بكثير من اللهب والدخان، عاش ميناء الحديدة أحد أصعب فتراته منذ سنوات، في أعقاب مشاركة قرابة 20 طائرة إسرائيلية من نوع
F15
في قصفه أمس السبت 20 يوليو/تموز الجاري.
ويظهر في مقاطع الفيديو التي كشفت حجم لهيب النار والدخان الكثيف، أن إسرائيل تعمدت قصف مخازن ومستودعات النفط والمشتقات التابعة لميناء الحديدة، ما يضعها أمام صعوبات إضافية في تلبية الحاجة المتزايدة على الوقود في البلاد.
كما تعرضت مكاتب المنشآت النفطية إلى القصف الإسرائيلي، إلى جانب واحدة من أهم محطات توليد الكهرباء التابعة لمدينة الحديدة، في تصعيد خطير للظروف الإنسانية الصعبة.
كذلك، تعرض 12 مستودعا في الميناء إلى القصف الجزئي والكلي، وهي مستودعات بمساحة إجمالية تتجاوز مليون متر مربع، بحسب بيانات تاريخية للحكومة اليمنية، تعود لعام 2010.
الميناء الخاضع لسيطرة جماعة الحوثي منذ عام 2014، يقع غربي اليمن، ويعتبر أحد أبرز موانئ البحر الأحمر، والشريان الرئيس لدخول المساعدات والبضائع إلى البلاد.
القصف الإسرائيلي للميناء، جاء لما قالت حكومة بنيامين نتنياهو، إنه رد على قصف جماعة الحوثي، مدينة تل أبيب بمسيرة، يوم الجمعة 19 يوليو/تموز الجاري، وأسفر عن قتيل وعدة إصابات.
وحسب هيئة البث الإسرائيلية، الجمعة، فإن إسرائيليا قتل وأصيب 10 آخرين في هجوم المسيرة التي سقطت على بعد مئات الأمتار من سفارة الولايات المتحدة بتل أبيب.
والأحد، دعا رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، إلى تدمير ميناء الحُديدة غربي اليمن "بشكل كامل"، معتبرا أن الهجوم الذي نفذته جماعة الحوثي الجمعة ألحق "أضرارا هائلة" باقتصاد إسرائيل.
الموقع والنشأة
أُنشئ ميناء الحديدة عام 1961 في منتصف الساحل الغربي لليمن -المطل على البحر الأحمر- بالتعاون مع الاتحاد السوفياتي السابق، بدأ بـ3 أرصفة إجمالي طولها 410 أمتار، وبعمق 8 أمتار، وكان عبارة عن طريق مفتوح تضطر السفن إلى تفريغ حمولاتها فيه على مراكب شراعية صغيرة.
حظي الميناء بعد قيام الثورة اليمنية عام 1962 باهتمام القيادة السياسية التي عملت على تطويره وتوسيعه، وبحلول عام 2014 أصبح يضم 8 أرصفة و12 مستودعا لتخزين وحفظ البضائع التي لا تتحمل حرارة الشمس والرطوبة، ويعد ثاني ميناء رئيسي باليمن.
وقد بلغت مساحته البرية الداخلية نحو 7.5 ملايين متر مربع، أما المساحة المائية فتبلغ حوالي 307 ملايين و455 ألفا و726 مترا مربعا.
يتميز موقع الميناء بأنه غير معرض للرياح الموسمية، وبقربه من الخطوط الملاحية العالمية، كما أنه محمي حماية طبيعية من الأمواج والتيارات المائية.
الأهمية
ميناء الحديدة أكبر موانئ اليمن على البحر الأحمر، ويحتل مركزا مهما في المحافظة وما حولها، ويُشكل قيمة اقتصادية كبيرة جدا للبلاد، وذلك لاستقباله شتى الواردات وسفن الركاب والسياح.
وارتفعت قيمة الميناء بعد تطوير الاتحاد السوفياتي له، إذ أصبح بإمكانه استيعاب السفن التي تصل حمولتها إلى 31 ألف طن، مقارنة بالميناء القديم الذي كان يستوعب قرابة 100 إلى 150 طنا من الشحنات يوميا لا أكثر.
