قضت المحكمة الجزائية المتخصصة في محافظة حضرموت الأسبوع الماضي بإعدام أربعة من كبار قيادات جماعة الحوثي، على رأسهم زعيم العصابة عبد الملك الحوثي ورئيس المجلس السياسي الأعلى للمليشيا مهدي المشاط ووزير الدفاع في حكومة الحوثي غير المعترف بها دوليا، محمد العاطفي والمتحدث العسكري يحيى سريع.
واستندت المحكمة إلى اتهام النيابة القيادات الحوثية بممارسة جرائم البغي والاعتداء على استقلال الجمهورية اليمنية والاتصال غير المشروع بدولة أجنبية، والاعتداء على الدستور والسلطات الدستورية، وكذلك العصيان المسلح والاشتراك في عصابة مسلحة وتفجير وإحراق وتخريب الأموال المتعلقة بالاقتصاد القومي.
ونص قرار الاتهام "في أكتوبر ونوفمبر 2022 شنت المليشيات الحوثية هجمات إرهابية تخريبية بطائرات مسيرة على ميناء ضبة النفطي بمحافظة حضرموت وميناء قنا بمحافظة شبوة، مما تسبب في شلل حركة الاقتصاد الوطني وزيادة معاناة المواطن ونشر الفوضى وإرباك السكينة العامة".
هجمات بين الاستهجان والحماية
في الـ 21 من أكتوبر 2022 اُستهدف ميناء الضبة بطائرات مسيرة للمرة الأولى من قبل مليشيا الحوثي الإرهابية في اليمن، وقالت الحكومة الشرعية حينها إنها اعترضت طائرات مسيرة مسلحة تابعة لمليشيا الحوثي أطلقت على ميناء الضبة النفطي عندما كانت ناقلة نفط يونانية "نيكسوس" تستعد للرسو لتحميل مليوني برميل من النفط الخام من الميناء، فيما استهدفت مسيرات حوثية في التاسع من نوفمبر 2022 ميناء قنا التجاري في محافظة شبوة أثناء وجود ناقلة نفطية كانت تفرغ حمولتها، مما تسبب في وقوع إصابات بين طاقم السفينة.
ولقي الهجومان استهجان مجلس الأمن الدولي والحكومة اليمنية وعدد من الدول العربية، فيما برر المتحدث العسكري للحوثيين يحيي سريع هذه الهجمات بأنها أتت "لإحباط محاولة نهب النفط الخام، وحماية ثروة اليمن النفطية".
حكم مهم ولافت
ويصف المحلل السياسي صالح الدويل تصرفات الحوثي وقياداته بأنها "جرائم جسيمة ضد الإنسانية"، وتتنوع بين جرائم قتل وتنكيل وإغلاق المدن والحصار الاقتصادي وانتهاكات عدة طاولت نساء وأطفال، وأنهكت منظمات عمل مدني وأساتذة جامعات ووسمتهم بالتجسس، بحسب قوله.
ويضيف الدويل أن "الحكم الصادر عن محكمة جزائية متخصصة بمحافظة حضرموت سيكون أقوى في رمزيته ودلالاته إذا ما صدر من جهة قضائية أعلى في حكومة الشرعية، باعتبار أن الحوثي انقلب على شرعية الدولة وسيطر على مؤسساتها، وارتكب مختلف الجرائم بحق الشعب في المناطق التي تقع تحت سيطرته أو في المناطق المحررة، وقيمة رمزية الحكم أن العدالة لا تتجزأ، وصدور الحكم محلياً يعكس آثار محاصرة مينائي الضبة وقنا على الجانب الإنساني أكثر من تأثيرها في الجانب السياسي".
ويعتبر المحلل السياسي أن "حكم المحكمة مهم ولافت، فالقانون لا يتجزأ، وإذا ما كانت من إرادة دولية ذات معايير موحدة فيجب أن يؤخذ الحكم بأنه جاء من منطلق عدلي وليس سياسياً، واستند إلى قرائن موجودة يمارسها الانقلاب بكل وقاحة، ويبقى الجانب الأهم في تنفيذه، فإن المحاكم ليست سلطة تنفيذية، وطالما أن اليمن تحت الوصاية والبند السابع فالمفروض على الأمم المتحدة أن تباشر تنفيذه أو تحيله إلى محكمة دولية لتفنيده وتقييمه ثم تنفيذه بالصيغة التي تقرؤها محكمة دولية، ففيه قرائن قضائية ضد المتهمين".
