شهدت اليمن في الأشهر الأخيرة تصاعدًا كبيرًا في استخدام الأدوات الاقتصادية كوسيلة للضغط والصراع بين
الحكومة الشرعية
المعترف بها دوليًا وجماعة الحوثي. في ظل الهدنة الهشة التي بدأت في أبريل 2022م، والتي شهدت تصعيدًا حادًا من قبل الحوثيين، بما في ذلك منع تصدير النفط في أكتوبر 2022م، وتهديداتهم بتنفيذ عمليات عسكرية ضد المصالح السعودية.
وفي هذا السياق، أصدر
البنك المركزي اليمني
في عدن سلسلة من القرارات، كان أبرزها قرار رقم 30 بتاريخ 10 يوليو 2024م، بإلغاء تراخيص عدد من البنوك التي لم تلتزم بنقل مقراتها الرئيسية إلى عدن. هذا القرار أثار توترًا كبيرًا بين الحكومة الشرعية والحوثيين، مما أدى إلى تهديدات حوثية جديدة بتنفيذ هج
مات على السعودية.
تدخل
مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة
إلى اليمن، مطالبًا بتأجيل تنفيذ هذه القرارات حتى نهاية أغسطس المقبل، في محاولة لتهدئة الأوضاع، فاستجاب مجلس القيادة الرئاسي لهذه الدعوة، مع إبقاء الاحتمالات مفتوحة للحوار الاقتصادي، إلا أن جماعة الحوثي رفضت هذا التأجيل، مما أبقى الأمور متوترة ومتأزمة حتى وقت كتابة هذه الورقة.
هذه الورقة المعنونة بـ"تأجيل مجلس القيادة لقرار إلغاء تراخيص البنوك: الأسباب والسيناريوهات" والتي أصدرها مركز المخا للدراسات الاستراتيجية اليوم الثلاثاء تناولت عدة محاور رئيسية تتعلق بالصراع الاقتصادي بين الحكومة اليمنية الشرعية وجماعة الحوثي، في اطار القرارات الأخيرة التي أصدرها البنك المركزي بعدن.
نص الورقة التحليلية:
تأجيل مجلس القيادة لقرار الغاء تراخيص البنوك: الأسباب والسيناريوهات
مقدمة
:
تمتلك الأدوات الاقتصادية حضورًا معتبرًا في الحروب التي تعاني مِنها اليمن، بما في ذلك -بطبيعة الحال- الصراع الدائر بين الحكومة الشرعية، المعترف بها دوليًّا، وجماعة الحوثي، منذ عام 2014م. إلَّا أنَّ حضور هذه الأدوات تصاعد على نحو كبير خلال الهدنة الهشَّة التي جرى التوافق عليها منذ أبريل 2022م، خاصَّة بعد أن تمكَّن الحوثيون مِن منع الحكومة الشرعية مِن تصدير النفط في أكتوبر 2022م. وتصاعد هذا الحضور بشكل خطير خلال الشهور الأخيرة بفعل مساعي الحوثيين لتجاوز المركز القانوني للحكومة الشرعية، وطباعتهم عملة معدنية جديدة (فئة 100 ريال)، بدلًا عن العملة الورقية التالفة.
