النسبي والمطلق في الأخلاق يا فداء الدين، الدجل أسوأ من الكذب (2-2)

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 191 مشاهده       تفاصيل الخبر
النسبي والمطلق في الأخلاق يا فداء الدين، الدجل أسوأ من الكذب (2-2)

“الأخلاق عند الملحد نسبية، فما قد تراه جريمة يراه غيرك فضيلة، وبالتالي لا يوجد قانون أخلاقي ثابت يقر به الجميع”.

فداء الدين يحيى.

هذا منزل متواضع بالنسبة لك، لكنه بالنسبة لي على قدر لا بأس به من الفخامة. هذه السيارة تبدو لك عادية، لكنها بالنسبة لي سيارة فارهة. أنت لا ترى هذه اللوحة جميلة، لكنها بالنسبة لي مدهشة.

هكذا فهم فداء الدين يحيى “النسبية”، وقام على الفور بإسقاطها على أخلاق الملحد. فللملحد في منظور فداء الدين معايير أخلاقية مغايرة لمعايير مجتمعه. فالسرقة مثلاً فعل غير مقبول أخلاقياً، لكنه بالنسبة للملحد قد يكون مقبولاً، وما يراه المجتمع “رذيلة” قد يراه الملحد “فضيلة”.

وهذا بطبيعة الحال فهم عامي لمعنى “النسبية”، لكنه مستخدم بكثرة في التداول اليومي للغة.

فالنسبي-بحسب فهم فداء الدين-هو الشيء الذي يتغير من شخص إلى آخر. فالسيارة-في المثال أعلاه-عادية بالنسبة ل(س) من الناس، لكنها تغيرت وأصبحت فارهة بالنسبة ل(ص) من الناس. وهذا الكلام لا علاقة له بالنسبية لا من قريب ولا من بعيد وإنما هو من قبيل الاستخدام اليومي العامي للكلمة. هذا أولاً.

ثانياً: في الاستخدام العامي لكلمة “النسبية” يخلط الناس-من حيث لا يدركون- بينها وبين “الذاتية”. ولا بأس من الشرح والتوضيح.

إذا طلبتُ من فداء الدين أن يصف لي سيارة واقفة على بعد خطوات منه وقال لي: هي سيارة مرسيدس، موديل 2015، أربعة أبواب، لون كحلي، رقمها 3555. فإن كلامه هذا متوافق تماماً مع الواقع، وهو أيضاً كلام مقبول من كل الناس الذين شاهدوا هذه السيارة مهما بلغ عددهم. وعندما يتفق الكلام مع الواقع يقال عنه حُكمٌ “موضوعي”. أما إذا قال فداء الدين في وصفه للسيارة إنها فخمة، مدهشة، فارهة، جميلة، ولا أحسن منها … الخ فإن كلامه هذا لن يكون مطابقا للواقع. وعندما لا يكون الكلام مطابقاً للواقع يقال عنه حُكمٌ “ذاتي”. والحكم الذاتي هو الذي يختلف من شخص إلى آخر. ففداء الدين رأى السيارة جميلة، لكن نجم الدين رآها غير جميلة. فالذاتي هو رأي شخصي تجاه موضوع معين مستقل عن صاحب الرأي، وفيه يتم الخلط بين الذات والموضوع. والذاتي يختلف من ذات إلى أخرى. وفداء الدين ذهب يخلط بين الذاتي والنسبي، أو قل ذهب يخلط بين الذاتي وبين الاستخدام العامي للنسبي. ولكن، ما هو النسبي وما هو المطلق في الأخلاق؟.

المطلق هو الثابت الذي لا يتغير. فلو قلتُ “كل البجعات التي أراها على الشاطئ في هذه اللحظة بيضاء” فهذه جملة صحيحة بإطلاق (في العموم). لكن إذا قلتُ “كل البجعات التي أراها على الشاطئ الآن بيضاء إلا بجعة واحدة رمادية” فهذه جملة نسبية. والنسبية هنا تعني أن الجملة غير مطابقة للواقع بشكل كامل. وعلى هذا الأساس فالكلام النسبي هو كلام صحيح تقريبا، والكلام المطلق هو كلام صحيح كلياً.

