في انثروبولوجيا رقصة الديوك الحميرية

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 145 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
في انثروبولوجيا رقصة الديوك الحميرية

رقصة الديوك الحمّيرية من أجمل الرقصات الشعبية اليمنية واصعبها. رقصة ذكورية شيقة وشاقة لا يجيدها إلا من خضع لمسار طويل من التأهيل والتدريب فضلا عن الياقة الجسدية وذائقة موسيقية مرهفة للتمييز بين الإيقاعات الموسيقية وكلمات الأغنية وتنغيم الناي. انظروا إلى تناسق حركة القدمين مع الإيقاع والانتقالات الرشيقة من الرقص المتوازي إلى التقابل الديوكي واللف والدوران والتبطيىء والتسريع بالاتساق مع تنويعات اللحن والكلمات والإيقاع. شابان يرقصان ببراعة مذهلة؛ انظروا ما اجملهما بالزي الشعبي اليافعي.

موضوع أنثروبولوجي جدير بالدراسة والبحث والتحليل. اين المتخصصين في الأنثربولوجيا يقولون لنا المعاني الخفية لتلك الرقصة الشعبية؟ أنا لست متخصص في الانثروبولوجيا

ولكنني أحبها وأزعم أنني أفهم منها ما يمكنني من كتابة مقال جدير بالقيمة والاعتبار إليكم المحاولة الأولى:

في انثروبولوجيا رقصة الديوك الحميرية

الرقص وسيلة لمقاومة الموت والعجز والخذلان.

وتواترت بعد ذلك الجهود العلمية لدراسة الرقص، وأضحت أنثروبولوجيا الرقص منطقة معرفية خصبة وممتعة، وأنجز الباحثون فيها العديد من الرؤى والأطروحات المتعددة والمتنوعة التي أماطت اللثام عن الكثير من جوانبه وتفصيلاته، كما أسسوا منهجيات معتبرة لدراسته”( ينظر، حسني إبراهيم عبد العظيم، انثروبولوجيا الرقص، منصة معنى، ٦يونيو ٢٠١٩).

وقد زخرت اليمن ولازالت تزخر بموروث فريد ومتميز من الفنون الشعبية لم تكشف عنها الدراسات الأنثروبولوجية كما هو الحال في عدد من البلدان العربية ومنها مصر والجزائر الرائدة في تلك الدراسات المهمة.

والرقص سلوك إنساني يتشكل من متواليات حركية وإيقاعية غير لفظية هادفة، ومنتظمة، تعتمد تلك المتواليات على إيقاع منتظم، وتتميز عن الأنشـطة الحركية العادية، وللرقص قيم جمالية وحمولة رمزية عميقة من حيث الزمان والمكان والجهد – خلافًا للأنشطة البدنية المعتادة. فالرقص نشاط عضوي ووجداني معقد، مؤطر ثقافيًا، ومُنمط اجتماعيًا.