وحيال ذلك، اتَّخذ البنك المركزي اليمني في عدن سلسلة مِن القرارات، آخرها القرار رقم (30)، بتاريخ 10 يوليو 2024م، والذي قضى بإلغاء تصاريح عمل ستَّة بنوك لم تمتثل لقراراته بنقل مقرَّاتها الرئيسة إلى مدينة عدن؛ كما أبلغ نظام الـ"سويفت" بوقف التعامل معها. وهو ما أدَّى إلى تصاعد التوتُّر بين الحوثيين مِن جهة والحكومة الشرعية والمملكة العربية السعودية مِن جهة أخرى، إذ هدَّد الحوثيون باتِّخاذ عمليَّات عسكرية ضدَّ المصالح السعودية، وهو ما استدعى تدخُّلًا مِن قبل مبعوث الأمين العام للأمم المتَّحدة إلى اليمن، حيث طالب بتأجيل تنفيذ هذه القرارات إلى نهاية شهر أغسطس القادم. وأبدى مجلس القيادة الرئاسي، موافقته المبدئية على الانخراط في مفاوضات بشأن الملفِّ الاقتصادي، وفق شروط محدَّدة. غير أنَّ جماعة الحوثي قابلت ذلك بالرفض. ولا زالت التفاعلات في هذا الملفِّ مستمرَّة حتَّى وقت كتابة هذه الورقة؛ الأمر الذي يثير التساؤل حول الأسباب التي أدَّت إلى تأجيل مجلس القيادة لتنفيذ قرارات البنك المركزي؟ وعن السيناريوهات المحتملة حول هذا الملف؟
اشتباك بأدوات اقتصادية:
تصاعد توظيف الأدوات الاقتصادية خلال الهدنة الإنسانية التي تمَّ التوافق عليها في 7 أبريل 2022م، إذ لم تمض إلَّا شهور معدودة حتَّى هاجم الحوثيون سفن نقل النفط في مواني التصدير بمحافظتي حضرموت وشبوة، وشنُّوا حربًا اقتصادية على السلطة الشرعية أفقدتها الكثير مِن مواردها المالية، وبلغت ذروتها بإعلان الحوثيين عن سكِّ عملة معدنية مِن فئة (100 ريال)، نهاية مارس 2024م. وقد رفض البنك المركزي قرار الحوثيين بهذا الشأن، واعتبر العملة المصدَّرة مزوَّرة وغير قانونية، وأنَّ سكَّ العملة يمثِّل تطوُّرًا خطيرًا وغير مقبول. وفي مطلع أبريل 2024م، أصدر البنك المركزي قرارًا بنقل مراكز البنوك الرئيسة إلى العاصمة عدن، وحدَّد مهلة قدرها شهران مِن أجل إنجاز ذلك . وعقب انقضاء المهلة المذكورة قرَّر البنك المركزي -في 10 يوليو الجاري- إلغاء التراخيص المصرفية لعدد مِن البنوك المحلِّية التي تخلَّفت عن تنفيذ قرار نقل مراكزها الرئيسة إلى العاصمة المؤقَّتة عدن؛ ونصَّ القرار الموجَّه إلى كافَّة البنوك والمصارف وشركات ومنشآت الصرافة ووكلاء الحوالات في الجمهورية على وقف التعامل مع بنوك: "التضامن" و"اليمن الكويت" و"اليمن والبحرين الشامل" و"الأمل للتمويل الأصغر" و"الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي" و"اليمن الدولي، وألزم القرار البنوك والمصارف الموقوفة بالاستمرار في تقديم خدماتها المصرفية للجمهور والوفاء بالتزاماتها تجاه عملائها حتَّى إشعار آخر .
وفي المقابل صعَّد الحوثيون ضدَّ قرارات البنك؛ حيث قرَّر البنك المركزي في صنعاء وقف التعامل مع (12) بنكًا تعمل في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية ، وهدَّد زعيم جماعة الحوثي، عبدالملك الحوثي، في خطاب ألقاه -في 7 يوليو الجاري- بضرب المطارات والبنوك والموانئ السعودية، كردٍّ على ما قال: إنَّه عزم الرياض على "نقل البنوك مِن صنعاء" .
تراجع مجلس القيادة الرئاسي:
ورغم التحفُّز الشعبي المساند للقرارات التي اتَّخذها البنك المركزي في عدن، والتطلُّع إلى التداعيات السلبية التي ستتركها على سلطة الحوثيين، وفي ضوء التصعيد الإعلامي والسياسي للأخيرين، بدت مؤشِّرات على تراجع مجلس القيادة الرئاسي عن تلك القرارات؛ فقد كشف مسئول حكومي أنَّ المبعوث الأممي يمارس ضغوطًا كبيرة على مجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية لإيقاف الإجراءات التي اتَّخذها البنك المركزي، والتراجع عنها. وفي سبيل تهيئة الجماهير لقرار التأجيل، أعلن مصدر حكومي وصول محافظ البنك المركزي، د. أحمد المعبقي، إلى الرياض، وهو ما يفهم مِنه اليمنيُّون غالبًا أنَّه مُقدِّمة لقرارات غير شعبية، وأنَّه خطوة للتراجع عن القرارات. غير أنَّ محافظ البنك المركزي نفى سفره إلى الرياض، وأعلن "أنَّه يمارس عمله في عدن"، وأكَّد أنَّه على رأس عمله في العاصمة المؤقَّتة عدن، وألَّا صحَّة لأنباء سفره إلى الرياض، واصفا "بعض المصادر حتَّى لو هي حكومية غير مسئولة" .
