماذا تعني هذه المحاكمة؟ ثم تجرأت ونظرت إلى من حولي فخف قلبي وزاد اضطرابي..أن بين هؤلاء الحاضرين وجوها صديقة أعرفها.
وببرود طلب الامير رأيي في سير المستشفى !!.. وكان يبتسم !! أجل تقديم تقرير اداري..بدون مترجم.. وفي منتصف الليل..لم يهبط علي الوحى..ولمس الامير ضيقي وارتباكي ودعاني بلطف إلى الجلوس بجواره.. وسار الحديث سيرا حسنا، ثم أنهى المزاح فجأة وتكلم بلهجة جادة قائلا:(ليس لهذا دعوتك ياحكيمة..لقد عملنا كثيرا هذه الليلة.. وأشعر بألم خفيف في الرأس..هل تعرفين لي علاجا؟.)
ينزعونني من سريري في الساعة الثانية بعد منتصف الليل لألم خفيف في رأس الامير.. بكل بساطة..لقد أرادوا أن يتسلوا في ليل طويل..وكانت هذه النكتة..ماجدوى غضبي؟ إنهم لن يفهموه ولكن شعري المبلل يصرخ في أن أنتقم وقد أذعنت لهذه الرغبة..وانتقمت انتقاما بريئا لعله يساوي ما نالني من ضرر ..سحب الصيدلي شميل قلمه من عمامته وكتب بحروف أفرنجية كبيرة وباهتمام.. اسم العلاج وعنوان المعمل ..
ويخيل إلي أن معملا فرنسيا كبيرا تلقى من المملكة اليمنية رسالة تحمل طابع بريد نادر تطلب مسحوق برلمبنبين!
وأما قصتها الثانية فكانت مع الامير علي إبراهيم يحيى حميد الدين، أو الامير الوسيم-كما فضلت تسميته-حيث قالت: قصتي مع الامير الوسيم الامير ع- اشارت بالامير(ع)- شاب جميل يقضي حرارة، وقد عرف أكبر فنادق أوروبا حيث تقدم للاسياد الشرقيين أجمل نساء العالم وباختصار أعجبته الحكيمة وقد لا حظت ذلك حينما جاءوا يوما من قبله يبحثون عني.
دولاب قوارير الخمور
وتابعت قائلة: كنت منهمكة في فحص مرضاي بالأشعة.. ولا يزال أمامي عدد منه.. ووقفت سيارة امريكية فاختفى المرضى على الفور..إنها سيارة الامير ب- محمد البدر الذي اشارت إلى اسمه بحرف(ب)- الذي ينزل ضيفا على صديقه الامير ع في صنعاء خلال أسابيع قليلة.. وكان هذا الامير ايضا شابا وسيما ولكنه كان أكبر مقاما لدى الملك..وأوامره لا تناقش ولا أملك إلا تنفيذها.
وتابعت : لم يكن الامير. ع. مصابا بمرض خطير ..فلم يكن به سوى خدش في القدم، ولم يسمحوا للمترجم بالصعود معي ..ولكني تمكنت من التعبير بسهولة.. وكان الحديث مع الاميرين حساسا، فقد فتح أحدهما خزانة في الحائط فوقعت عيني على مجموعة كاملة من الخمور: شمبانيا ،بورتو ويسكي، كونياك ماركة الثلاث نجمات.. إنها مجموعة تدير الرؤوس، وكانت طائرات الامام في تلك الايام متوقفة عن العمل.. وكانت صنعاء تخضع لنظام جاف منذ شهور ثلاثة..وقد خطر على بالي أن صديقي المهندس يستطيع أن يتمتع بهذه النعمة والحظ السعيد.
وواصلت الدكتورة كلودي فايان، في سرد قصتها قائلة: أمرني الامير أن أرفع قبعتي وأن ابقى لتناول الغداء..فعارضت وقلت إن في بيتي من ينتظرني..تبادل الاميران نظرة فيها ضيق، وأدارا ظهريهما نحو النافذة وتواطأ على شر، وخرج الامير يرسل سيارته الامريكية تأتي بالمهندس من البيت.
