الصلاة على النبي و(الآل) في التشهد والصلاة الإبراهيمية
من خلال استعراضنا لجميع صيغ التشهد عند الصحابة، كما مر بنا، لم نجد صيغة الصلاة على النبي والآل فيها جميعاً، وإن ذهب بعض العلماء في القول بذلك في مواضع أخرى، كأحمد بن حنبل في مسنده، وثبته الألباني في كتابه "صفة صلاة النبي"، ولا شك أن تطبيق الصحابة، في العبادات والأحاديث، هي الأولى بالاستشهاد والتطبيق والأخذ بها، وما بعدهم عبارة عن روايات وتأويلات يزاد بها وينقص، حسب فهمهم وتأويلهم للنصوص وليست تشريعات واجبة تؤخذ عنهم، وضعف بعض رواتها، وزيادة بعض ألفاظها بما يغير معنى الحديث بالكلية، ويشتت القارئ ويشوش ذهن المتتبع.
ونحن هنا سنعرض للصيغ المتعددة للصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم- كما وردت في كتب الحديث وعند كبار الأئمة والعلماء، وسنبين –لاحقاً- الزيادة والتقص فيها، وحشر الآل فيها، ومن هم الآل، وما تم عمله لهم من استحقاقات وغيرها..
صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
صيغ الصلاة على النبي عند البخاري
الحديث الأول:
جاء عند البخاري، حدثنا قيس بن حفص وموسى بن إسماعيل قالا: حدثنا عبدالواحد بن زياد، حدثنا أبو قرة مسلم بن سالم الهمداني قال: حدثني عبدالله بن عيسى، سمع عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: "لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي –صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: بلى فاهدها لي، فقال: سألنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقلنا: يارسول الله: كيف الصلاة عليكم أهل البيت، فإن الله قد علمنا كيف نسلم؟ قال: قولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد" (البخاري: ص832، رقم الحديث 3370، وقد قال علماء الجرح والتعديل إن عبدالله بن عيسى وهو حفيد عبدالرحمن بن أبي ليلى (ثقة فيه تشيع – موسوعة الحديث). وقد جاءت هذه الرواية خلافاً لبقية الروايات كلها، في ذكر (أهل البيت)، وفي رواية أخرى (إذا نحن صلينا في صلاتنا)..
الحديث الثاني:
حدثني سعيد بن يحيى، حدثنا أبي، حدثنا مسعر عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة –رضي الله عنه- "قيل: يارسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" ( البخاري: ص1206، رقم الحديث 4797).
اختلاف صيغة الحديث هذا عن الحديث الذي قبله، مع أن الراوي واحد، وهو ابن أبي ليلى، والمروي عنه واحد هو الصحابي كعب بن عجرة.
الحديث الثالث:
حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا الحكم قال: سمعت عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: "لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية؟ إن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج علينا (في الحديث السابق جاء اللفظ (قيل) بصيغة المجهول، وفي هذا الحديث يتحدث عن نفسه مباشرة (قلنا)!)، فقلنا يارسول الله، قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" ( البخاري: ص1584، رقم الحديث 6357، باب الصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم).
الحديث الرابع:
حدثنا إبراهيم بن حمزة، حدثنا ابن أبي حازم والدراوردي، عن يزيد، عن عبدالله بن خباب "عن أبي سعيد الخدري، قال: قلنا يارسول الله، هذا السلام عليك فكيف نصلي؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم"(البخاري: ص1585، رقم الحديث 6358).
وهنا أيضاً صيغة مختلفة -بعض الشيء- عن أحاديث كعب بن عجرة.
الحديث الخامس:
حدثنا عبدالله بن مسلمة، عن مالك، عن عبدالله بن أبي بكر، عن أبيه، عن عمرو بن سليم الزُّرقي، قال: "أخبرني أبو حميد الساعدي أنهم قالوا: يارسول الله، كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد"(البخاري: ص1585، رقم الحديث 6360).
وهذا الحديث يختلف كلياً عن صيغ الأحاديث الأخرى قبله، والأهم من ذلك كله نذهب إلى تطبيقات الصحابة عن كيفية هذه الصلاة، هل كانوا يصلون على (آل النبي) باعتبارهم علي وذريته أم لا؟!
وقد سقنا أمثلة كثيرة للصحابة أنفسهم، بمن فيهم فاطمة وعلي والحسن وعائشة وأبي بكر وعمر وغيرهم لم ترد تلك الصيغ في إلحاق الصلاة على الآل بالصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم.
