تعاني الخطوط الجوية اليمنية من أزمة في الطائرات اضطرت معها لتأجيل وإلغاء عدد من الرحلات من وإلى المطارات الواقعة تحت سيطرة الحكومة، وذلك نتيجة خروج إحدى طائرات أسطولها المتواضع عن الخدمة، فيما ما زال الحوثيون يحتجزون أربع طائرات في صنعاء ويسيّرون بعضها فقط لوجهة وحيدة.
وخرجت إحدى طائرات اليمنية عن الخدمة منتصف الأسبوع الماضي، ودفع خروجها الشركة لتقليص عدد من الرحلات من مطارات مختلفة أبرزها سيئون والريان بحضرموت، وإلغاء وإعادة جدولة رحلات أخرى، ما تسبب في تأثير كبير على سمعة الشركة.
وشكا مسافرون استمع لهم "المصدر أونلاين"، تأخر رحلتهم (القاهرة – سيئون) التي كانت مقررة يوم الثلاثاء الماضي إلى وقت لاحق الأربعاء.
وتحدث المصدر أونلاين لعدد من المصادر في الخطوط اليمنية، حول المشكلة الحالية وأزمتها في ظل الصراع السياسي، ومخاطر تصاعد هذا الصراع علي الناقل الوطني الوحيد.
وقالت المصادر إنه في الوضع الطبيعي تستبدل الشركة الطائرة المعطلة بأخرى، ويستمر جدول الرحلات، وربما حصل تأخير لأول رحلة فقط بعد حدوث الخلل، غير أن رفض الحوثيين تحريك أي من الطائرات المحتجزة أعاق ذلك الحل، وتسبب في إرباك كبير للشركة.
ويحتجز الحوثيون أربع من إجمالي سبع طائرات هي كل أسطول الشركة، ويمنعونها من الطيران عدا عن رحلة يومية وحيدة لطائرتين، في حين تعاني الشركة كثيرا لحل مشكلة نقص الطائرات في المطارات الأخرى، وقال أحد المصادر: "إضافة إلى التأثير السلبي على سمعة الشركة، فالطائرات تستهلك واقفة، فهي وجدت لتطير والجو مكانها الطبيعي"!
وما زالت ثلاث طائرات أهدتها دولة الكويت لليمن أعلن عنها في يوليو الماضي، قيد التجهيز للدخول ضمن أسطول الشركة.
وليست هذه الأزمة الوحيدة للشركة التي تعاني من استمرار احتجاز الحوثيين لـ120 مليون دولار في بنوك صنعاء منذ مارس من العام الماضي، يضاف إليها الإيرادات الجديدة، فيما تواجه قيادة الشركة صعوبات في تغطية احتياجاتها من صيانة الأسطول وقطع الغيار ورسوم مبيت الطائرات في الخارج، ووقود الطائرات وغيرها.
في غضون ذلك يلتزم المبعوث الأممي "هانس جروندبرج" الصمت إزاء ما يجري وتوقفت أي خطوات حول البند الثالث من الاتفاقية التي أعلن عنها والذي ينص على أن "يتم عقد اجتماعات لمعالجة التحديات الإدارية والفنية والمالية التي تواجه شركة الطيران".
عن اليمنية
و"اليمنية" شركة طيران مملوكة لليمن والسعودية 51 و 49 بالمئة على التوالي، وفيما يعين رئيس الجمهورية رئيس مجلس إدارتها، ينظم عمل الشركة بروتوكول خاص مصادق عليه بين الدولتين، ولا يحق لأي من حكومتي البلدين التدخل في سياستها، بل تعد مستقلة مالياً وإدارياً بشكل تام.
وحتى العام ٢٠١٢، ظلت الشركة تسجل خسائر بشكل سنوي تقريبا رغم منافستها إقليمياً بعشر طائرات، جلها مستأجرة، وعقب تعيين الكابتن أحمد مسعود العلواني، بقرار من الرئيس الجديد حينها عبدربه منصور هادي، وجد في الأسطول ست طائرات بعد تسليم القائد السابق عبدالخالق القاضي أربع أخرى مستأجرة من نوع بوينج للجهة التي تملكها قبل انتهاء العقد، تقول المصادر إنها كانت خطوة مقصودة لإفشال المدير الجديد.
واستمرت الشركة في العمل بعد ذلك وحافظت على وضعها نسبيا، ومع اجتياح الحوثيين لصنعاء عام 2014، طالبت الشركة المؤجرة لطائرتين أخريين من نوع إيرباص أي 330، بتسليمهما بسبب الحرب، وهددت بخطفها من المطارات إن رفضت قيادة الشركة تسليمها، ما دفع قيادة الشركة لإعادتهما.