والمعلومات التفصيلية عن هذا المهندس، تقول الطبيبة في كتابها، أن الامام في نفس الفترة التي قدمت فيها هي إلى اليمن، قد جاء إلى صنعاء مهندس لتشييد محطة الاذاعة، وهو من عائلة يوغوسلافية تقيم في لبنان منذ زمن طويل.. ويحمل دبلوما من مدرسة فرنسية، كبيرة ويجيد الفرنسية والعربية، مؤكدة أنها قد استفادت من خبرته الطويلة وفهمه العميق للشرق-المنطقة العربية- الذي عمل فيه منذ أكثر من ثلاثين عاما، فقررا الاثنان أن يتبادلا المعلومات.. أي أسرار الرجال مقابل أسرار النساء وبهذا عرف مني حياة النساء الداخلية وأحوال الفقراء..وعرفت منه حياة الرجال وشؤون الامراء، يبدو لي أنه ليس هناك ماهو أفضل من تعاون ودي بين مهندس وطبيبة لفهم بلد ما ودراسته.
ونظرا لهذه الصداقة والعلاقة الوطيدة بين المهندس والطبيبة المقرب او الحكيمة، وارسل البدر يطلبه، فأعتقدت الطبيبة أن ارسال البدر في طلب المهندس لكي يؤثر عليها، لكنها لم تكن تتوقع أن يصل الامر إلى ما سياتي ذكره لاحقا.
وتابعت الطبيبة حديثها عن عراكها مع الامراء قبل وصول صديقها المهندس، قائلة: وهنا تقدم الامير ع مني، وقد كشف ذراعيه القويتين ووضحت نواياه ولكني تملصت من تحت ذراعه اليمنى بحركة مفاجئة، ولذت بالخروج في سرعة البرق، وكانت هذه الحركة رشيقة إلى درجة عالية، ولا يقوم بها نجوم السينما في حالة كهذه إلا نادرا.
وأضافت: كانت الممرات خارج الغرفة خالية حاولت أن الجأ إلى الحريم، ولكن الابواب كانت موصدة هبطت السلالم فوجدت الباب مغلقا من الخارج..وانتظرت في البهو بفارغ الصبر، ووصل المهندس وقصصت عليه ماجرى، وصعدنا السلم، وكان دخولنا إلى الحجرة مهيبا، وبكل خفة وأناقة..طلب الامير ع.. من صديقي أن ينقل إلي اعتذاره عن ماحدث في لحظة ارتباكه واضطرابه..وطلب أن يتحسس خدودي.. وقال إن هذا هو الدليل على الصفح.
وتأكدت فايان بتوجيه السؤال لصديقها المهندس، الذي تعتبره المستشار الامين، قائلة: سألت صديقي المهندس: وهل يحدث هذا فعلا في البلاد العربية؟، فقال: نعم.. يبدو أن مثل هذا يحدث.. وجاء الامير يربت على خدي ويتحسس وجهي كله في لطف وأناة وعيني في عينه..
ولم يدم هذا طويلا.. إنها ذكرى غريبة.. مداعبة وتحسس في احتفال هكذا..أمام رجال صامتين!
بدأ الطعام، وأفرغت الكؤوس- الخمر- وبدأت أشعر بالقلق، وأخذ الامير المرح يتحدث عن جواريه الشابات، وقرر فجأة أن يستدعيهن وهنا بدأت المناورة تتكشف.. هجوم على المهندس أولا.. وقد أقع أنا بعد ذلك..كنا حول مائدة منخفضة محملة بوجبة دسمة..
ولم يعد أمامنا من المشروبات إلا مشروب كحولي مخيف مصنوع في صنعاء.. ولكن لحسن الحظ قاومت الخمرة كما قاومها صديقي.
وهنا لابد لنا من التوقف، والتعليق لفظاعة ما هو قادم، فالأمر لم يتوقف عند التحرش بالطبيبة فقط ومعاقرة قوارير وكؤوس الخمور الغربية والصنعانية الامامية فحسب، وإنما القادم افظع ، حيث بدأ الامراء بعروضهم المغرية، وعرض نسائهم للمهندس مقابل ترويض الجمل الهائج والحصان الراكض- الحكيمة- أي هذه هي الامامة التي يعمل احفادها جاهدين في اعادتها على الشعب اليمني،بل ويقتلون اليمنيين ويسعون إلى طمس ثورتهم26سبتمبر وكل ما له علاقة بها في سبيل عودة امامتهم المنحطة اخلاقيا وفكريا وسلوكيا..!.