وتقع غرب مدينة الحديدة -التي تؤوي الميناء- خطوط الملاحة العالمية المستخدمة في نقل البضائع بين أوروبا وآسيا وأفريقيا عبر قناة السويس، وشمال ميناء الحديدة تقع محطة رأس عيسى النفطية، وتستمد المحطة النفط من محافظة مأرب، وتصدر 125 ألف برميل في اليوم.
ويزيد على أهمية الميناء الإستراتيجية كونه غير معرض للرياح الموسمية، إلى جانب كونه محميا بشكل طبيعي من الأمواج والتيارات البحرية، ويعدّ الممر الأول إلى كل الجزر اليمنية المهمة، ومنها جزيرة حنيش الكبرى والصغرى وجبل صقر الذي يرتفع أكثر من 3700 قدم عن مستوى البحر.
عسكرة الميناء
وبرزت أهمية ميناء الحديدة منذ بداية الحرب في اليمن عام 2015، إذ كان المعبر الرئيسي للمساعدات الإنسانية، وكانت مدينة الحديدة من أوائل المدن التي سيطرت عليها مليشيات الحوثي بعد سيطرتها على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014.
ومن حينها يحذر مسؤولون حكوميون مرارا وتكرارا من استغلال المليشيا لهذا المنفذ البحري الهام في تعزيز قدراتهم القتالية، سواء من خلال تدفق الأسلحة الإيرانية؛ أم بالحصول على عائدات مالية كبيرة جراء الرسوم المفروضة على الشحنات التجارية القادمة عبره، والمقدرة بـ80% من حجم الواردات إلى اليمن، فضلا عن استحواذهم على المعونات الدولية المقررة لليمن.
وكانت القوات الحكومية اليمنية وبدعم من التحالف العربي قد نجحت عام 2018 في الوصول إلى مشارف الميناء الحيوي، ضمن عملية لقطع الحبل السري للمليشيات الانقلابية، لكن الأمم المتحدة والغرب وقفا بقوة ضد استمرار العملية العسكرية لتحرير ميناء الحديدة، الذي كان في مرمى نيران القوات الشرعية عقب تهديدات حوثية بتفخيخه، وهو ما أثار مخاوف دولية من تدمير المركز التجاري الرئيسي في البلاد، الذي كان قبل انقلاب الحوثي يستقبل 90 في المئة من وارداتها.
ودفع الضغط الأممي والغربي الذي رافقه مبررات كثيرة، الحكومة اليمنية ومليشيات الحوثي للجلوس على طاولة مفاوضات في السويد، ووقع بعد أيام اتفاق ستوكهولم أواخر 2018، وقد نص على وقف إطلاق نار والعمل على انسحاب القوات الحكومية والمليشيات الحوثية من الموانئ والمدينة وتسليمه لقوات محلية.
لكن مليشيات الحوثي رفضت تنفيذ أي بند في الاتفاق الأممي بما في ذلك الخاص بميناء الحديدة القاضي بفتحه مقابل تسليم رواتب موظفي الدولة التي أوقفتها المليشيات بعد الانقلاب. كما اجتاح الحوثيون نحو 80 كليومترا من الشريط الساحلي عقب انسحاب القوات المشتركة للشرعية في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
كما فرض الحوثيون قيودا مشددة أمام حركة بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة، ولم يتم تمكينها من ممارسة مهامها وفق اتفاقية ستوكهولم 2018، وهو ما جعل الميناء محل نزاع دائم طيلة عقد من الحرب.
ويؤكد مسؤولون حكوميون أن مليشيات الحوثي تحصل مليارات من السفن النفط التي تصل إلى ميناء الحديدة وحدها منذ فتحه بالكامل بموجب الهدنة في أبريل/نيسان 2022.وفي مايو/أيار الماضي، قالت الحكومة البريطانية إنها سجلت وصول قرابة 500 حمولة شاحنة من المواد غير الخاضعة للتفتيش إلى ميناء الحديدة الخاضع للحوثيين منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وفي نوفمبر الماضي، أكد وزير الدفاع اليمني الفريق الركن محسن الداعري أن "عددا من السفن الإيرانية وصلت من ميناء بندر عباس مباشرة إلى ميناء الحديدة دون الخضوع للتفتيش"، معتبرا ذلك "تأكيدا على استمرار تدفق الأسلحة والخبراء الإيرانيين الذين يديرون معركة المليشيات الحوثية وعملياتها في البحر الأحمر".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news