الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله الذي استُهدف الجمعة بغارة إسرائيلية عنيفة على الضاحية الجنوبية لبيروت، وفق ما قالت وسائل إعلام في الدولة العبرية، يعيش منذ سنوات طويلة في الخفاء، لأسباب أمنية.
بعد الغارة التي دمّرت ستة أبنية وسوّتها بالأرض في منطقة “المربع الأمني” لحزب الله في حارة حريك، قال مصدر مقرّب من الحزب لوكالة فرانس برس أن الأمين العام للحزب “بخير”.
منذ العام 2006، تاريخ الحرب المدمّرة التي خاضها حزب الله مع إسرائيل، لم تتعدّ ظهورات حسن نصرالله علنا أصابع اليد الواحدة، مثل تلك التي فاجأ فيها الآلاف من أنصاره في العام 2011، خلال مسيرة عاشوراء في الضاحية الجنوبية لبيروت ومشى بينهم لدقائق قليلة، قبل أن يعود ليخطب فيهم عبر شاشة عملاقة ويقول إن حزبه “يزداد تسليحا وتدريبا يوما بعد يوم”، و”المقاومة ستبقى وتستمر” في وجه إسرائيل.
وفي مقابلة مع صحيفة “الأخبار” اللبنانية القريبة من حزبه، قال في آب/أغسطس 2014 “يروّج الإسرائيلي لفكرة (…) مفادها بأنني مقيم في ملجأ بعيدا عن الناس، فلا أراهم ولا أتواصل معهم، ومنقطع حتى عن إخواني”.
وأضاف “المقصود بالإجراءات الأمنية هو سرية الحركة، ولكن هذا لا يمنعني نهائيا من أن أتحرك”.
بين الحين والآخر، تنشر له صور مع قياديين من “محور المقاومة” الذي تقوده إيران يزورون لبنان، ويتحدث بانتظام في مناسبات عدة دائما عبر الشاشة وغالبا أمام الآلاف من مناصريه الذين يعلّقون أنظارهم به ويقاطعونه بالتصفيق والهتاف “لبيك نصرالله”.
وروى مسؤولون وصحافيون التقوا به خلال السنوات الأخيرة أنهم لم يعرفوا المكان الذي اقتادهم اليه عناصر أمن من الحزب وسط تدابير مشدّدة وفي سيارات أسدلت على نوافذها ستائر سميكة.
يقول عارفوه وخبراء يتابعونه إن رجل الدين المعمّم الذي غزا الشيب لحيته الكثيفة، يتمتع بذكاء حاد ومعرفة واسعة لا سيما في الشؤون الدينية والسياسية. وهو خطيب مفوّه ومتحدث فصيح قادر على التحدث لوقت طويل من دون أن يتردّد أو يتلعثم.
أما خصومه فينتقدون لهجة التحدّي التي يتكلّم بها والتي تقترن غالبا برفع سبّابته اليمنى، ويعتبرونها ترهيبا للداخل اللبناني.
•النصر الالهي
في أوساط مناصريه، يتمتع بهالة غير قابلة للمسّ. ينادونه بـ”السيّد” نسبة لنسبه المتحدّر من سلالة النبي محمد، أو “أبو هادي” نسبة لنجله الأكبر الذي قتل عام 1997 خلال معارك مع القوات الإسرائيلية التي كانت تحتل جنوب لبنان.
يندر أن تتجرأ شخصية شيعية على انتقاده أو معارضته في مناطق نفوذ الحزب. وحصل أن انتقده بعض الأشخاص في الشارع خلال احتجاجات شعبية، ثم عمدوا الى الاعتذار والتراجع لاحقا بعد تعرضهم لضغوط، وفق تقارير.
ويتهمه خصومه السياسيون في لبنان بالارتهان لإيران والتحكّم بقرار السلم والحرب في البلد مهمشا الحكومات اللبنانية.
انتخب نصرالله أمينا عاما للحزب في 1992 بعد اغتيال إسرائيل سلفه عباس الموسوي مع زوجته وطفله وأشخاص آخرين في غارة جوية في جنوب لبنان في شباط/فبراير من العام ذاته.