الموانئ ذات الأهمية
ويعد ميناءا الضبة وقنا من الموانئ الإستراتيجية في اليمن ويقعان على ساحل البحر العربي، إذ أنشئ ميناء ضبة عام 1993 في مدينة الشحر بمحافظة حضرموت، ويستخدم الميناء لتصدير النفط والغاز من المحافظة، ولا سيما من قطاع المسيلة 14 ونفط شرق شبوة ونفط قطاع حوارين عبر خط أنابيب تمتد مسافة 138 كيلومتراً، ويوجد به أكبر خزان نفطي يتسع لمليون برميل نفط.
وإلى الغرب من حضرموت يقع ميناء قنا- النشيمة بمحافظة شبوة الذي أنشئ عام 1990 وهو المؤهل لتحميل وشحن السفن بالنفط الخام لأغراض التصدير، ويوجد به خمس خزانات سعة كل منها 126 ألف برميل.
مسؤولية الأمم المتحدة
بحسب الدويل "تكمن الأهمية الاقتصادية لمينائي الضبة وقنا في أن معظم الموارد الاقتصادية والتجارية تمران بهما، ولا سيما في محافظات الجنوب والمناطق التابعة للحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، وكل تقارير مندوبي الأمين العام للأمم المتحدة تركز على الجانب الإنساني في اليمن، وأهمية ألا يتعرض هذا الجانب للضرر".
وتابع المتحدث أنه "في هذا السياق منعت الأمم المتحدة بـ 'اتفاق إستكهولم' إسقاط ميناء الحديدة لمصلحة الحكومة الشرعية، إذ كان إسقاطه قاب قوسين أو أدنى، متعذرة بالجانب الإنساني وأنه سيؤثر إنسانياً في مواطني سلطة الأمر الواقع الحوثية، فهاجم الحوثي مينائي الضبة وقنا وعطلهما، وللأسف لم تتحمل الأمم المتحدة مسؤوليتها كما عملت في ميناء الحديدة".
وأضاف الدويل أن "مهاجمة الضبة وقنا عطلا شرياناً اقتصادياً للسكان في المناطق المحررة، وصمت الأمم المتحدة ألقى تساؤلات حول حياديتها، إذ هاجمت الميناءين جماعة تعرّفها الأمم المتحدة أنها مليشيات انقلابية وهو تعريف يضع عملياتها في سياق العمليات الإرهابية المدانة دولياً، واستخدام الطيران المسير في مهاجمة مواني تجارية هو هجوم إرهابي من جماعة انقلابية".
الإضرار بالمصالح الاقتصادية
ويتفق الناشط طالب الأحمدي مع الكاتب الدويل في الأهمية الاقتصادية التي يحتلها ميناءا الضبة وقنا، ويدعو في هذا السياق كافة القوى اليمنية المتحكمة بالمشهد السياسي والعسكري إلى الابتعاد من الأضرار بالمصالح الاقتصادية لمصلحة مشاريع نفوذهم السياسي في البلاد.
لكن في المقابل يسخر الأحمدي من حكم محكمة حضرموت الجزائية القاضي بإعدام زعيم عصابة الحوثي وثلاثة من قادتها، وقال إن "الحكم ليس له أية قيمة قانونية".
ويأسف الأحمدي "من أن القضاء في اليمن تعرض منذ اندلاع الحرب في 2015 لضغوط وتدخلات سافرة من قبل طرفي الحرب جماعة الحوثي شمالاً والحكومة الشرعية جنوباً، وهذا الأمر يقلل من هيبة واحترام القضاء، ومن هنا فلا شك في أن رد فعل المواطن تجاه حكم محكمة حضرموت واحد في مناطق حكم الشرعية والحوثي، وهو أنه لا قيمة له ويأتي في إطار المحاكمات السياسية والإعلامية التي تشهدها البلاد منذ 10 أعوام، وهو يسيء إلى السلطة القضائية كثيراً".
ووفقاً للأحمدي فإن "تحريك الدعوى في محكمة حضرموت يأتي في إطار احتدام الصراع السياسي في البلد المنقسم بين حكومتي صنعاء وعدن، وفي ظل توقف شبه كامل للحرب العسكرية بين طرفي الحرب، مما أعطى مساحة أكبر للحرب الناعمة بين طرفيها، والقضاء في البلاد لم يسلم من تداعيات الحرب المدمرة، ونفوذ حكومتي صنعاء وعدن على القرار السيادي جعلهما يتحكمان في منظومة السلك القضائي وإصدار التعيينات والترقيات، وخضوع القضاء غالباً للسلطة الحاكمة هنا أو هناك".
وفي هذا السياق يستشهد الأحمدي بمحاكمات سياسية أخرى أقامتها سلطة الحوثيين لمعارضيها غيابياً، ومنها حكم المحكمة المتخصصة التابعة للحوثيين قبل أعوام بإعدام 11 عضواً في مجلس النواب اليمني، ناهيك عن عشرات المحاكمات لناشطين سياسيين وصحافيين حضورياً وغيابياً.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news