من الطبيعي أن يتضمن أي مجتمع فئات متنوعة ومختلفة، لكن من غير الطبيعي أن يتم توظيف تنوع فئات مجتمع ما لزعزعة السلم الاجتماعي. ومن المؤسف أن يساعد بعضنا – ربما من غير قصد- أعداء القضية الجنوبية على النيل ممّا تم تحقيقه من إنجازات وإعادتنا إلى شرك 13 يناير 1986 المشؤوم، وتوظيف كل صغيرة وكبيرة لزعزعة السلم الاجتماعي في بلادنا ودفعنا للتناحر فيما بيننا ليتمكن أعداؤنا من الانقضاض علينا بسهولة.
ومن المؤسف أن نلاحظ هذه الأيام، انتشار سريع لخطابات التحريض المروجة للكراهية والتمييز المناطقي أو العرقي أو العنف ضد الأفراد أو الجماعات على أساس سمات معينة كالجنس والأصل والمنطقة والعرق والجنس والدين أو المعتقدات الأخرى. ولا تقتصر خطابات التحريض المتبطنة للكراهية على التصريحات اللفظية العامة، فهي تتضمن أيضا الكتابات في وسائل الإعلام المختلفة والتواصل الاجتماعي والكتب والرسومات واللوحات والصور والأفلام والرسوم المتحركة والملصقات في الأماكن العامة وما إلى ذلك.
وفي الحقيقة يتعارض التحريض وخطاب الكراهية مع القيم الأساسية للمجتمعات لأنه يشجع على التعصب والعنف ضد الآخرين. ومن واجب الدولة حماية حقوق وكرامة جميع أفراد المجتمع والحفاظ على السلم الاجتماعي. وللقيام بذلك، وضعت القوانين اللازمة لمنع خطاب الكراهية والتعصب والتمييز.
ومن المعلوم أن مبادئ ديننا الإسلام تنبذ خطاب الكراهية، وقوانين حقوق الإنسان ووثائق الأمم المتحدة التي تؤكد جميعها إلى ممارسة خطاب أكثر إيجابية ونقاء. وفي مصر يتضمن قانون العقوبات موادا واضحة لمواجهة كل الأعمال التحريضية على الدولة بالعنف وتهديد السلم الاجتماعي في ظل تحريض عدد من الجماعات بسلوكها وبخطاباتها التحريضية في الساحات والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، وتحديدا الداعية للعنف ضد الدولة وبعض الرموز، والتي تمولها جماعات إرهابية ومراكز نفوذ سياسية خارجية.
وعلى الرغم من أن التحريض الداعي للكراهية ينتهك مبادئ حرية التعبير، فهناك من يعتقد أن لمحرضين والمروجين لخطاب الكراهية يتمتعون بحصانة معينة ومحميون بعدم الكشف عن هويتهم، وهذا المنطق غير صحيح، إذ يمكن للسلطات اتخاذ التدابير اللازمة لمكافحة خطاب الكراهية المنتشر عبر الاعلام والإنترنت.
وبالنسبة للقانون، يعد التحريض المتضمن خطاب الكراهية جريمة جنائية يمكن منعها والمعاقبة عليها من قبل الدولة. وتسمح قوانين معظم الدول بمعاقبة خطاب الكراهية بغرامة والحرمان من الحرية. وبالإضافة إلى هذه العقوبات، يجوز للمحكمة، في ظروف معينة، أن تحرم الشخص من حقه في أن ينتخب وأن يشغل منصبا قضائيا أو أن يمثل طرفا أمام المحكمة، لمدة تصل إلى خمس سنوات. يمكن للمحكمة أيضا أن تأمر بإزالة المنشور الذي يحتوي على خطاب الكراهية.
وتظل حرية الرأي والتعبير، في الواقع، حجر الزاوية في حقوق الإنسان وأساس المجتمعات الحرة والديمقراطية. وهي تضمن حقوقا أساسية أخرى، مثل الحق في التجمع السلمي، والحق في المشاركة في الشؤون العامة، وحرية الدين. ومما لا شك فيه أن وسائط الإعلام الرقمية، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، قد عززت الحق في الوصول للمعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها. لكن خطاب الكراهية لا تحميه حرية التعبير وهو جريمة جنائية يمكن منعها أو المعاقبة عليها قانونا. ويتعارض التحريض المتبطن لخطاب الكراهية مع القيم الأساسية للمجتمعات بشكل عام، بما أنه يدعو أو يبرر التعصب تجاه أشخاص معينين على أساس أنه ينبغي معاملتهم معاملة أقل تفضيلا بسبب سمات معينة. لذلك يعد خطاب التحريض الكراهية سوء استخدام لحرية التعبير، ومحظور بموجب المادة 17 من اتفاقية حقوق الإنسان. والواقع أن المادة 17 تدخل حيز التنفيذ عندما يسعى مقدم الطلب إلى تحويل مادة من مواد الاتفاقية عن غرضها الحقيقي بالاعتماد على الحق الذي يكفله لتبرير أفعال مخالفة للاتفاقية أو تتنافى مع الديمقراطية و/أو القيم الأساسية الأخرى للاتفاقية. وهناك من يرى اليوم ضرورة حماية حرية التعبير من الرقابة من قبل الدول أو الشركات الخاصة لمواجهة الجهود المبذولة للحد من خطاب الكراهية، وخاصة عبر الإنترنت.
شارك هذا الموضوع:
Tweet
المزيد
Telegram
معجب بهذه:
إعجاب
تحميل...
مرتبط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news