تقول المصادر إن تلك كانت صفقة رابحة، فقد تنازل المالك بموجب هذه الصفقة عن حقوق كبيرة كانت على الشركة، إضافة إلى أن الخطوط اليمنية كانت تسلم 600 ألف دولار شهرياً مقابل الطائرة الواحدة وهو مبلغ كبير.
وفي السنوات الأخيرة، تمكنت الشركة من رفد أسطولها بخمس طائرات مستخدمة، أطلقت عليها "سقطرى _ سيئون _ عدن _ حمير _ سبأ"، وهو أمر لم يسبق أن حدث حتى في فترات الاستقرار في البلاد، إضافة إلى عقدها صفقة مع شركة إيرباص لشراء 8 طائرات جديدة، يبدأ تسليم قيمتها من العام 2028، واستلامها بدءًا من العام 2031.
عراقيل الحرب
وواجهت الشركة في زمن الحرب عراقيل كبيرة بحسب المصادر، خصوصاً من قبل التحالف المساند للشرعية والذي منع التحليق في الأجواء اليمنية وتسيير الرحلات إلا بإذن مسبق وبعد إرسال المعلومات، وكانت الشركة لا تستطيع الإعلان عن رحلاتها إلا قبل الموعد بيوم واحد، ما تسبب في مشاكل كبيرة بينها وبين عملائها، وأضرّ كثيراً بسمعة الشركة.
يقول مصدر في الشركة: "تخيل أن بعض الرحلات كانت تلغى أو تؤجل قبل الموعد بوقت قصير، وربما اضطررنا لإبلاغ الزبون بتغيير الموعد مرتين في اليوم الواحد، وأحياناً حتى في الأوقات غير المناسبة"، مضيفاً: "تأخير الرحلات يتسبب بمشاكل كبيرة وخسائر للمسافرين وسمعة الشركة، المسافر قد رتب رحلة أخرى إلى أمريكا أو أي دولة وحجز موعداً للسفر معنا ليمكث في الترانزيت بالأردن مثلاً، ثم يبلغ بتأخير الرحلة، هو خسر حجزه مع الشركة الأخرى، واليمنية خسرت من سمعتها".
ويضيف: "حاولت الشركة معالجة ذلك وعملت بشكل حثيث مع الجهات المعنية وحاولت بقدر المستطاع تجنب هذه الأخطاء، لكن مع ذلك كانت تحدث أحياناً، مثلما حدث في الرحلة التي أجبرت على العودة من الأجواء في 30 يوليو الماضي، والتي حاول الحوثيون تسييرها دون تصريح".
ويتابع: "أيضاً حاولت الشركة معالجة الأمر بعدم تحديد تذكرة العودة التي يضطر المسافرون لحجزها بزمن معين، ولا تلغي التذاكر التي تأخر أصحابها إلا بعد ثلاثة أعوام، وهذا جزء من محاولات المعالجة".
وتسببت تلك العوائق وارتفاع كلفة التأمين على الطائرات وغيرها في ارتفاع سعر التذكرة، وشكلت كل تلك المشاكل مادة لاستهداف الشركة عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، خصوصا بعد دخول منافسين على الخط، وفق المصادر، وقال أحدها: "ليس دفاعاً عن الشركة وإنكار أي فساد قد يكون حاصلاً فيها، لكن الظروف التي عملت فيها كانت بالفعل بالغة التعقيد".
بعيداً عن الصراع السياسي
ورغم الحرب وكل الظروف السيئة وانقلاب الحوثيين واستيلائهم على مؤسسات الدولة، استطاعت قيادة الشركة إبقاءها بعيدة عن النزاع، وساعد في ذلك "وجود مسؤولين عقلاء في قيادتها من بينهم شخصيات وإن كانت توالي الحوثيين، إلا أن ولاءها للشركة وحرصها عليها وعقلانيتها كانت أكبر"، وفقا للمصادر.
وحاول الحوثيون مراراً التحرش بالشركة وبعض الشركات التابعة لها، خصوصاً في الفترة التي تولى فيها زكريا الشامي وزارة النقل في حكومة الجماعة غير المعترف بها، إذ حاول السيطرة على شركة الخدمات الأرضية التابعة لها والواقعة في منطقة الجراف بصنعاء، وأيضاً حاول الاستيلاء على أرضية تابعة للشركة خلف المستشفى السعودي الألماني بحجة تحويلها لوزارة الدفاع، غير أن الموقف الصلب لقيادة الشركة وإسناد النقابات لها حال دون ذلك.
