مشاهدات
تُعدّ قوة الرضوان في حزب الله اللبناني، التي اغتالت إسرائيل قائدها إبراهيم محمد عقيل في عدوان نفّذته أمس على ضاحية بيروت الجنوبية وأسفر عن استشهاد العشرات؛ من قوات النخبة في الحزب. إذ يعتبرها إحدى الأيدي الضاربة بين قوّاته في أي حرب مقبلة، واصفًا قوّتها بأنّها قادرة على "إرسال الاحتلال إلى جهنّم"، وبثّ الرعب في نفوس جيش الاحتلال والمستوطنين، وفق تعبير أوساطه.
كان حزب الله قد نعى عدداً من عناصره في العدوان الإسرائيلي على الضاحية، بينهم القياديان عقيل الذي أشرف على تأسيس وتطوير وقيادة قوة الرضوان، والقيادي أحمد محمود وهبي، الذي قاد العمليّات العسكريّة لقوّة الرضوان منذ 7 أكتوبر/تشرين الأوا في إطار مساندة مقاومة غزّة ضدّ حرب الإبادة الإسرائيلية وحتى مطلع العام 2024، ليُعاود تصدّيه لمسؤوليّة وحدة التدريب المركزي بعد استشهاد القائد وسام الطويل بغارة إسرائيلية في الثامن من يناير/كانون الثاني الماضي، بحسب ما يشير بيان حزب الله في نعي القياديَّين.
ومن الواضح أنّ إسرائيل تخطط للقضاء على كبار المسؤولين العسكريين للحزب في عمليات الاغتيال المتتالية، ولا سيما المنتمين إلى "قوّة الرضوان"، خصوصاً أنها تطالب بإبعادها عن حدودها الشمالية شرطاً أساسيّاً في مسار الحل الدبلوماسي لوقف إطلاق النار. ونفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي، أمس الجمعة، عدواناً هو الثالث على الضاحية الجنوبية لبيروت منذ فتح جبهة الإسناد اللبنانية، باستهدافه أحد المباني حيث كان يوجد قادة وعناصر في المقاومة، علماً أنه يسكنه أيضاً مدنيون، من عائلات وأطفال ونساء، ما أسفر عن استشهاد ما يزيد عن 16 شخصاً وجرح أكثر من 60، في حصيلة غير نهائية.
جاء اسم قوة الرضوان تيمّناً بالقيادي في الحزب عماد مغنية المكنّى بالحاج رضوان، والذي اغتيل في سيارة مفخخة بدمشق في 12 فبراير/شباط 2008. وتأسّست القوة بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز/يوليو 2006. وتعدّ من قوات النخبة لدى الحزب، وشاركت في العديد من التدريبات العسكرية في مايو/أيار 2023، التي تحاكي عمليات التسلل إلى إسرائيل. ولدى قوة الرضوان آلاف المقاتلين، إلى جانب ترسانة عسكرية كبيرة من الصواريخ والأسلحة الدقيقة وأنواع أخرى لا يكشف عنها حزب الله، وتُعد من القوات التي تطالب إسرائيل بإبعادها عن الحدود، وقد حدّدت ذلك شرطاً ضمن الحل الدبلوماسي الذي سعت إليه الولايات المتحدة الأميركية عبر وسيطها الرئاسي عاموس هوكشتاين، إلى جانب باريس، وهو ما يرفضه حزب الله.
وشاركت قوة الرضوان في القتال إلى جانب نظام بشار الأسد في سورية. وقال مسؤول مقرب من قوة الراضوان لصحيفة نيويورك تايمز، في تقرير نُشر في 9 يناير/كانون الثاني الماضي، طالبا عدم الكشف عن اسمه: "لقد قاتلوا في كل الظروف الصعبة؛ في الصحراء والجبال والثلوج، ونتيجة لذلك، فتدريبهم أعلى وخبرتهم أفضل". وأوضح أن قوة الرضوان أثبتت قدرتها القتالية ضد تنظيم داعش في عدة أماكن في سورية: "في القصير، بالقرب من الحدود اللبنانية، وفي مدينة تدمر القديمة المركزية، حليفاً رئيساً في مساعدة الأسد على استعادة المنطقة؛ وفي البوكمال، وهي منطقة شرقية على الحدود مع العراق".
واستشهد أكثر من 500 شخص، غالبيتهم من حزب الله، بغارات إسرائيلية تخطّت حدود الجنوب، وذلك منذ بدء المواجهات العسكرية، وضمنهم قادة في الحزب، أبرزهم القيادي محمد نعمة ناصر، باستهداف سيارته في منطقة صور في 3 يوليو/تموز الماضي، وطالب عبد الله بضربة على منزل كان بداخله في بلدة جويا في 11 يونيو/حزيران الماضي، ووسام الطويل باستهداف سيارته في بلدة خربة سلم جنوبي البلاد، والقيادي الرفيع فؤاد شكر باستهداف مبنى كان موجوداً فيه في الضاحية الجنوبية لبيروت في 30 يوليو/تموز الماضي.