وفي 13 يوليو الجاري، نُشِر خطاب المبعوث الأممي إلى رئيس مجلس القيادة الرئاسي، د. رشاد العليمي، عبَّر فيه عن قلقه إزاء تعليق تراخيص البنوك الستَّة، وما تبعه مِن تواصل مع البنوك المراسلة، ونظام "سويفت"، الذي سيفضي إلى وقف وصول تلك البنوك إلى البنوك المراسلة ونظام "سويفت"؛ وحذَّر المبعوث الأممي مِن أنَّ قرارات البنك المركزي سوف توقع الضرر بالاقتصاد اليمني، وستفسد على اليمنيين البسطاء معايشهم في كلِّ أنحاد البلاد، وأنَّها قد تؤدِّي إلى خطر التصعيد الذي قد يتَّسع مداه إلى المجال العسكري، وحثَّ الحكومة الشرعية والبنك المركزي على تأجيل تنفيذ هذه القرارات، على الأقلِّ إلى نهاية شهر أغسطس المقبل، كما حضَّ على دعم البدء بحوار تحت رعاية الأمم المتَّحدة لمناقشة التطوُّرات الاقتصادية التي وقعت مؤخَّرًا في اليمن بهدف حلِّها، وقال: إنَّ مكتبه سيرسل إلى المتحاورين المعنيين ضمن الحكومة اليمنية، وكذلك ضمن البنك المركزي اليمني، تفاصيل أكثر حول هذا الحوار مع الحوثيين، بما فيها جدول الأعمال.
"السويفت: هو نظام عالمي ينظم جميع المراسلات المتعلقة بالتعاملات المالية والبنكية التي تتم بين البنوك والمؤسسات المالية في العالم، حيث يوفر النظام الحماية والسرعة الكاملة لمثل هذه التعاملات ومتابعة تسليمها للجهات المعنية وتشرف عليه (منظمة الاتصالات المالية العالمية بين البنوك )سويفت) SWIFT) )، وقد نشأت فكرة السويفت في نهاية السبعينات من القرن الماضي وتحديدا عام (1977م) بفعل تطور التجارة العالمية، ويزيد عدد الدول المشتركة في هذا النظام عن 209 دولة من بينها معظم الدول العربية ويزيد عدد المؤسسات المالية المشتركة على 9000 مؤسسة، وطبقا للوائح المنظمة يجب اشتراك الدولة قبل السماح لمؤسساتها بالاشتراك،، ويهدف هذا النظام إلى تقديم أحدث الوسائل العلمية في مجال ربط وتبادل الرسائل والمعلومات بين جميع أسواق المال من خلال البنوك المسؤولة عن تنفيذ ذلك بمختلف الدول"
وأبدى مجلس القيادة الرئاسي، في اجتماع طارئ، عقده في 12 يوليو الجاري، موافقته المبدئية على الانخراط في المفاوضات، مشترطًا أن وجود "جدول أعمال واضح لأيِّ حوار حول الملفِّ الاقتصادي، بما في ذلك استئناف تصدير النفط، وتوحيد العملة الوطنية، وإلغاء الإجراءات التعسُّفية بحقِّ القطاع المصرفي"، وأكَّد المجلس مُضيَّه في ردع الممارسات التعسُّفية لما اسماها "ميليشيا الحوثي الإرهابية"، مع انتهاج أقصى درجات المرونة والانفتاح على مناقشة أيِّ مقترحات، وفُسَّر ذلك باعتباره قبولًا لطلب المبعوث الأممي تأجيل تنفيذ قرارات البنك المركزي التي تحظى بدعم وتأييد شعبي واسع.