واستمرت الشركة في دفع رواتب موظفيها في عموم البلاد، وتقديم الخدمات لعملائها وفق الممكن، وشكلت رئة وحيدة يتنفس منها اليمنيون على العالم في سنيّ الحرب وجسراً يشدّ وحدة البلاد، إذ يتحرك موظفوها من صنعاء إلى عدن والعكس بشكل سلس دون معاناة في نقاط التفتيش المنتشرة على الطرقات، ويحلق كباتنتها من عدن أحياناً ومن صنعاء أخرى، وافتتحت مركزين للقيادة "أ" في صنعاء، و"ب" في عدن، دون مشاكل.
لكن الجماعة أعادت فتح عينيها على الشركة مؤخراً، خصوصاً بعد تعيين خليل جحاف قائماً بأعمال الرئيس في صنعاء، من قبل رئيس الشركة الجديد ناصر محمود، والذي بدأ إثارة صراع بأجندة سياسية داخلها، وبحسب المصادر فإن جحاف واحد من نتائج القرارات الخاطئة، رغم التنبيه قبل تعيينه من قبل الكثيرين في الشركة بأنه ليس أهلاً للمنصب، بسبب ولائه المفرط للحوثيين.
وجحاف قيادي حوثي، كان مدير منطقة بيروت في "اليمنية"، قبل أن يعود إلى اليمن ويعين في العام 2022، قائماً بأعمال رئيس مجلس الإدارة في صنعاء، وهو من يقود حاليا محاولة الجماعة للاستحواذ على الشركة.
تصاعد الصراع
في شهر مارس 2023 قامت وزارة النقل التابعة للحوثيين في صنعاء (غير معترف بها) بإصدار بيان يحمّل "اليمنية" مسؤولية تشغيل رحلات من مطار صنعاء إلى كل من القاهرة ومومباي في الهند، ورغم أن هذا ليس من اختصاص الشركة، بل يقع ضمن مسؤولية الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد ووزارة النقل، إلا أن الحوثيين أصروا على ذلك بشكل مريب.
عقب ذلك، جمّد الحوثيون أرصدة "اليمنية" في بنوك صنعاء، متهمين الشركة برفض تشغيل تلك الرحلات، تقول المصادر إن تلك ذريعة للزّج بالشركة في الصّراع السّياسي، وإلا فقيادة الحوثيين تعلم أن تراخيص الرحلات أمر أكبر من قدرات قيادة الشركة، مشيرة إلى رفض كل من حكومتي مصر والهند استقبال هذه الرحلات، وهناك نقاشات أجراها القائم بالأعمال في صنعاء مع الجهات المختصة في القاهرة مثلا، وهو يعلم أن مصر هي من ترفض ذلك.
وتدخل الحوثيون عبر "وزارة النقل" بشكل مباشر في أنظمة ولوائح الشركة، كما تقول المصادر، من خلال فرض توقيع القائم بالأعمال على كافة الشيكات، قبل أن يصعدوا في خطوات أكبر ابتداء من أكتوبر 2023، حين احتجزوا طائرة إيرباص أي 330، فيما احتجزت ثلاث طائرات من طراز أي 320 في أواخر يونيو الماضي، واستخدموا الطائرات الأربع المحتجزة كورقه ضغط للتفاوض سياسياً.
ومع تفاقم الأزمة المالية لدى الشركة نتيجة حجز أرصدتها في صنعاء حيث النسبة الأكبر من إيراداتها، وعجزها عن تغطية الالتزامات التي عليها مقابل الصيانة وقطع الغيار وغيرها من إيرادات مكاتبها في مناطق الشرعية والخارج، اتخذت وزارة النقل في عدن قراراً بنقل مبيعات الشركة إلى عدن.
وفي محاولة لكبح جماح التصعيد، تدخلت نقابات اليمنية في شهر أكتوبر الماضي، وأصدرت مبادرة، طالبت فيها بخفض التصعيد وتحييد الشركة عن الصراع السياسي، لكن المبادرة رفضت، وصعّد الحوثيون بشكل أكبر، وبلغ التصعيد ذروته بعد احتجازهم ثلاث طائرات للشركة كانت تنقل حجاجاً عائدين من السعودية أواخر يونيو، وشنوا حملة إعلامية تتهم التحالف بمحاصرتهم، واستمر التوتر قبل أن يعلن المبعوث الأممي عن اتفاقية بين الحوثيين والحكومة، عادت بموجبها رحلات صنعاء الأردن، فيما يواصل الحوثيون احتجاز الطائرات والأرصدة، وسط غياب أي أفق لاستكمال النقاشات التي نصت عليها اتفاقية المبعوث.
