(1) القرية وتحولات تعز
من مواليد قرية ذي الجُمال بمنطقة قدس مديرية المواسط محافظة تعز في العام 1951، وهذه القرية تقع في حدود منطقة بني يوسف بالقرب سوق حوبان قدس الشهير الذي كان ولم يزل مركزا نشطا لبيع القات الذي تشتهر به المنطقة، ومثل كل أطفال الريف في ذلك الوقت عاش عبد السلام حياة الكفاف يساعد أسرته الفلاحية في الرعي وحراسة الحقول والتعلم في كتاب القرية وأيضاً على يد والده الذي كان أحد وجهاء القرية.
انتقل إلى تعز في العام 1959 برفقة والده حيث أقام لفترة قصيرة في المستودع الشرقي لمالكه أحمد شمسان الدالي، حين كان هذا المحل واحد مع محلات تجارية معدودة عناوين التحديث البارز في المدينة، التي كانت أشبه بعاصمة للمملكة المتوكلية بسبب إقامة الإمام أحمد فيها منذ أواخر الثلاثينات, حتى وفاته في سبتمبر 1962 ويقول عن رحلته تلك:
“رافقت والدي مع مجموعة مسافرين إلى تعز وعمري لا يتجاوز السنين الثمان، وقطعنا كل مراحل السفر سيراً على الأقدام، وصلنا أولا إلى منطقة موقعة وهي تتوسط مناطق قدس والصلو وسامع، ومنها إلى دمنة خدير التي وصلناها ليلاً وبتنا بها، وفي الصباح قطعنا ما يسمى بعوارض الصرمين، وهي السفوح الجنوبية والشرقية لجبل صبر، وعصر ذات اليوم وصلنا إلى خشبة صالة وكانت هي البوابة الشرقية لمدينة تعز وتقع بالقرب من قصر صالة الذي كان يقطنه الإمام”.
يضيف: “تفاجأت بالمدينة ومظاهر الحياة فيها والسيارات القليلة التي تمر على خط الأسفلت الأسود الذي يمر بباب المستودع الشرقي الذي كان يعرض أحدث المنتجات وافخرها والتي تستجلب من مدينة عدن وقت ازدهارها الاقتصادي الكبير، مثل الكاميرات والمسجلات والعطور، وكان ملتقى حيوي لأبناء المنطقة.”
بعد فترة قصيرة من وصوله إلى تعز افتتح والده مطعماً شعبياً بالقرب من الباب الكبير وسلمه لعمال من القرية . انتقل عبد السلام إلى السكن بمعية أسرة كان والده يعرف عائلها. واصل تعليمه في معلامة بالسوق الشنيني، وأيضا عند فقيه معاق كان يدير معلامة بالقرب من المستودع الشرقي، لكنه لم يتوفق بالالتحاق بالمدرسة الأحمدية كما كان يرغب، والتي كانت وقتها المدرسة النظامية المعروفة بتعز، وبسبب عدم استقرار والده بشكل كامل في المدينة كان يتنقل معه بين القرية وتعز حتى قيام ثورة سبتمبر في 1962، حيث استقر بشكل نهائي في المدينة والتحق بمدرسة ناصر في أول سنوات افتتاحها في الصف الثالث، وكان يعمل في ذات الوقت في مطعم لأحد أبناء قريته في باب موسى ويسكن مع طلاب بسنه في مساكن خاصة بوجهاء من القرية منهم الشيخ قاسم بجاش وحزام مغلس في مناطق قريبة من شارع 26 سبتمبر والمدينة القديمة.
لم يمض غير عام واحد في مدرسة ناصر، وانتقل إلى عدن في 1963 للعلاج بسبب إصابة تعرض لها بساقه الأيمن وقت كان يمارس السباحة مع أقرانه في بركة مائية في القرية. في عدن استقر في محل لأحد أعمامه كان يعمل خياطا في الشيخ عثمان، والذي ألحقه بمدرسة النهضة العربية في الصف الرابع بحكم سنه ومعارفه التعليمية، فقد كان يبلغ الثانية عشرة حينها، وهناك حمل لأول مرة في حياته هوية استصدرت له من حكومة الاتحاد، وبها أول صورة شخصية له، وهي الأقدم في حياته.. لم يبق طويلاً في عدن، وعاد إلى تعز وواصل دراسته حتى الصف الثاني الإعدادي ” المتوسط” ، كانت المدينة وقتها تضج بالحياة والنشاط الطلابي الصاخب، مع بزوغ الحياة الجديدة التي بشرت بها ثورة سبتمبر.. كانت الشعارات القومية المرتفعة هي الحاضرة في النقاشات في أوساط الطلاب والموظفين والعمال في المؤسسات الوليدة التي افرزتها الحاجة لمواكبة مرحلة التحول. قال أن طلاب المدرسة الثانوية، التي شيدها الأشقاء المصريون في منطقة المُصلى، وكانت حاضنة للنشاط الطلابي الضاج وكان الصوت الأعلى فيها للقريبين من توجهات النظام المصري، وكذا المنتسبين لحركة القوميين العرب، ولم يزل يتذكر نشاط محمد المساح وعيسى محمد سيف، و عبد الحليم محمد، وعبده سعيد طشان، وغيرهم. ويتذكر التنافس المحموم بين القيادات الحزبية لاستقطاب الطلاب الموزعين بين مدرستي ناصر والثورة ( الأحمدية سابقاً) وكذا طلاب القسم الداخلي في دار الناصر في المدينة القديمة.. وعلى ذكر القسم الداخلي، والذي كان قبل الثورة سكنا لبعض الأسر القريبة للإمام، فقد كان عنوانا للحراك الجديد والنشاط المتصل ( الرياضي والثقافي). ويقول كلما تذكرت القسم الداخلي يقفز إلى بالي محمد المساح بنشاطه وتمرده ، ويتذكره وهو يعمل في مطعم في مطعم علي عبده العزعزي وهو من ذات قرية المساح.
من الأشياء التي لم تفارق مخيلة عبد السلام الخطيب عن مدينة تعز في تلك الفترة البعيدة من طفولته هي زيارة الرئيس جمال عبد الناصر لمدينة تعز في العام 1964، وكيف أن المدينة وأرياف تعز هبت لاستقبال قائد الأمة العربية وزعيمها الرئيس جمال عبد الناصر، ورافقت الحشود موكبه من المطار القديم إلى ميدان الشهداء حيث القى خطابه الناري، الذي طالب فيها بريطانيا بحمل عصاها والرحيل عن الجنوب اليمني. ومن بعد هذه الزيارة تحولت مدينة تعز قبلة للثائرين على سلطات الاستعمار البريطاني في عدن ومناطق المحميات، وكان يمكن للواحد منا مشاهدة قيادة جبهة التحرير والجبهة القومية في المقاهي الشعبية داخل المدينة القديمة وخارجها ومنها مقاهي الابي ونبيل الوقاد وجبال الأوراس غيرها.
بدأت المدينة بالتوسع مع اتساع النشاط العمراني، وصار إلى جانب الشارع الوحيد، شارع ثان اسمه شارع جمال عبد الناصر يمتد من الأجينات حتى حوض الأشرف، وعلى ضفتيه نشأت المباني الحديثة والمستودعات والمحلات التجارية ومؤسسات الدولة، إلى جانب دراسته وعمله في المطعم التحق عبد السلام الخطيب بمعهد عبد العزيز اليوسفي لتعليم الطباعة على الآلة الكاتبة، وهي الخبرة التي سيحملها في وظائفه اللاحقة.
(يتبع)
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news