وواصلت الحكيمة الفرنسية- الدكتورة كلودي فايان، قائلة: دخلت الجارية الاولى، وكانت فتاة صغيرة ممتلئة الجسم قليلا ذات وجه منتعش ساذج سليم، وقد هيأها الامير للموضوع بشيء من التلطف والمداعبة ثم قدمها للمهندس..
وأكدت أن المهندس بدا صامدا لهذا الفعل المشين، فقالت: وصمد المهندس لهذا الهجوم وقاومه بتجلد وعزم شديدين ..وجاءوا بالجارية الثانية، وكانت هي تلك التي أجريت لها الفحص حينما أرادوا بيعها من الامير السعودي والتي كان تقريري عن صحتها سببا في عدم اتمام البيع.. وكانت عابسة..تنظر إلى الامير نفس النظرات القاتمة العاتبة.. أرسلها الامير إلى المهندس ايضا.
..ولكن المهندس ظل جامدا لا يتحرك.. كانت الفتاة نافرة، وقد اغتنمت أول فرصة وخرجت وبعد لحظات رأيتها خلف الباب وما أن التقت عينانا حتى أرسلت لي ابتسامة كلها فرح وبهجة واختفت.. لعلها كانت تشكرني.
ودعانا الامير ع بعد الغداء للانتقال إلى المفرج، ولكنه قبل هذا تركني وحدي مع الامير. ب- محمد البدر- التي اشارت إليه الدكتورة كلودي في مذكراتها بحرف(ب)، أخذ معه المهندس إلى مقر الحريم..! أجل إلى الحريم ..مسكين المهندس..إنه شارد الفكر، تابه بوضوح..ولكن شكرا لله ها هو قد عاد وهمس في اذني قائلا: وبعد ثلاثين سنة قضيتها في الشرق..أرى شيئا كهذا.)
وذكرت بأن المهندس وصف لها ما شاهده وبماذا حاول النجل الاكبر لحاكم اليمن-حينها- محمد البدر- فقالت: وصف لي ما رأى فيما بعد..فقال: ساقني الامير إلى الحجرة المجاورة وفيها ثلاثة سرر كبيرة ..وكنا أمام الزوجات الشرعيات وهن في أجمل ثيابهن وكامل زينتهن، وقد زاغت عيونهن وكن مستعدات لكل شيء ..عدا أصغرهن ..! فقد خانتها شجاعتها أمام هذا الرجل الغريب، ففرت واختفت تحت السرير.
ولم نكد نستقر في المفرج حتى دخل الامير والمهندس وهما مشتبكان في نقاش حاد..
فالامير قد ضاعت منه ابتسامته، وظلت عيناه مصوبتان نحوي.. وحاولت بمرارة أن أعرف موضوع الحديث المعقد ..سألت المهندس فأجابني بلهجة هادئة لا تتفق مع خطر ما قال لي.. لقد طلب مني أن أصمت(بحق السماء)وأن أدعو الله أن يخرجنا سالمين من وكر الزنابير.
ورأيته يقوم بأشياء غير مفهومة ..كان يأخذ يد الامير ويمسك أصابعه الواحدة بعد الاخرى..أما الامير الذي ظل هادئا لا يتحرك فقد نهض واقترب مني وحياني أعمق تحية، وافتر ثغره عن ابتسامة تقدير.. ولم يقل إلا كلمة واحدة: جميل ..واذن لنا بالانصراف.
وبعد برهة وجدنا أنفسنا في الفضاء الرحب..ورؤوسنا تدور ونحن في ذهول.. ولم يعد لنا الحق في استعمال السيارة الامريكية ..ولا بد من الانتظار حتى تقوم بنا العربة المكشوفة القديمة المحطمة..ومع رجات العربة واهتزاز العجلات ..شرح لي صديقي ماحدث..قال له الامير :دبر لنا (الحكيمة) ..وتستطيع أن تختار من تشاء ..من حريمنا
وكان المهندس يعرف الشرق معرفة عميقة.. فأجاب الامير :(أن أصابع يدك الخمس كلها من اللحم والعظم والجلد والدم.. ومع ذلك فليست في طول واحد..ولكل منها وظيفة خاصة والنساء هكذا.. هذه الحكيمة ليست كالأخريات.. فالنساء لايمكن الانتفاع بهن على نمط واحد..!).
وأطلقوا سراحنا بعد هذا.. ونجونا من الفخ!..
