رحى الحرب الحوثية منذ عقد لم تمنع اليمن من تحسس طريق مواكبة علوم الذكاء الاصطناعي، على الرغم من انعدام الإمكانيات وتحديات الواقع المرير.
بعيداً عن السباق الدولي في الاستثمار في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والإمكانيات الضخمة المسخرة لهذا المجال، يقف اليمن في أقصى طريق البدايات، بتجربة مختلفة تُمهد لتغيير الفكر التعليمي في البلاد وتأهيل الطلاب والكوادر والتفتيش عن المواهب والعقول.
تعتزم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا تشييد وحدة ضمن مناهج التعليم في الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، على أن تستمر الأجهزة التربوية خلال هذه المرحلة في دمج مفاهيم الذكاء الاصطناعي من خلال الأنشطة اللاصفية (النشاطات التي يمارسها الطلبة خارج الغرفة الصفية، والمكملة للمنهج).
ووفقا لمكتب التربية العربي لدول الخليج فإن تجربة اليمن في الذكاء الاصطناعي ترتكز على جهود الأجهزة التربوية في وزارة التعليم المعترف بها الداعمة للمناهج الدراسية الخاصة بتوضيح مفاهيم الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المختلفة، لا سيما في مجال علم الروبوتات.
ومنذ عام 2009 بدأت وزارة التربية والتعليم اليمنية بتخصيص دروس في مادة الروبوت في بعض المدارس الخاصة والحكومية، وعملت على تأهيل المعلمين بدورات تدريبية في ذات المجال، وانخرطت بفاعلية في المسابقات والمعارض الدولية وأقامت عدة بطولات بعدن وحضرموت وصنعاء.
وهدمت الحرب الحوثية أواخر 2014 كل هذه الجهود، إلا أنها عادت في السنوات الأخيرة من عدن وحضرموت عبر تشجيع طلاب المدارس على المزيد من الابتكارات في مجالات الروبوت والذكاء الاصطناعي.
وتوج ذلك بفوز مشاريع طلابية في مسابقات عربية ودولية، أبرزه مشروع البوابة الروبوتية الذكية لمكافحة فيروس كورونا.
كما بدأت السلطات اليمنية منذ أواخر 2023 ترتيبات لإنشاء جامعة تعاونية متخصصة في الذكاء الاصطناعي بدعم كويتي، كأول مشروع من نوعه في البلاد، لإحداث نقلة نوعية في مخرجات التعليم التكنولوجي في تقنية المعلومات، والذكاء الاصطناعي، والروبوت، والإدارة.
وحول خطط وزارة التربية والتعليم اليمنية في هذه المجالات، أجرت “العين الإخبارية” مقابلة مع مسؤولة التعليم الإلكتروني في البلاد ناهد عمر سالم، للحديث عن مدى تطبيق هذه العلوم في المدارس وأهمية تغيير الفكر التعليمي تماشيا مع التوجه العالمي في تعليم الذكاء الاصطناعي.
من الأنشطة اللاصفية إلى المناهج
وأكدت مديرة الإدارة العامة للتعليم الإلكتروني في وزارة التربية والتعليم ناهد عمر سالم أن الحكومة المعترف بها دوليا حرصت على تدشين قسم خاص في الذكاء الاصطناعي تحت إدارة البرمجة التابعة لإدارة التعليم الإلكتروني في قطاع المناهج والتوجيه، وبات هناك في كل المحافظات أقسام في مكاتب الوزارة مختصة في هذه المجالات.
وأوضحت أن هذه الأقسام تعمل حاليا بوظائف “تنظيم الأنشطة والفعاليات الوطنية في مجال الذكاء الاصطناعي والإشراف على الفرق والمنتخبات الوطنية المشاركة في الفعاليات والأولمبيادات العربية والعالمية”.
وأشارت المسؤولة اليمنية التي تقود أحد أهم الأجهزة التربوية إلى أن مهمة دمج مفاهيم التعليم الإلكتروني والذكاء الاصطناعي في المناهج التعليمية في البلاد تتم خلال هذه المرحلة من خلال الأنشطة اللاصفية، كتكوين أندية البرمجة وأندية الروبوت والذكاء الاصطناعي وتنظيم المسابقات والأولمبياد الوطنية في مجالات الذكاء الاصطناعي المختلفة والمشاركة في مسابقات وأولمبياد الذكاء الاصطناعي العربية والعالمية.
