بعض الكُـتّـاب من الأفضل أن نكتفي بالقراءة لهم فقط من دون سماعهم يتكلمون، لأن حديثهم الشفهي وربما أصواتهم والمفردات التي يستعملونها أثناء التداعي في الحكي تكون صادمة، وتنبئ أحيانًا عن شخصيات يجدر بنا أن نقرأ لها فقط وأن ننسى الوجود الفيزيائي لأصحابها، لمصلحتهم قبل أي شيء آخر.
ولا أظن أن خيبة الأمل التي تصيبنا عندما نصغي لبعض الكتاب تتعلق فقط بالتوقعات أو بالصور المثالية التي رسمناها لهم في أذهاننا بناءً على أعمالهم المكتوبة، فإذا بنا عندما نسمعهم يتحدثون
نصطدم بواقع مختلف تمامًا عن تلك الصورة المثالية.
في الحقيقة إن التفسير التقني الدقيق والأكثر واقعية لهذه الظاهرة المحزنة يرتبط بوجود فجوة هائلة لدى بعض الأدباء بين الكتابة والحديث الشفهي، وأضيف آسفا ومضطرا بين الكتابة أحيانًا وبين الأخلاق والتصورات والطبائع التي اكتسبها الأديب بوصفه إنسانًا وكائنًا اجتماعياً قبل أن يكون كاتبًا.
فقد صادفت روائيًا من أدباء الصف الأول على مستوى دولة في شمال إفريقيا كانت حالته الفكرية وتصوراته التي يؤمن بها تستدعي الرثاء، ناهيك عن بشاعة صوته وأسلوبه في الحديث، لكنه يكتب بشكل جيد واسمه متداول أو ربما يعيش على أكتاف شهرة عقود ماضية.
هناك تفسير لهذه الظاهرة، لا أعني ضحالة فكر ومنطق الكاتب بل أعني الفجوة التي نلمحها بسهولة بين كتابته وحديثه، إذ من الواضح تقنيًا أن الكتابة حرفة وخبرة تكتسب تقنياتها ويمكن أن توصل الكاتب إلى مرحلة جيدة يستطيع خلالها التميز وامتلاك أسلوب يدهش القراء، إذ بإمكان أي كاتب بالتدريب والممارسة الاجتهاد في تطوير قاموسه واختيار كلماته بعناية وتحرير أفكاره بدقة، بينما تظل المحادثة قائمة على العفوية والتلقائية، وهنا تتكشف جوانب شخصية و (ضحالة) ونرجسية مقيتة في التفكير أثناء التداعي اللفظي المنطوق، وإن كانت لا تظهر أثناء كتابة الشخص نفسه.
أيضا لصوت الكاتب وأسلوب إفصاحه عن الكلمات تأثير سلبي على المستمع، خاصة إذا أظهرته هذه الشكليات السمعية مختلفا بشكل بارز وصادم عن التوقعات. فقد يستخدم الكاتب في حديثه اليومي مفردات مختلفة تمامًا عن تلك التي يستخدمها في كتاباته، مما يعزز من الفجوة التي أشعر أنها تدعوني في بعض الأوقات إلى التعاطف مع الكاتب الذي يضطر إلى التحدث مع القراء تحت أي ظرف، لذلك يفضل بعض القراء الاحتفاظ بالصورة المثالية التي كونوها عن كتّابهم المفضلين في أذهانهم، خوفا من تعريضها للخطر أثناء سماعهم يتحدثون.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news