في عهده، طوّر حزب الله قدراته العسكرية بدعم رئيسي من طهران التي تمدّه بالمال والسلاح. وبات يمتلك أسلحة دقيقة متطورة يؤكد أنها قادرة على أن توجه ضربات موجعة لإسرائيل.
ويقول نصرالله إن حزبه يضمّ 100 ألف مقاتل.
كذلك، يملك الحزب مؤسسات تربوية واجتماعية وصحية تؤمن خدمات لأنصاره وتحصّن شعبيته.
وحزب الله هو التشكيل الوحيد في لبنان الذي احتفظ بسلاحه بعد انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990)، بحجة “مقاومة إسرائيل” التي احتلت مناطق واسعة في جنوب البلاد بين العامين 1978 وأيار/مايو 2000. وله ترسانة أضخم من أسلحة الجيش اللبناني، بحسب خبراء.
ينظر الى حزب الله على أنه رأس الحربة في العمليات التي دفعت إسرائيل الى الانسحاب من لبنان في العام 2000 بعد احتلال دام ثلاثين عاما تقريبا. فصارت لنصرالله مكانة كبيرة لدى أنصاره والملايين في العالم العربي. وتعزّزت شعبيته خلال حرب 2006 التي استمرت 33 يوما، وقتل فيها 1200 شخص في لبنان غالبيتهم من المدنيين، و160 في إسرائيل غالبيتهم من العسكريين. بعد انتهائها، ألقى خطابا أمام عشرات الآلاف من أنصاره في الضاحية الجنوبية التي تعرضت لدمار هائل، أعلن فيه تحقيق “نصر إلهي” على إسرائيل.
لكن شعبيته تراجعت في ما بعد في لبنان والعالم العربي، بسبب اتهامه من شريحة واسعة من اللبنانيين ومن دول عربية لا سيما خليجية بالارتهان لإيران، واستخدام السلاح في الداخل والتحكّم بالقرار السياسي اللبناني.
ووجهت محكمة دولية الى حزب الله أصابع الاتهام باغتيال رئيس الوزراء السابق والزعيم السني رفيق الحريري بتفجير ضخم في شباط/فبراير 2005 في بيروت.
واتسعت الشريحة المعارضة له خصوصا بعد انفجار مرفأ بيروت في 2020 وتقارير عن ضلوع الحزب في عرقلة التحقيق لمعرفة ظروف الحادث المدمر.
•دور إقليمي
في الدول العربية، تعرّض حزب الله لانتقادات بسبب قتاله الى جانب نظام الرئيس بشار الأسد في النزاع الدامي المتواصل منذ 2011، ودعم المتمردين الحوثيين في اليمن، والقتال في العراق.
غداة اندلاع الحرب في غزة بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من تشرين الأول/أكتوبر إثر هجوم غير مسبوق للحركة على جنوب إسرائيل، أعلن حسن نصرالله جبهة “إسناد” لغزة وحليفته حماس. وتصاعدت المواجهة بين حزب الله وإسرائيل منذ حوالى أسبوع وبعد إعلان إسرائيل نقل تركيز عملياتها من قطاع غزة الى الجبهة الشمالية.
وأقرّ نصرالله في آخر خطاب له الأسبوع الماضي بتلقي حزبه “ضربة كبيرة” بعد تفجير إسرائيل آلاف أجهزة الاتصال التابعة للحزب.
لا يتكلم نصرالله كثيرا عن حياته الخاصة والشخصية.
ولد في حي شعبي ببرج حمود في الضاحية الشمالية لبيروت في 31 آب/أغسطس 1960، وهو واحد من تسعة أبناء لأسرة متواضعة نزحت من بلدة البازورية في جنوب البلاد.
تلقى العلوم الدينية لمدة ثلاث سنوات في حوزات النجف الأشرف قبل طرده في عام 1978 عندما قمع الرئيس السابق صدام حسين نشطاء شيعة.
انخرط في النشاط السياسي واكتسب خبرة في صفوف “أفواج المقاومة اللبنانية” (حركة أمل)، لكنه انفصل عنها مع العديد من زملائه عام 1982 وشارك في تأسيس حزب الله، إذ تولى مسؤوليات شملت تعبئة المقاومين وإنشاء الخلايا العسكرية. وتدرج في المهام وصولا الى الأمانة العامة.
متزوج من فاطمة ياسين ولهما خمسة أبناء.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news