وعمّم حزب الله اليوم نبذتين عن كلّ من القيادي الشهيد إبراهيم محمد عقيل، والقيادي الشهيد أحمد محمود وهبي "الحاج أبو حسين سمير". ويعد عقيل، بحسب أوساط حزب الله، من "الجيل المُؤسس للعمل الإسلامي في بيروت" ومن قادة العمليّات البطوليّة خلال التصدي للاجتياح الإسرائيلي لبيروت مطلع الثمانينيات". وتولّى مسؤوليّة التدريب المركزي في حزب الله مطلع التسعينيات، ولعب دوراً أساسياً في تطوير القدرات البشريّة في تشكيلات المقاومة، كما تولّى مسؤولية الأركان في المقاومة منتصف التسعينيات.
وتولّى عقيل مسؤوليّة وحدة عمليّات جبل عامل منذ العام 1997 وحتى ما بعد التحرير، وقاد بشكل مباشر العديد من العمليات النوعية خلال تلك الفترة، وأسس ركن العمليّات في حزب الله، وبدءاً من العام 2008، شغل موقع معاون الأمين العام لشؤون العمليّات وعُيِّن عضوا في المجلس الجهادي، ويعد من قادة التصدّي للعدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، بحسب بيان الحزب.
وأشرف عقيل على تأسيس وتطوير وقيادة قوة الرضوان في المقاومة حتى تاريخ استشهاده، كما كان من القادة الكبار في الحزب الذين خططوا وأداروا عمليّات حزب الله على حدود لبنان الشرقيّة وفي القصير والقلمون وبقية المناطق السوريّة. أما الشهيد وهبي فـ"التحق بصفوف المُقاومة منذ تأسيسها، وشارك في العديد من العمليّات العسكريّة إبان الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، وتعرّض للأسر من قبل إسرائيل في العام 1984.
وكان وهبي من القادة الميدانيين في كمين أنصارية النوعي عام 1997، وشغل العديد من المسؤوليات القياديّة في وحدة التدريب المركزي حتى العام 2007، وتولّى مسؤوليّة التدريب في قوة الرضوان حتى العام 2012. كما تولّى مسؤوليّة وحدة التدريب المركزي حتى العام 2014، ولعِبَ دوراً أساسياً في تطوير القدرات البشريّة في مُختلف تشكيلات حزب الله، علاوة على مسؤولية قوّة الرضوان حتى مَطلع العام 2024، وكان من القادة الأساسيين الذين شاركوا في القتال في سورية إلى جانب قوات الأسد.
ماذا يقول الاحتلال عن قوّة الرضوان؟
تنقل صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين ومحللين إسرائيليين قولهم إن قوة الرضوان تشكل تهديدًا كبيرًا على إسرائيل، وإنه أوكل إليها مهمة غزو منطقة الجليل الشمالية الإسرائيلية. وزعم تامر هايمان، الجنرال المتقاعد الذي قاد الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية حتى عام 2021، في مقابلة مع "نيويورك تايمز"، إن "قوة الرضوان أعدت لتكرار ما حدث في 7 أكتوبر/تشرين الأول في الشمال. ولهذا السبب بالذات، من غير المقبول أن تسمح إسرائيل لمقاتليها بالبقاء في منطقة الحدود".
وحسب الصحيفة، فإن قوة الرضوان شاركت في الربيع الماضي في مناورة عسكرية استثنائية لحزب الله، وعرضت ترسانة عسكرية ضخمة، وقامت بمحاكاة عمليات تسلل إلى إسرائيل. وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، قال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، لوسائل الإعلام الإسرائيلية، إن إسرائيل "لم تعد قادرة على تقبل قوة رضوان على الحدود". ويصر القادة الإسرائيليون على أنه لم يتبق سوى خيارين أمامهم لاستعادة الهدوء في الشمال: حل دبلوماسي من شأنه أن يبعد قوة الضوان عن الحدود، شمال نهر الليطاني، أو هجوم عسكري إسرائيلي كبير يحقق الهدف نفسه. وإلى الآن، فشلت الجهود التي تقودها الولايات المتحدة في التوصل إلى حل دبلوماسي.
وبحسب ما نقلته صحيفة واشنطن بوست عن قوات الأمن الإسرائيلية في 9 فبراير/شباط، فإن قائد القوة اسمه هيثم علي طباطبائي. وحسب وزارة الخارجية الأميركية، فإن طباطبائي "قاد القوات الخاصة للمجموعة في كل من سورية واليمن"، وصنفته الخارجية الأميركية ضمن قائمة الإرهاب العالمية في عام 2016، وعرضت مكافأة تصل إلى خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه.
وقال المقدم شلومي بايندر لصحيفة هآرتس في عام 2022: "أصبحت لدى قوة الرضوان أدوات لم تكن تمتلكها في عام 2006، وأهمها التخطيط والقدرة على مهاجمة أراضينا". وحسب مركز ألما الإسرائيلي للأبحاث، فإن الانخراط الكبير لقوة الرضوان في القتال على الأراضي السورية أدى إلى صقل قدراتها القتالية بشكل عام، وأصبحت المهمة الأساسية لها في أي مواجهة مع إسرائيل هي التسلل إلى الأراضي الإسرائيلية والاستيلاء على مناطق جغرافية لخلق "صورة نصر". وأضاف: "في تقديرنا، من مهام قوة الرضوان أيضا إضعاف قوات جيش الأمن الإسرائيلية التي تتنقل داخل الأراضي اللبنانية من خلال عمليات كوماندوز عالية الجودة ومحاولة "مطاردة" القوات الخاصة الإسرائيلية العاملة في عمق الأراضي اللبنانية".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news