وهو فضلًا عن ذلك لغة الجسد الأول وأقدم الفنون في تاريخ الحضارة البشرية وقد كان وسيلة التعبير الأول للإنسان قبل أكتشاف اللغة والكلام وهو من الحركات الغريزية الأولى التي ترافق الموسيقى، فمثلاً لا يستطيع طفل صغير أن يقاوم لحنًا شجيًا، سيرقص أو يجري وربما سيقفز ضاحكاً فوق السلالم الموسيقية… روح الطفل الطازجة وأقدامه المتحررة من العيب والحرام هما سر الرقص وجوهره. فلا شيء يمنح الإنسان احساسًا بالحرية كالرقص، الأيدي التي تتحول في لحظات إلى أجنحة، والأجساد التي تقترب من السماء تاركة الأرض ترن تحت الأقدام الراقصين، والكرة الأرضية التي تستدير على شكل حلبة رقص واسعة. وليس هناك من وسيلة اجود من الرقص والفرح في مقاومة الضيق واليأس والموت. وتعد رقصة الديوك من اقدم الرقصات الحميرية الجنوبية القديمة إذ توارثتها الأجيال عبر مئات السنين في سرو حمير منطقة يافع الجبلية. وهي من اصعب الرقصات الذكورية في تاريخ الرقص العربي إذ تتطلب طاقة قوية وأجساد متعافية ولياقة ذكية وخفة ورشاقة حيث تؤدا مع الإيقاع الموسيقي التقليدي على صوت الطبل والمزمار أو العود والغناء. وهي رقصة ثانية يؤديها شخصان شابان بعد التدريب والممارسة الطويلة. وتتميز بسرعة الإيقاع وتنساق الحركات المتداخلة تبدأ في حركة مستطيلة ذهابًا وإيابًا في مساحة لا تزيد عن ستة أمتار وفي عملية تصاعدية للحركة الراقصة يتعقد الاداء الفني في براعة اللف والدوران الرشيق للراقصين على بعضهما في مشهد محاكاة ميتافيزيقية لصراع الديوك الضاري. لا يقدر عليها إلا من يمتلك القوة الجسدية والإحساس المرهف بالفرح الراقص. ربما تستمر نصف ساعة أو أكثر. وأودى بطرق متنوعة في المجتمعات المحلية الذكورية  وللنساء رقصاتهم المتميزة التي تعبر عن ثقافة التمييز الثقافي في النوع الاجتماعي. ولكنه تمييز ليس قطعيا. إذ قد يشترك الرجال والنساء في رقصات مشتركة وعلى إيقاع  الآلات الموسيقية ذاتها مع اختلاف في الأصوات والنغمات والحركات والاداء. والمثل يقول: لك ضربة رقصة!. يقول الفيلسوف الفرنسي بول فاليري في كتابه ( فلسفة الرقص ١٩٣٦) ” لا ينحصر الرقص في كونه ممارسة وتسلية وفنًا تزيينيًا ولعبة مجتمع في بعض الأحيان، بل هو شيء جدي، وفي بعض وجوهه مبجل جدًا. فكل عصر فهم الجسد البشري، أو أقله أحس بالجانب الغامض فيه، بموارده وحدوده وتوليفات الطاقة والحساسية التي يحوزها، قد اعتنى بالرقص وبجّله. إنه فن رئيسي، تشهد له كونيته وقدمه والإستخدام الطقوسي له، كما الأفكار التي يولدها ويوحي بها. ويضيف الرقص مستنبط من الحياة نفسها، اذ أدرك الإنسان أنه يملك في نفسه عافية ومرونة أكبر، وإمكانات واسعة في مفاصله وفي عضلاته، أكثر مما يحتاجه لضرورات بقائه. واكتشف الإنسان أن بعض الحركات بتواترها وتتابعها، تجلب له لذة تصل أحيانًا الى حد الإنتشاء” ولا اداري ما سر انشداد الناس إلى تلك الرقصة العسيرة حتى وهم في مواطن الهجرة والاغتراب والمنافي والشتات. فحيث ما اجتمعوا رقصوها من الصين إلى أمريكا وما بينهما. وهكذا هو المعنى الانثروبولوجي للثقافة التي تبقى بعد نسيان كل شيء كما قال عالم الاجتماع الفرنسي هيلاري. وعلى هذه الأرض ما يستحق الفرح. والرقص هو أكثر الأفراح المتصلة بالأرض والحياة والنشاط والحيوية والخفة والرشاقة ورقصة الديوك الحمّيرية من الفنون الشعبية اليمنية. رقصة شعيبية تراثية معقدة لا يجيدها إلا من تدربها وتحتاج إلى لياقة جسدية وحس جمالي للتمييز بين الإيقاع الموسيقي وتنغيم الناي. انظروا إلى تناسق حركة الأقدام مع الإيقاع والانتقالات الرشيقة من الرقص المتوازي إلى التقابل الديوكي واللف والدوران والتبطيىء والتسريع بالاتساق مع تنويعات الإيقاع والسر في حركة القدمين.

طبعا تلك الرقصة ذكورية خالصة بل هي وسيلة فنية ثقافية لهندسة الهوية الذكورية الصارخة وترسيخها امعانا في التمييز الجندري الصارم بين الإناث والذكور. فأين يمكن التعرف على ملامح صورة المرأة في هذا المشهد البطريركي؟ هي حاضرة بقوة ولكن حضورها رمزيا في الأغنية والحلم والتمني الاسطوري. وهذا ما تشي به الأغنية المصاحبة للناي والإيقاع إذ تقول كلماتها:

يحيى بن أحمد قال  يا يوم الرضاء والنور

الا شليني الجنة معاكن يا بنات الحور

الا يحيى بن أحمد قال مأنا خاطري مجبور

زرعت البن في أرضي وسويت العبر والسور

على قمة جبل عامد اشوف الطين بالناظور

وكلما لاح لي بارق يمسي ليلها ممطور.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

عاجل:قصف سعودي يستهدف هذه المنطقة

كريتر سكاي | 1244 قراءة 

عقب التحركات الأخيرة .. بن سلمان يخرج عن صمته ويكشف عن المعركة الحاسمة في اليمن

صوت العاصمة | 1075 قراءة 

أول ضربة جوية على مواقع الانتقالي بوادي حضرموت… الناطق العسكري يكشف التفاصيل

نيوز لاين | 939 قراءة 

السعودية مستعدة للعودة إلى اليمن وهذا هو السبب

المشهد الدولي | 805 قراءة 

هجوم على قوات الانتقالي

كريتر سكاي | 733 قراءة 

صورة تجمع وزير الدفاع بشقيقه في معسكر الانتقالي تشعل الجدل حول موقفه السياسي

موقع الجنوب اليمني | 690 قراءة 

شخصية يمينية متطرفة بريطانية تتدخل في ملف اليمن وتروّج لانفصال الجنوب

بوابتي | 574 قراءة 

ناشط موالٍ للحوثيين يحذّر من انفجار مؤجّل

نافذة اليمن | 388 قراءة 

خيانات وزراء الدفاع: كيف مهد محمد ناصر أحمد ومحسن الداعري لدخول الميليشيات؟

إيجاز برس | 373 قراءة 

ظهور قيادي عسكري جنوبي بارز في اعتصام عدن وسط انتقادات لممارسات ”المليشيات الانتقالي”

المشهد اليمني | 349 قراءة