لماذا وافق مجلس القيادة على تأجيل تنفيذ قرار البنك المركزي؟
يُظهر تحليل السياق أن هناك ثلاثة أسباب تقف خلف موافقة مجلس القيادة الرئاسي المشروطة على طلب المبعوث الاممي تأجيل تنفيذ قرار البنك المركزي بسحب التراخيص عن البنوك المذكورة، وهذه الأسباب هي:
1- وجود تدخُّل سعودي:
فقد وجَّه الحوثيون ضغوطهم نحو السعودية، حيث هدَّد عبدالملك الحوثي، في خطابه الذي ألقاه في 7 يوليو الجاري، بضرب المطارات والبنوك والموانئ السعودية على نحو ما ذكرنا سابقًا، وذلك كردٍّ على ما قال إنَّه عزم الرياض على "نقل البنوك مِن صنعاء" . ومع أنَّ الحوثيين لا يرغبون في عودة الحرب في المرحلة الراهنة، إلَّا أنَّه كان مِن الواضح أنَّ المضي في تنفيذ القرارات سيجبرهم على توجيه ضربات لأهداف داخل السعودية، وهو أمر تتحاشاه الرياض، وتضعه في أولويَّاتها. ولتجنُّب ذلك، أوعزت الرياض -فيما يبدو- للمبعوث الأممي صياغة الخطاب الذي وجَّهه إلى مجلس القيادة الرئاسي، ومارست ضغوطًا على الأخير للتجاوب معه، وتمَّ إخراج الأمر على هذا النحو لتكون مخرجًا مناسبًا لمجلس القيادة الرئاسي للتراجع عن القرارات.
وتوحي خبرة المراحل السابقة بصوابية هذا الاستنتاج، فقد انخرطت الرياض في مفاوضات مع الحوثيين، مكَّنتها مِن بلورة ما سُمِّيت بخارطة التسوية، وبعد الانتهاء مِنها دفعت بها إلى المبعوث الأممي للإعلان عنها واستكمال إجراءات التوقيع عليها مِن قبل الحكومة الشرعية والحوثيين.
2- صعوبة تنفيذ القرارات:
فتطبيق قرار سحب ترخيص البنوك الستَّة، ومنع تعاملها مع نظام الـ"سويفت"، ينطوي على صعوبات كبيرة تجعل تطبيقه أمرًا شديد التعقيد؛ ومِن ذلك أنَّ الثقل السكاني، ومعظم الثقل المالي والنشاط الاقتصادي، موجود في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، فنسبة 80% مِن السكَّان والنشاط ورؤوس المال تقريبًا تقع في تلك المناطق، ونقل تلك البنوك إلى عدن يعني بشكل أو بآخر إغلاقها؛ كما أنَّه قد يدفع لتوسيع دائرة الفوضى والانقسام الاقتصادي ويولِّد مخاطر حقيقية تمسُّ مصادر العيش المتبقيَّة للسكَّان في تلك المناطق.
ومع أنَّ القرارات التي اتِّخذها البنك المركزي في عدن تنساق في إطار حماية المقدَّرات الوطنية، واستعادة سلطة الدولة، وتعزيز القدرات الاقتصادية، والحفاظ على العملة الوطنية، إلَّا أنَّ جانبًا مِنها يستخدم كأدوات في سياق الصراع مع جماعة الحوثي، وعلى الأرجح أنَّ الهدف مِن بعض القرارات هو إجبار الحوثيين على المفاوضات، بما يسمح للسلطة الشرعية في استعادة تصدير النفط الذي يمثِّل المصدر الرئيس للموارد بالنسبة لها، ولذا لم يلغ مجلس القيادة -ومِن خلفه السعودية- قرار البنك المركزي القاضي بسحب الترخيص عن البنوك التي خالفت تعليماته، وإنَّما أجَّل تنفيذها حتَّى نهاية الشهر القادم (أغسطس). ودون شكٍّ فإنَّ هذا التأجيل يتَّفق مع رغبة المبعوث الأممي الذي يرغب هو الآخر في إبقاء جماعة الحوثي تحت الضغط، بما يضمن انخراطها في المباحثات على النحو الذي أشار إليه الخطاب الذي وجَّهه لمجلس القيادة الرئاسي وطالب فيه بتأجيل تنفيذ القرار.