وهذا يسري أيضاً على الأخلاق. فهناك أخلاق نسبية (صحيحة تقريباً)، وهناك أخلاق مطلقة (صحيحة كلياً). لكن فداء الدين ومن على شاكلته يعتقدون أن الله هو مصدر الأخلاق. وبما أن الله مطلق، فالأخلاق بالضرورة مطلقة. وبالتالي فإن من يقول بنسبية الأخلاق فهو ملحد. وهذا حكم جانب الصواب كله.

يقول فداء الدين بن يحيى “الأخلاق عند الملحد نسبية، فما تراه جريمة يراه غيرك فضيلة، وبالتالي لا يوجد قانون أخلاقي ثابت يقر به الجميع”. إذاً الأخلاق عند الملحد نسبية لأنه لا يؤمن بوجود الله، لكنها عند المؤمن مطلقة لأنه يؤمن بوجود الله المطلق في كلامه وفي علمه وفي عدله وفي قدرته … الخ ولكن ماذا لو فتحنا المصحف وقرأنا فيه كلام الله من الغلاف إلى الغلاف ووجدنا فيه أن الأخلاق نسبية، هل لدى فداء الدين ما يكفي من الأخلاق ومن الشجاعة ليعترف بأنه على خطأ؟ وماذا عن أولئك الذين يعتبرونه فلتة زمانه، هل لديهم ما يكفي من الأخلاق ومن الشجاعة ليعترفوا بأنهم متحيزون بغير علم؟.

القرآن كلام الله. والقتل في القرآن خطأ. ولكن هل القتل في القرآن خطأ بالمطلق؟ انظر إلى الآية 33 من سورة الإسراء “ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق”. لاحظ أن التحريم في الآية ليس مطلقاً وإنما نسبي لوجود الاستثناء. ولو أن تحريم القتل جاء مطلقاً لما كان هناك شيء اسمه قصاص، ولما كان هناك شيء اسمه قتل دفاعا عن النفس، ولما كان هناك شيء اسمه صيد الأرانب البرية لأكلها.

إذاً القول بأن القتل عمل أخلاقي هو قول صحيح تقريباً (نسبياً)، والقول بأن القتل عمل غير أخلاقي هو أيضا قول صحيح تقريبا (نسبياً)، حيث وهناك تساوي بين أخلاقية ولا أخلاقية نفس الفعل. وهذا هو معنى نسبية الأخلاق. بينما ذهب فداء الدين يفسر النسبية بأنها بالنسبة لكل شخص على حدا، فما هو حرام بالنسبة ل(س) قد يكون حلالا بالنسبة ل(ص)، وهذا فهم عامي لمعنى النسبية في الأخلاق.

ولكن هل نسبية الأخلاق تسري على كل الأفعال؟ الجواب بالنفي. فهناك أفعال أخلاقية بالمطلق، وهناك أفعال لا أخلاقية بالمطلق. ولنأخذ الرق على سبيل المثال. هل الرق عمل لا أخلاقي بالمطلق؟ أم هو لا أخلاقي نسبيا؟ إذا قلنا إنه لا أخلاقي نسبيا فمعنى ذلك أننا نبرر استرقاق الناس في بعض الأمكنة وفي بعض الأزمنة. أما إذا قلنا إن الرق عمل لا أخلاقي بالمطلق فمعنى ذلك أن استرقاق الناس عمل لا أخلاقي (في ذاته) أي في كل الأزمنة وفي كل الأمكنة.

إن الرق خطأ بالمطلق، والناس كانوا يمارسون هذا الخطأ قبل الإسلام، ومارسوه في ظل الإسلام. واتفاق الناس على أي سلوك لا يجعله سلوكا صحيحا، واتفاقهم ضد أي سلوك لا يجعله خطأ بالضرورة.

انظر إلى الكذب مثلاً، لا نستطيع أن نقول عنه إنه خطأ بالمطلق أو صح بالمطلق، لأن بعض الكذب له أغراض أخلاقية، كالكذب الذي يحقق لك أو لغيرك مصلحة دون أن يضر أحدا، فالعبرة هنا في الدافع. أما السرقة فهي خطأ بالمطلق بصرف النظر عن الدافع وعن حجم المسروقات. فلو سرقتُ مائة ريال من جيب ملياردير كي أتصدق بها على جائع فهذا خطأ بإطلاق.

