يمن ديلي نيوز
– خاص في الوقت الذي كان العريس “محمد حسن مقبل”، ينتظر وصول عروسته، كان غارقا في تفكيره، ليس بحثا عن فندق أو منتزه ليقضي فيه شهر العسل، بل كان مهموما بجلسة الغسيل الكلوي التي من المقرر أن يجريها بعد يومين فقط من زفافه.
لن يذهب العريس محمد هذه المرة الى المستشفى للغسيل بمفرده، ستكون زوجته برفقته، هي أيضا مصابة بالفشل الكلوي، ولديها موعد جلسة أيضا.
حفلة زفاف متواضعة تنقصها كل مظاهر العرس والفرحة الا بحدها الأدنى، فلا صالة، ولا فرقة تزف العريسان، عندما ذهب محمد لصالون الحلاقة كان على متن دراجة نارية لأحد أصدقائه.
قبل نحو 5 سنوات، ساءت الحالة الصحية لـ محمد (22 عاما)، تورم جسده، وبدأ تدريجيا بفقدان بصره، فغادر قريته بمنطقة خولان مذيخرة، نحو العاصمة صنعاء للعلاج، وهناك أبلغه الطبيب أنه مصاب بالفشل الكلوي.
منذ ذلك الحين، لم يتمكن من مغادرة صنعاء، يسكن في سكن تابع لجمعية خيرية، كونه يحتاج إلى ثلاث جلسات أسبوعيا، واحدة منها اضطراري، كما يقول الطبيب إبراهيم.
مع استمرار الجلسات خلال تلك الفترة، تعرف عليه الأطباء المشرفين على جلسات الغسيل في مركز الغسيل الكلوي بالمستشفى الجمهوري بالعاصمة صنعاء، فأعجبوا بأخلاقه وأدبه وعزيمته، وكفاحه في الحياة، فقرروا أن يقترحوا عليه فكرة الزواج.
في حديثه لـ “يمن ديلي نيوز” يقول الطبيب إبراهيم الشريف، “إن الهدف من الفكرة جبرا لخواطرهما، ويسعدا في الحياة، فالحياة لا تتوقف عند المرض”.
وأضاف: الحياة لا تقف إذا أصيب أحدنا بالفشل الكلوي، ويجب تغيير نظرة المجتمع نحو مرضى الفشل الكلوي، حين يتقدمون للزواج.
فكرة العرس
وعن فكرة العرس وأسبابها ولماذا وقع اختيارهم كأطباء على الشاب محمد وعروسته، يقول الطبيب إبراهيم: هناك من يرفض زواجهم، والحياة والموت بيد الله”.
وتابع القول: هناك عشرات الحالات من المصابين بالفشل، يعملون ويمارسون حياتهم ويؤدون أعمالهم ولم تتوقف حياتهم، من بينهم رجال أعمال على مستوى الجمهورية.
العريس الذي لم يكن مصدقا عندما تحدث معه الطبيب، ربما اعتقد أنه يمزح، ليخفف عنه آلام الجلسة، وعندما تيقن أن الطبيب جاد في حديثه واقترح له فتاة، تتشارك معه نفس الصفات في الخلق والأدب والمعاناة أيضا، فهي تغسل في المركز نفسه.
تنتمي العروس إلى محافظة ريمة، وقد أصيبت بنفس المرض.
بسبب وضعه الصحي والمادي، رفض “محمد حسن” الفكرة، فهو كما يقول، شخص مريض، ولا يستطيع العمل، وليس من المعقول أن يزيد فوق هذا تحمل مسؤولية زوجة وبيت.
كما أن حالة أسرته المادية صعبة ولا يمكن ان يضيف عبئا جديدا على والده وإخوته الصغار الذين يعملون لتوفير قيمة علاجه.
مع إصرار الطبيب “إبراهيم الشريف”، على موضوع الزواج، كما أبدى استعداده لتحمل الجزء الأكبر من تكاليف العرس، وقال له “لا تهم.. سنعمل جهدنا” وهو ما كان بالفعل.
ينطبق على الأطباء العاملين، في مركز الغسيل الكلوي بالمستشفى الجمهوري، بصنعاء، صفة “ملائكة الرحمة”، بحسب مرضى في المركز.