وذكرت بأنها: تحسست مسدسا كان صديقي يخفيه تحت قميصه.. وأدركت أن رشاقته وخفته أثناء النقاش كان وراءها تصميم وعزم خطير.. وكان بعد الظهر صامتا كئيبا حزينا.. أما خيالنا فقد ظل معلقا بالسرر الثلاثة الكبيرة التي ترقد عليها نساء الامير.
مرة ثانية من الدياثة
جاء الامير نفسه يسوق سيارة جيب ومعه حرسه.. ودعاني لزيارة واحدة من نسائه ولمس أني مترددة فدعا المهندس للقيام بالترجمة.. وكان يقود سيارته بسورة وحدة..
ولولا أن المهندس أمسك بعجلة القيادة في الوقت المناسب لكنا قد وقعنا ضحايا اصطدام عنيف.. وها نحن للمرة الثانية في الطابق العلوي ..في البيت الكبير.
كانت نساء الامير في غليان وفوران.. وقد رقدت سيدة عارية فوق أحد السرر ،الثلاثة وألقت أخرى بنفسها في أحضاني وتعلقت برقبتي وهمست في اذني: كونياك..
طبعا كونياك.. هكذا دائما.
طلب الامير أن أفحص المريضة ودعا المهندس للدخول إلى الغرفة، بل وطلب من المهندس أن يفحص المريضة بعدي- رغم ان المهندس لا علاقة له بهندسة مكينة النساء، لكنه من باب عرض البضاعة وإغرائه بجودة البضاعة المعروضة مقابل حكيمة فرنسية في العقد الرابع من العمر- واضافت الطبيبة في كتابها طلب المهندس يفحصها: ولم تكن مصابة بشيء على الإطلاق.. ولكن لا جدوى من تقريري هذا للأمير.
وذكرت بأن: وضاقت النسوة وارتبكن حين وقف أمامهن رجل غريب.. وكن يجرين في كل جانب، وترتفع صرخاتهن ويحاولن اخفاء وجوههن ولكن الامير كان يمسك بهن ويعرضهن بالقوة على المهندس.. وكان يقول( :يا للشيطان ..إننا متدينون )وقد أفقد الخجل والعار صواب احداهن، فكانت تتشبث بكل واحد وبكل شيء، ثم فضلت أن تتعلق برقبة المهندس ..وأعترف، وأنا صريحة دائما.. أن تصرفها هذا قد هيج أعصابي.. فلتخرج اذن ..إذا كانت هكذا خجولة خائفة !..لقد أمسكت بها من منتصف جسمها، وأشرت لها بالخروج ولكنها تشبثت بالمهندس، وأظهرت قوة تفوق التصور وكان علي أن أنتزعها منه انتزاعا.. وقد ألقت بنفسها بعدئذ في أحضان الامير..وخرجنا من هذه المعركة.. نظيفين كما كنا.
وحول ذلك،وعن التسوق في قصور الدعارة الامامية، تقول الطبيبة كلودي فايان: في المرة الثالثة، استدعاني الامير من أجل احدى نسائه أيضا ولم أفكر في اخراج المهندس معي في هذه الساعة المتأخرة من الليل، فكنت أفضل أن أدخره لأحداث جديدة.. ولهذا فقد أرسلت لمساعدتي نجيبة في المستشفى.
ولكن نجيبة المسكينة.. ماذا تستطيع أن تفعل من أجلي في مثل هذه الظروف العسيرة ..
فلتكن شاهدا.. وحضورها على كل حال منحني الثقة والاطمئنان ..وقد أرسل لنا الامير عربته المكشوفة.. وعندما وصلنا-نجيبة وأنا- استقبلنا بغضب، ولكن هل غضب لأني تأخرت؟ أم لأنه راني هكذا ومعي رفيقة..؟ ولم يكن بزوجته شيء.. ولكن كنت أستحق غضبه مع ذلك ..لقد رفع صوته قائلا( :أذيوه..يمكن أن يموت الانسان دون أن يكلف الطبيب نفسه عناء الحضور.. ولكن هذا لن يستمر طويلا..
