منذ أن أصبح الإعلام وسيلة رئيسية لتشكيل الرأي العام والتأثير على التصورات الثقافية، ظهر تحدٍ دائم في تحقيق التوازن بين النقد الفني والموضوعية. واحدة من تلك المحطات المثيرة للجدل هي فيلم "حياة الماعز"، الذي نُظر إليه باعتباره محاولة متعمدة لتشويه صورة المملكة العربية السعودية، بل والمجتمعات العربية بشكل عام.
الفيلم يتناول المجتمع السعودي، معتمداً على تصورات نمطية ومستوحاة من تصورات قديمة وغير عادلة، مضخماً السلبيات بشكل غير واقعي، ومبالغاً في تشويه الحقائق. هذا النوع من الإنتاجات السينمائية يثير تساؤلات حول مدى الموضوعية والمصداقية في تقديم الحقيقة، خاصة عندما يتعلق الأمر بدولة مثل السعودية التي شهدت تطورات هائلة في مختلف المجالات.
السعودية بين الحقيقة والادعاءات
باعتباري شخصًا نشأ في السعودية وعاصرت كافة طبقات المجتمع السعودي، أشهد أن الشعب السعودي هو شعب نبيل بكل معنى الكلمة. كغيره من الشعوب العربية، يتميز بالكرم، الشهامة، والضيافة. هذه القيم ليست مجرد كلمات جوفاء، بل هي جزء لا يتجزأ من الهوية السعودية. نعم، مثل أي مجتمع آخر، هناك تحديات وسلبيات، ولكن أن يتم التركيز على تلك السلبيات وتصويرها كحقيقة مطلقة هو ظلم كبير لشعب بأكمله.
الفيلم استخدم نظام الكفالة كأحد أبرز محاور النقد، وركز بشكل مبالغ فيه على حالات استثنائية لإظهار السعودية وكأنها دولة قمع واستغلال. في الواقع، نظام الكفالة خضع لتطورات كثيرة عبر السنوات، وقد تم تعديل الكثير من القوانين لتحسين أوضاع العمالة الوافدة وحمايتهم من الاستغلال. ومع ذلك، الفيلم فشل في تسليط الضوء على تلك التحسينات، وبدلاً من ذلك اختار أن يسرد رواية مشوهة ومبالغ فيها.
نشأة نظام الكفالة وتطوره
نظام الكفالة كان يهدف في بداياته إلى تنظيم العلاقة بين العامل والكفيل بطريقة تضمن حقوق الطرفين. وكأي نظام، شهد على مر السنوات بعض الحالات الفردية التي تم فيها استغلال النظام لصالح الكفيل، ولكن هذه الحالات كانت ولا تزال نادرة جدًا. قبل الإصلاحات الحديثة التي شملت الانفتاح الاقتصادي و"الافصاح المالي"، كان هناك عدد قليل من الحالات التي شملت التستر التجاري أو الاستحواذ غير المشروع على أموال العاملين. هذه الحالات لم تكن سوى استثناءات وليست القاعدة.
إن تطرقي لهذا الجانب ليس مجرد دفاع، بل هو شهادة حقيقية عن واقع عاصرته بنفسي. كنت ناشطاً في أوساط الجاليات الأجنبية في السعودية، وتابعت عن كثب تفاصيل العمل بنظام الكفالة وكيف تطورت الأمور على مر الزمن. كانت هناك جهود حكومية متواصلة لتحسين الوضع وحماية حقوق الجميع. هذا التطور ساهم بشكل كبير في تقليص المشاكل التي كانت تُعتبر نادرة أصلاً.
تشويه مقصود أم نقد غير موضوعي؟
من الواضح أن "حياة الماعز" جاء بنية واضحة لتشويه الصورة العامة للمجتمع السعودي والعربي. مثل هذه الأفلام غالبًا ما تعكس نظرة سطحية وغير دقيقة، متجاهلة بذلك الواقع الحياتي المعقد والمتنوع. السعودية ليست مجرد قصة تُروى من خلال فيلم يعرض حالات محددة ويعممها على مجتمع كامل، بل هي دولة ذات تاريخ طويل وثقافة غنية تمر بتحولات اجتماعية واقتصادية كبيرة.
من السهل أن نقع في فخ الرؤية الأحادية عند تناول مواضيع حساسة مثل العلاقات بين الكفيل والعامل، ولكن من الضروري أن نتذكر أن الواقع أكثر تعقيداً. السعوديون، مثلهم مثل أي مجتمع آخر، يواجهون تحديات، لكنهم في الوقت ذاته يتمتعون بسمات لا يمكن إنكارها: الكرم، الوفاء، والشهامة. هذه القيم لا يجب أن تُختزل في مشاهد مبالغ فيها أو قصص مبنية على الاستثناءات بدلاً من القاعدة.
خاتمة
في الختام، يجب أن نؤكد أن النقد الفني والسينمائي يجب أن يكون بناءً وموضوعياً. الأفلام التي تهدف إلى تقديم رؤية نقدية عن أي مجتمع يجب أن تكون منصفة، وأن تعتمد على فهم عميق للحقيقة. فيلم "حياة الماعز" هو مثال واضح على كيفية استغلال السينما لتشويه صورة شعب بأكمله بناءً على سرد غير دقيق. بالنسبة لي، كشخص عاش وعاصر الواقع السعودي بجميع جوانبه، أستطيع القول بثقة أن هذا الفيلم لا يعكس الحقيقة.
من المهم أن نتذكر أن السعودية اليوم تتغير وتتطور، وأن تلك التغيرات تعكس رغبة حقيقية في تحسين أوضاع الجميع داخل المجتمع، سواء كانوا مواطنين أو وافدين. الأفلام التي لا تعترف بهذه الحقائق ولا تعرض الصورة كاملة إنما تُسيء ليس فقط للسعودية، بل للجمهور العالمي الذي يستحق معرفة الحقيقة كاملة.
مقبول الرفاعي .
*الأمين العام للمجلس الأعلى للجاليات اليمنية حول العالم .
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news