ونجد أن صيغة الصلاة التي رواها أبو حُميد الساعدي هي الأصح لوجود قرينة كبيرة ودلالة أخرى عنده، وهي أنه أحفظ الصحابة بكيفية صلاة النبي –صلى الله عليه وسلم- كما رواها أيضاً، وجاء عند البخاري: حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثنا الليث عن خالد، عن سعيد، عن محمد بن عمرو بن حلحلة، عن محمد بن عمرو بن عطاء. وحدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب ويزيد بن محمد، عن محمد بن عمرو بن حلحلة، عن محمد بن عمرو بن عطاء: "أنه كان جالساً مع نفر من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم-، فذكرنا صلاة النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال أبو حُميد الساعدي: "أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته"( البخاري: صـ203، رقم الحديث 827، كتاب الأذان).
هناك حديث منسوب إلى ابن مسعود في الصلاة على النبي يتم الاستشهاد به من قبل الشافعي وغيره، وهو: "عن عبدالله بن مسعود: اللهم اجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين، محمد عبدك ورسولك؛ إمام الخير، ورسول الرحمة.
اللهم ابعثه مقاماً محموداً يغبطه فيه الأولون والآخرون.
اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد؛ وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد".
لكن هذا الحديث موقوف على عبدالله بن مسعود ولم يرفع للنبي –صلى الله عليه وسلم-.(الشفا بتعريف حقوق المصطفى: صـ563، تفسير ابن كثير: ج6، صـ462).
الصلاة على النبي عند مسلم
جاء في صحيح مسلم أن أبا مسعود الأنصاري قال: أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله –تعالى- أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك؟
قال: فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم"( صحيح مسلم: رقم الحديث 65، صـ305، والموطأ: ج1/234).
وفي حديث آخر، حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار (واللفظ لابن المثنى) قالا: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن الحكم، قال: سمعت ابن أبي ليلى (هو عبدالرحمن ابن أبي ليلى، قال عنه رجال الحديث: ثقة، وهنا يتم الخلط بينه وبين ابنه محمد بن عبدالرحمن- الذي قال عنه رجال الحديث: سيئ الحفظ، [وقد روى] عن داود بن علي - وهو ابن عبدالله بن عباس الهاشمي- روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يخطئ، وقال الإمام الذهبي: وليس حديثه بحجة (هامش مسند الإمام أحمد: ج4/52، ط مؤسسة الرسالة. قال أحمد: كان يحيى بن سعيد يضعف ابن أبي ليلى. قال أحمد: كان سيئ الحفظ، مضطرب الحديث، وكان فقهه أحب إلينا من حديثه. وقال أيضا: هو في عطاء أكثر خطأ. وروى أحمد بن زهير، عن يحيى بن معين قال: ليس بذاك. أبو داود: سمعت شعبة يقول: ما رأيت أحدا أسوأ حفظا من ابن أبي ليلى (سير أعلام النبلاء: ج6/311)، وقد قال فيه الألباني: صدوق سيئ الحفظ. وقد اضطرب الأمر على مراجع رجال الحديث في شأن مولد الأب والإبن؛ فقالوا مولد الأب سنة 69هـ والإبن سنة 74هـ وجعلوا بينهما خمس سنوات فقط!)، قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية؟ خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلنا قد عرفنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟
قال: "قولا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد".(صحيح مسلم: ص305، رقم الحديث 66).
وقال: حدثنا زهير بن حرب وأبو كريب قالا: حدثنا وكيع عن شعبة ومسعر عن الحكم بهذا الإسناد، مثله. وليس في حديث مسعر: ألا أهدي لك هدية (صحيح مسلم: صـ305، رقم الحديث 67).
وقال أيضاً: حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير، حدثنا روح وعبدالله بن نافع، وحدثنا إسحاق بن إبراهيم (واللفظ له) قال: أخبرنا روح عن مالك بن أنس، عن عبدالله بن أبي بكر، عن أبيه، عن عمرو بن سليم، أخبرني أبو حُمَيد الساعدي؛ أنهم قالوا: يارسول الله، كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم. وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد" (صحيح مسلم صـ306، رقم الحديث 69، الموطأ، صـ234، رقم الحديث 456، دار الغرب الإسلامي، ط2، 1417هـ - 1997م).
مع أن هناك أحاديث أخرى لا تلحق (الآل) بهذه الصلاة، ولها قرائن وأدلة أنها أصح من الحديثين السابقين، كما سنبينها بالتفصيل في مواضعها – إن شاء الله.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news