3- تجنُّب مسار الحرب:
بالرغم مِن تأكيد مجلس القيادة الرئاسي مُضيِّه في ردع الممارسات التعسُّفية لما أسماه بـ"ميليشيا الحوثي الإرهابية" ، وقيام وزير الدفاع، الفريق الركن محسن محمد الداعري، بعقد اجتماع موسَّع بقيادات وزارة الدفاع وهيئة الأركان العامَّة، في العاصمة المؤقَّتة عدن، في 11 يوليو الجاري، ناقش فيه الموقف العسكري في جبهات القتال في ظلِّ تصعيد ما أسماه بـ"مليشيا الحوثي الإرهابية" وتهديداتها المستمرَّة، وإشادة الاجتماع بالجهوزية القتالية العالية للقوَّات المسلَّحة وكافَّة التشكيلات العسكرية لردع تلك التهديدات، وحثِّه القيادات العسكرية على مضاعفة العمل المنسَّق مع كافَّة الدوائر والجهات المعنية لتعزيز الجاهزية القتالية ، إلَّا أنَّ قرار مجلس القيادة الرئاسي فُهم على نطاق واسع بأنَّه تجنُّب لمسار التصعيد الذي قد يُفضي "إلى تصعيد عسكري" -بحسب المبعوث الأممي.
إلى أين تتَّجه الأمور؟
تُدلِّل المؤشِّرات المتوافرة إلى أنَّ تطوُّر الأمور في هذا الملفِّ تراوح بين ثلاث سيناريوهات، تتراوح بين بقاء الاشتباك مِن خلال الأدوات الاقتصادية لكن دون أن تتمكَّن السلطة الشرعية مِن فرض قرارات البنك المركزي الأخيرة، أو أن تنجح الجهود الإقليمية والدولية في دفع الطرفين في مفاوضات تنتج حلولًا تحفِّف مِن حالة الاشتباك، أو أن يتصاعد الاشتباك الاقتصادي ويقود بدوره إلى اشتباك عسكري بين الطرفين؛ وذلك على النحو التالي:
السيناريو الأوَّل: مراوحة الأمور لكن دون تنفيذ قرارات البنك المركزي:
حيث ستتَّمسك جماعة الحوثي برفضها لأيِّ مفاوضات تخصُّ الاشتباك الاقتصادي، إلَّا في إطار خارطة التسوية، وفي الوقت نفسه تستمر الضغوط السعودية وغيرها في منع الحكومة الشرعية مِن تنفيذ قرارات البنك المركزي، خاصَّة ما يتَّصل بسحب تراخيص البنوك وإلغاء العملة القديمة، وذلك تجنُّبًا لدفع الأمور إلى التصعيد العسكري.
وممَّا يدعم هذا السيناريو، الموقف السعودي الذي يستميت في منع أي هجمات للحوثيين داخل حدوده، ورغبة الحوثيين في عدم التفاوض إلَّا في مسار التسوية السياسية، لشعورهم بمراوغة السعودية في هذا الملفِّ وعدم رغبة أطراف أخرى، ولأنَّ التفاوض في مسار التسوية في ظلِّ ميزان القوة الحالي، خاصَّة بعد هجمات البحر الأحمر، يحقِّق لها الكثير مِن المكاسب.