وكشفت سالم أن وزارة التربية والتعليم اليمنية تخطط لإضافة “وحدة ضمن مناهج التعليم في الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته” بهدف تغيير الفكر التعليمي في هذه المجالات ذات المستقبل الواعد.
حواضن تعليمية
وأكدت المسؤولة اليمنية وجود “تطبيق ملحوظ في العديد من المدارس في المحافظات المختلفة في علوم الذكاء الاصطناعي، وهناك توجه إيجابي من قبل الإدارات المدرسية نحو إيجاد بيئات تعليمية وحواضن للطلاب متمثلة في مختبرات/معامل الذكاء الاصطناعي ليمارس الطلاب هذه التطبيقات”.
وأشارت إلى أن التوجه التعليمي في هذه المجالات أسهم في خلق وجود “جماعات للروبوت والذكاء الاصطناعي من مختلف محافظات الجمهورية لها العديد من المشاركات العربية والعالمية في مجال الروبوت والذكاء الاصطناعي”.
تحديات البنية التحتية والإمكانيات
لكن ووفقا لمسؤولة التعليم الإلكتروني في البلاد فإن هناك العديد من التحديات أمام التنفيذ الأمثل لمناهج الذكاء الاصطناعي والتعليم الإلكتروني في اليمن، أبرزها “البنية التحتية في هذه التخصصات والإمكانيات في البلاد ككل”.
كما عددت تحديات أخرى إلى جانب البنية التحتية وعدم جود معامل للحاسوب حديثة، وتتمثل بـ”عدم وجود مختبرات للذكاء الاصطناعي في أكثر المدارس الحكومية للظروف التي تمر بها البلد” من حرب حوثية مدمرة.
ورغم ذلك، وفقا لناهد عمر سالم، فإن وزارة التربية والتعليم في الحكومة المعترف بها تسعى “بكل ما أوتينا من قوة من خلال علاقاتنا مع الشركاء من مؤسسات مانحة ومؤسسات تعليمية، تنفيذ عدد من المشاريع في هذا المجال بتمويل من مؤسسات وطنية وأجنبية مانحة”.
وأضافت “على الرغم من أن هذه المشاريع لم تصل إلى التطلعات التي رسمناها فإن خططنا في الفترات المقبلة “نشر هذه الثقافة وهذه التقنية في مختلف المحافظات، كما نخطط في السنوات المقبلة إقامة مسابقات وأولمبياد نوعية على غرار المسابقات العربية والعالمية” لتشجيع الطلاب وإبراز المواهب الصاعدة والعقول الواعدة.
آفاق وتوقعات وآمال
وبشأن الترتيبات الخاصة بتشييد أول جامعة متخصصة في الذكاء الاصطناعي، قالت المسؤولة اليمنية إن “مثل هذه المشاريع تساعد على نشر هذه الثقافة التكنولوجية العصرية وتفتح آفاقا للطلاب المهتمين بعلوم الذكاء الاصطناعي والتحضير والاستعداد للالتحاق بهذه التخصصات والتميز فيها”.
وأضافت أن “وجود مثل هذه الجامعة يضيف قناة تواصل وشراكة جديدة بين وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي للاستفادة من هذه الجامعات التخصصية في تنفيذ الأنشطة والبرامج التي تخص الذكاء الاصطناعي”.
وتوقعت سالم “مستقبلا مشرقا” في تعليم الذكاء الاصطناعي في البلاد، لكن ذلك مرهون “بنفض عناء وغبار الحرب ووضع القلم مكان السلاح والبندقية”، مشيرة إلى التجربة المشرفة لليمن في هذا المضمار رغم الحرب الحوثية من خلال البطولات الوطنية والمشاركة في الأولمبيادات والمسابقات العربية والعالمية في مجال الذكاء الاصطناعي.
وكان آخر ذلك “المشاركة في الهاكثون الخليجي للذكاء الاصطناعي في التعليم، إذ أكمل طلابنا قبل أيام المعسكر الخليجي للذكاء الاصطناعي، وتأهل 5 منهم إلى الهاكثون الخليجي المقرر انعقاده مطلع سبتمبر/أيلول المقبل في العاصمة البحرينية المنامة”، وفقا للمسؤولة اليمنية.
وأعربت سالم عن آمالها من وجود تعاون عربي ودولي يسمح لبلادها التي تطحنها حرب الحوثي النهوض في مجالات الذكاء الاصطناعي عبر تطوير منظومة التعليم وتشجيع المواهب والاستثمار في العقول والبنية التحتية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news