واستمر تصعيد جحاف وفق المصادر، إذ "تدخل بعد ذلك في مهام واختصاصات إدارة الصيانة والهندسة، وهذا تدخل خطير كون عمل الصيانة والهندسة يخضع لقواعد واشتراطات دولية ومحلية، وهذا الإجراء ينذر بكارثة خطيرة على الشركة"، ويحملها منفردة مسؤولية أي خلل قد يحدث مستقبلاً.
ولم يقف جحاف عند ذلك، فمع وعود الحوثيين له بتعيينه رئيساً للشركة، قرر إيقاف بعض مستحقات موظفي منطقة عدن من رواتب وحوافز من شهر يونيو ويوليو الماضيين، وحتى اللحظة، كما قام بإيقاف امتيازات الوقود لموظفي منطقة عدن، ووجه إنذاراً للطاقم الطائر (الطيارين والمضيفين والمهندسين)، بعدم الانتقال الى عدن للعمل من المطارات للعمل من هناك.
وجرت العادة على توزيع العمل بين الطاقم الطائر بشكل شهري، كون أسر معظم الطاقم في صنعاء، فلذلك يعملون شهراً من صنعاء وآخر من عدن، ومن شأن هذا الإجراء أن يحرم الطاقم من ساعات طيران أكثر، وهذا يؤثر على مرتباتهم وحوافزهم ومختلف حقوقهم، ناهيك عن أن هذا الإجراء يشكل ضغطاً كبيراً على الطاقم في عدن وعلى عمل الشركة.
ونتيجة لاستمرار الأزمة وتصعيد جحاف، الذي استهدف التحكم في الرحلات ومبيعاتها وإغلاق الصيانات على موظفي عدن، قامت الإدارة التجارية للشركة في العاصمة المؤقتة، بنقل نظام المبيعات من صنعاء.
وفي محاولة لإحياء النقاشات، أطلقت نقابات موظفي اليمنية مؤخراً مبادرة جديدة، دعت إلى فتح الرحلات من صنعاء وإطلاق أرصدة الشركة، والطائرات المحتجزة، وعقد لقاءات للنقاش في الأردن، وفيما أعلن رئيس اليمنية موافقته على المبادرة، قالت المصادر إن الحوثيين رفضوها، وزادوا من التصعيد من خلال اقتحام جحاف لمكتب الرئيس ومباشرة عمله من داخله، في خطوة "تنذر بكارثة إخفاء وثائق وعقود لأصول ممتلكات الشركة والتي هي محفوظه في مكتب الرئيس".
وقالت المصادر إن جحاف أرسل تهديدات عبر جهاز الأمن والمخابرات التابع للجماعة لكافة موظفي الشركة في الإدارة العامة ومطار صنعاء الدولي يحذرهم من أي خطوات تصعيدية، وذلك عقب إعلان نقابات الشركة المبادرة، وسط أحاديث عن صدور قرار من رئيس المجلس السياسي التابع للجماعة بتعيينه رئيسا لمجلس الإدارة.
وأضافت أنه "من المتوقع أن يصدر جحاف قرارات بتعين مدراء في كثير من الإدارات الرئيسية والتشغيلية في الشركة، مستقبلاً".
ومع استمرار تصعيد الحوثيين والذي ينذر بكارثة في الشركة الوطنية الأهم في السنوات الأخيرة، فإن مصير أكثر من ثلاثة آلاف موظف في الخطوط الجوية اليمنية، يعولون أكثر من 25 ألف شخص، ما تزال في مهب الريح، وسط مخاوف من تحويلهم إلى موظفين دون رواتب كحال بقية الموظفين في المؤسسات الواقعة تحت سيطرة الجماعة.
إضافة إلى ذلك فإن أكثر من 30 مليون يمني مهددون بإغلاق النافذة الوحيدة التي تربطهم بالعالم، وشريان الحياة الذي ظل مفتوحاً في زمن الحرب حين رفضت شركات الطيران الأخرى العمل في بيئة الحرب والصراع نتيجة تكاليف التأمين وزيادة المخاطر.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news