السيناريو الثاني: التفاوض وتراجع حدَّة الاشتباك الاقتصادي:
ويدعم هذا السيناريو كلًّ مِن الضغوط التي يقوم بها المبعوث الأممي، وسلطنة عمان وكذا ضغوط الشارع فتردي الأوضاع المعيشية لدى كل من الحوثيين والسلطة الشرعية ومخاوف كل منهما من انفلات الشارع يدفعهما إلى إيجاد حلول عن طريق المفاوضات مع الطرف الآخر، كما أنَّ مسار التفاوض والبحث عن حلول هو الأقلُّ كلفة لجميع الأطراف تقريبًا. إلى جانب أن معظم الأطراف تتحاشى مسار الحرب، إذ لا توجد رغبة لدى الحوثيين، ولا مجلس القيادة الرئاسي، ولا السعودية، في خوض جولة جديدة مِن الصراع في المرحلة الراهنة، وهذا ما قد يدفعهم إلى الانخراط في مفاوضات تضمن لكلِّ طرف معالجة ما يواجهه من تحدِّيات ملحَّة. وقد أشرنا إلى أنَّ أحد دوافع مجلس القيادة مِن بعض القرارات هو تقريب الحوثيين نحو المفاوضات.
وخلافا للعوامل الداعمة، توجد رغبة لدى أطراف في السعودية، وأخرى دولية، في عدم المضي في هذا المسار، لأنَّه في الأخير سيمكن الحوثيين من تخفيِّف ما يواجهونه من ضغوط شعبية، وإلى جانب ذلك يبقى موقف جماعة الحوثي هو العائق الأبرز أمام هذا المسار، فقد أعلنت -في 13 يوليو الجاري- على لسان حسين العزِّي رفضها القاطع الانخراط في مفاوضات الملفِّ الاقتصادي التي دعا إليها المبعوث الأممي الخاصِّ لليمن، إلَّا في إطار مناقشة تنفيذ خارطة الطريق المتَّفق عليها. ، فالحوثيون يخشون من أن التفاوض حول الملف الاقتصادي قد يكون بديلاً عن التفاوض حول خارطة التسوية، وهذه الأخيرة تحقق لهما قدر كبير من المكاسب، وعلى رأسها أنها تقدمهم كطرف شرعي فضلا عن أنها تحقق لهم المكاسب الاقتصادية التي قد تتحقق من خلال المفاوضات حول الملف الاقتصادي منفردا.
السيناريو الثالث: تصعيد عسكري:
هذا السيناريو غير مرغوب فيه مِن قبل كثير مِن الأطراف المعنية بالاشتباك الاقتصادي، إلَّا أنَّ إمكانية تحقُّقه عالية جدًّا؛ فمجلس القيادة الرئاسي واقع تحت ضغوط شعبية تجعل التراجع الكلِّي عن القرارات التي اتَّخذها البنك المركزي في عدن دون مفاوضات أمرًا شديد الصعوبة، وعالي التكلفة أيضًا مِن جهة مستوى الإحباط الشعبي وتراجع الثقة بمجلس القيادة والسلطة الشرعية عمومًا، خاصَّة بعد خروج مظاهرات شعبية ووقفات جماهيرية في مأرب وتعز والخوخة، لدعم وتأييد قرارات البنك المركزي اليمني في عدن . كما أنَّ الضائقة المالية التي تعاني مِنها الحكومة الشرعية تدفعها نحو خيار التصعيد الاقتصادي، وهو مسار سيكون وقعه موجعًا بالنسبة للحوثيين، ما قد يدفع الحوثيين إلى تنفيذ تهديداتهم بالهجوم على جبهات السلطة الشرعة أو على مصالح حيوية سعودية، الأمر الذي قد يدفع مختلف الأطراف إلى جولة جديدة وعالية مِن العنف. وممَّا يساعد على ذلك إدمان الحوثيين في انتزاع مكاسب مِن خلال إطلاق تهديدات نحو السعودية، وحالة الانتشاء بفعل انخراطهم في حرب لا متماثلة في جنوب البحر الأحمر.
غير أن عدم استعداد معظم الأطراف لجولة جديدة من لحرب، والكلفة العالية لها، ومخاطر خسارتها قد تمنع تلك الأطراف من الانخراط الفعلي في الحرب، واستخدامها فقط في سياق الابتزاز والضغوط أو التهديد والردع.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news