وفي الأخلاق هناك قيم وهناك معايير. القيم مطلقة لأنها مجردات ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان، بينما المعايير نسبية لأنها متغيرة بتغير الأزمنة والأمكنة وبتغير الثقافات. فعندما نقول “عدالة” فهذا مفهوم مجرد لا نستطيع أن نتعامل معه بنسبية، ولهذا البشرية كلها في مشرق الأرض ومغربها متفقة على أن “العدالة” مرغوبة ومطلوبة وتستحق أن نجترح المآثر من أجل تحقيقها. لكن الخلاف فيما يتعلق بالعدالة يبرز أثناء التطبيق. فالقاتل عمدا يجب أن يقتل. وهناك من يرى أنه من حق ولي الدم أن يأخذ بالثأر ويعتقد أن ذلك عدالة، وفي المقابل هناك من ينكر على ولي الدم الأخذ بالثأر ولا يقبل إلا بالقصاص بحكم قضائي. بل هناك من يرفض قتل القاتل بالمطلق ويرى أن العدالة لا تتحقق بعمل انتقامي، وإذا كان القتل عملا شريرا فمن غير الجائز أن تكون العقوبة عملا شريرا وإلا لجاز أن نسرق السارق وأن نزني بالزاني…الخ وهذا غير منطقي. إذاً نسبية الأخلاق لا تكون على مستوى القيم وإنما على مستوى المعايير.

نأتي الآن إلى القضايا الحقوقية كالحق في الحياة والحق في الملكية والحق في الحرية والحق في السفر … الخ وهذه كلها حقوق مطلقة عبر الزمان والمكان ولا يجوز الانتقاص منها. وعلى هذا الأساس من حقنا أن نقول إن حرق المرأة الهندوسية بعد موت زوجها عمل لا أخلاقي بالمطلق. وقتل الإنسان بسبب معتقده عمل لا أخلاقي بالمطلق.

أخيراً، إن نسبية الأخلاق ليست هي رؤيتنا الذاتية عن السلوك، أي أنها لا تعني أن كل شخص حر في أن يفعل ما يشاء كما يريد أن يقنعنا فداء الدين. والذي يحدد أخلاقية السلوك أو عدم أخلاقيته هي في الحقيقة منظومة واسعة من المحددات كتحقيق السعادة للإنسان، والمحافظة على الحقوق الأصلية والحريات الأساسية، وتحقيق المصلحة للمجموع، وتحقيق الرفاه لكل الناس.

في المقال القادم سنكتب عن مصدر الأخلاق وكيف تنشأ. نسأل الله التوفيق.

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

في ظل انقطاع المرتبات.. قطر تسعد آلاف الطلاب والمعلمين اليمنيين

المشهد اليمني | 2740 قراءة 

الانتقالي يحاول سرقة الطائرات الكويتية “الهدية” وتحويلها لشركة خاصة بقياداته

هنا عدن | 2166 قراءة 

مسئول وقيادي بارز في حزب المؤتمر يقول أن هناك ثورة جديدة لن يستطيع الحوثيين ايقافها

مأرب برس | 1927 قراءة 

حكم بإعدام ثلاثة أشقاء يمنيين بعد اتهامهم بجريمة شنيعة

المشهد اليمني | 1865 قراءة 

بشرى سارة: كيف تسافر الى السعودية وتؤدي العمرة بدون تأشيرة او رسوم

وطن الغد | 1810 قراءة 

عاجل .. انسحاب كبير لقوات الحوثيين من الضالع وتعز باتجاه هذه المحافظة!

وطن الغد | 1707 قراءة 

السفير البريطاني الأسبق يكتب شهادته حول سقوط صنعاء ويكشف تفاصيل من محطات الأحداث والمفاوضات (ترجمة خاصة)

الموقع بوست | 1389 قراءة 

فيما عشرات المدرعات والاطقم تجوب الشوارع.. انسحاب كبير لقوات الحوثيين من الضالع استعدادا لهذا الامر

كريتر سكاي | 1321 قراءة 

عاجل : شركة النفط اليمنية تعلن تخفيض سعر مادة البترول بدءا من مساء اليوم

الشاهد برس | 1292 قراءة 

الريال يواصل تعافيه.. أسعار الصرف في صنعاء وعدن ومأرب اليوم الثلاثاء 24 سبتمبر 2024م

بران برس | 1207 قراءة