غدا سأتصل بالإمام وأنقل له كل شيء )وقد أجبت عليه :أن الطبيب في الساعة العاشرة مساء من حقه أن يكون في لباس النوم وأن يتأخر لذلك نصف ساعة ..ومع هذا فأنا لست الطبيبة الوحيدة في المدينة وذهل الامير لجوابي..وقال لزوجته( :هل تسمعين كيف ترد علي الحكيمة؟ )، ولكنها نصحته ألا يرد بشيء.. وافترقنا ونحن على أسوأ مانكون.
وأحضر لي زوجته في اليوم التالي للكشف عليها بالأشعة.. وكان يبدو غير راض.. لقد كان ساخطا من نفسه لامني أنا.. ولم يقدم شكواه إلى الامام.
واما في المرة الرابعة، اعتقد الامراء الاماميون بقاعدة الثالثة ثابتة، فحاولوا معها لكنهم فشلوا، خاصة وانها كانت وقد انتهاء عقد عمل الحكيمة في اليمن وانتهت فترة التمديد ستة أشهر،وبدأت الحكيمة تجهز نفسها لمغادرة عائدة إلى بلادها فرنسا، دون أن تسلم جسدها لإماميين اليمن، وحتى لا يجبرون بخاطرها لعدم منحها بركاتهم السلالية، ابتسموا لها وطلبوا أن تأتي المرة القادمة ببنتها لكي يتزوجونها.. وهذا حرص من هذه السلالة اللعينة على تحسين النسل..!.
وعن وقائع الدعارة الرائجة في قصور الامامة للمرة الرابعة، التي ذكرتها الطبيبة الفرنسية، فقد قالت: في المرة الرابعة والاخيرة أرسلت لمترجمي عبده فقد استدعوني هذه المرة بعد الظهر في ساعة القيلولة – وجاءني عبده مسرعا وقال ( :ولكنك تعرفين احكٌمة أنهم لا يريدون امثالي في البيوت الكبيرة.. فلماذا تصرين على حضوري..؟ )وكانت معارضته شكلية.. فهو يعلم جيدا أن أحتاجه.. وأمام البيت الكبير وقفت شرذمة من العساكر وفتحوا الباب، ولكنهم منعوا عبده من الدخول..فالأمير ليس في حاجة اليه ورفضت أنا الدخول ..ووقفنا معا صامتين لا نتحرك.. وأخذ العساكر يناقشون المسألة، فوافق بعضهم على دخول عبده ورفض آخرون.
ورجعوا يستشيرون الامير وأطل الامير من النافذة..ولا بد أنه كان يرقبنا..كان في ثياب القيلولة ..عاري الرأس يرتدي جلبابا فقط، أمرني بالصعود فأجبت عليه.. وطلبت من عبده أن يترجم له ما أقول ..وبرع عبده في تحوير اجاباتي بصورة دبلوماسية، ولكني كنت أطلب منه أن يترجم كلامي كلمة كلمة.. قلت له( :أني قد أشرفت على ولادة..وأنا متعبة جدا، وقد نسيت كل ما معي من كلمات عربية..وأنه إذا لم يصعد عبده، فلن أستطيع أن أعمل شيئا.)..
إني لا أزال أتخيل وجه عبده في تلك اللحظات..لقد كان يبدو على وجهه الازدراء الذي يكذب اللهجة المؤدبة التي ينقل بها كلماتي.. وفتحوا الباب على مصراعيه..ودخلنامعا.
وكان المريض ابن احدى الخادمات طفلا في العاشرة يشعر بألم خفيف في المعدة.. وقد تجاهلت كلماتي العربية.. وكان عبده في نهاية الحجرة.. لقد كان المسكين صغيرا.. صغيرا جدا.. ضئيلا..لو استطاع أن يتبخر في الجو لفعل بكل تأكيد!
أما الامير وأنا فقد جلسنا بجوار الطفل نتبادل الحديث المعتاد عن المريض ولكن هل تصدقون أنه لم يكن لدينا سوى رغبة عارمة في الضحك؟
لقد كان التناقض مضحكا للغاية..بين هذا الوضع..والوضع الذي كان يمكن أن يكون !، فلم يكن هذا بالنسبة للامير إلا لعبا!
وقد انتهى الفصل ..وخسره الامير ..وسأترك صنعاء بعد أيام.. ولكن الامير بلعب ممتاز ..وهو ذكي..وقد شد على يدي بروح راضية، وقال مداعبا مازحا( :إذا عدت إلى، اليمن ياحكيمة، فجيئي بابنتك..وسأتزوجها)!..
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news