على رأس تلك الكوكبة الدكتورة “هدى الحبري” رئيس المركز، والتي كان لها دورا كبيرا في التعاون مع الشابين فقد شجعتهما وقدمت لهما الدعم النفسي والمعنوي.
يتردد على المركز نحو 330 مصابا بهدف الغسيل، ما يظهر حجم الضغط الكبير على المركز، وعلى الطاقم العامل فيه.
ما يميز الطبيب “الشريف” منحه المرضى الأمل، وبث المعنوية في نفوسهم، قال بصوت باش “الدعم النفسي نصف الشفاء وهو ما يجب أن يُـقدم للمرضى”.
يتابع إبراهيم الحديث.. “عندما كنا نقنعهما رفعنا من قيمتهما كأنهم مش مرضى، “أنت شاب وانتِ بنت شابة، ويجب أن تعيشا حياتكما.. الخ”، ليتم بعدها التنسيق والترتيب مع أسرة الفتاة، كما تم تحديد موعد الخطوبة”.
تكفل الدكتور إبراهيم، وزميله الدكتور حسن الحجري، وعرفات الصبري، بتكاليف الخطوبة، وأقاموا حفلة متواضعة، وتم الاتفاق على باقي التفاصيل، كما تم تحديد العرس بعد عشرة أيام فقط من الخطوبة.
بذل الأطباء الثلاثة جهدا بدنيا وماليا ومعنويا، لإنجاح العرس، أحيانا من فاعلي خير وأحيانا من جيوبهم.
تعاملوا وكأنه عرس أبنائهم، هم يشعرون كذلك كونهما مرضى وبحاجة إلى مساندة، وفعلوا كل جهدهم لإدخال السرور عليهما.
لا يمتلك والد العريس، مصدر دخل مستقر، واضطر للسكن في صنعاء بسبب المرض، ما ضاعف من معاناة الأسرة.
في حديثه لـ “يمن ديلي نيوز” قال والد العريس: إن الدكتور “إبراهيم” هو من طرح فكرة الزواج، ووضحت له، بأننا بالكاد نتحمل تكاليف العلاج، وهو من تواصل مع أسرة العروسة واقنعهم، والحمد لله تم العرس”.
يقول العريس إن خاله وبعض الأقارب ساهموا في دفع جزء من المهر، وتكاليف العرس، في حين تحمل ديون بمبلغ 130 الف ريال.
استأجر محمد منزلا في حي “السنينة” بمبلغ 30 الف ريال، يقول إن فاعل خير دفع ايجار شهرين مقدما.
الحالة الثانية
هذه هي الحالة الثانية، من زواج مصابين، كانت فكرة الدكتور، مبروك الواصلي، وبحث لهما عن دعم لزواجهما، يقول الأطباء في المركز “إنهم يسيرون على خطاه”.
قبل أشهر توفي الدكتور الواصلي، رحمه الله، وترك حزنا عميقا في نفوس زملائه وكذلك المرضى الذين يعرفونه، كونه كان الأقرب لهذه الشريحة، فقد كان دائما ما يبحث لهم عن دعم من فاعلي خير يتمثل في كسوة، أو سلة غذائية وغيرها من الاحتياجات الأساسية.
وعلى الرغم من الفرحة التي يعيشها العريس محمد وزوجته، لكنها فرحة منقوصة، بسبب المرض وانعدام فرصة عمل مناسبة لـ محمد.
يقول محمد، إنه وبسبب الجهاز المثبت بيده للغسل، لا يستطيع العمل، وممنوع من حمل ولو ما وزنه 2 كجم، لما يمثل ذلك من خطورة عليه.
يأمل محمد أن يحصل على “تاكس” أو “باص” صغير ليتمكن من العمل، فهي الوسيلة المناسبة له بسبب اصابته ومرضه، ليتمكن من توفير الحد الأدنى من احتياجات أسرته وكذلك لسهولة التواصل وحضور جلسات الغسيل مع زوجته.
مرتبط
الوسوم
عريسان مصابان بالفشل الكلوي - صنعاء - مركز الغسيل الكلوي
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news