أخبار وتقارير

تقرير (الأول) قراءة في مقال د. علي الزامكي:

شهد سوق الصرف اليمني خلال أغسطس الماضي تحسّنًا سريعًا في سعر الريال بعد تشديد الرقابة على شركات الصرافة وبدء تفعيل اللجنة الوطنية لتنظيم تمويل الاستيراد. غير أنّ هذا الاستقرار لم يدم طويلًا؛ إذ شهد السوق خلال اليومين الماضيين اضطرابًا حادًا بفعل المضاربات، ما أدى إلى تراجع مفاجئ في سعر الصرف قبل أن يتدخل البنك المركزي بإجراءات مباشرة لوقف التدهور مؤقتًا. التطور الأخير أعاد تسليط الضوء على هشاشة السوق وشدة الصراع على السيولة الأجنبية والمحلية، خاصة مع اقتراب موعد صرف مرتبات الجهاز الإداري للدولة، وسط شح كبير في السيولة المحلية لدى البنك المركزي.

آلية صرف المرتبات عبر مزادات الدولار

يجد البنك المركزي نفسه مضطرًا لبيع الدولار عبر مزادات للبنوك من أجل الحصول على الريال اللازم لصرف المرتبات الإدارية والعسكرية والأمنية. هذه العملية تنعكس مباشرة على معروض النقد المحلي والأجنبي، وبالتالي على العرض والطلب في سوق الصرف.

قبل المزاد

: يحاول المضاربون خفض السعر مؤقتًا لشراء الدولار بسعر منخفض تحسبًا لارتفاع لاحق.

أثناء وبعد المزاد

: إذا كان حجم المزاد كبيرًا ومغطى بالكامل، يدخل سيولة بالريال إلى المركزي ويخرج قدر من النقد الأجنبي للبنوك، ما يهدئ السوق مؤقتًا. أما إذا كان أقل من حجم المرتبات المستحقة، فيظهر عطش للريال وطلب لاحق على الدولار يعيد الضغط صعودًا.

صرف الرواتب بالعملة الأجنبية لبعض التشكيلات: يرفع المعروض الفوري من النقد الأجنبي لكنه يخلق طلبًا معاكسًا من الصرافين لإعادة موازنة محافظهم.

العلاقة مع اللجنة الوطنية لتنظيم الاستيراد

اللجنة المعنية بفتح الاعتمادات المستندية للاستيراد تلعب دورًا محوريًا في ضبط الطلب على الدولار. أي ضعف في التنسيق بينها وبين البنك المركزي قد يؤدي إلى تضارب في الأولويات، خصوصًا إذا صُرفت المرتبات بمزادات كبيرة في نفس توقيت فتح اعتمادات استيرادية واسعة.

التوقيت الدقيق والمواءمة بين دفعات صرف المرتبات ومواعيد فتح الاعتمادات يمكن أن يحول المزادات من عامل ضغط إلى عامل استقرار نسبي.

العكس تمامًا قد يقود إلى فوضى في الطلب على الدولار ويُضعف قدرة المزادات على امتصاص الصدمات.

هل يقترب الريال من الانهيار؟

التحليلات تشير إلى أن انهيار العملة ليس حتميًا، بل الاحتمال الأقرب هو تذبذب حاد يمكن التحكم به إذا توفرت ثلاثة عناصر:

مزادات بحجم كافٍ لتغطية المرتبات.

استمرار الرقابة الصارمة على المضاربة.

ضبط أولويات وتوقيت فتح الاعتمادات الاستيرادية.

تجربة أغسطس الماضي أظهرت أن الإجراءات الرقابية النشطة والمزادات الكبيرة قادرة على تحقيق تحسن ملموس وسريع في سعر الصرف.

السيناريوهات المتوقعة خلال شهر

السيناريو الأقرب (استقرار مُدار بتذبذب):

دولار بين 1,700–2,100 ريال مع رقابة ومزادات كافية.

سيناريو إيجابي:

تحسن إضافي إلى 1,500–1,700 ريال بدعم من مزادات أكبر وشفافية أعلى.

سيناريو سلبي:

ارتداد صعودي نحو 2,300–2,700 ريال إذا صُرفت كتلة مرتبات كبيرة بمزاد ضعيف مع نشاط مضاربات وفتح اعتمادات واسعة بلا تنسيق.

توصيات لصنّاع القرار

ت

جزئة صرف المرتبات على دفعات أسبوعية لامتصاص الأثر السعري.

مواءمة جداول المزادات مع دفعات الصرف، وإعلانها مسبقًا.

تعزيز شفافية المزادات عبر نشر بيانات العطاءات والأسعار.

تنسيق محكم مع اللجنة الوطنية لتأجيل الاعتمادات غير الأساسية.

استمرار الحزم الرقابي ضد شبكات المضاربة.

استخدام أدوات مالية لامتصاص السيولة بعد الصرف (مثل أذون الخزانة).

تعزيز القنوات البنكية لصرف المرتبات للحد من التسرب النقدي للسوق الموازي.

خلاصة

صرف المرتبات عبر مزادات بيع الدولار ليس عامل انهيار بحد ذاته، بل يمكن أن يشكل أداة استقرار مرحلي إذا أُحسن توظيفه بحجم مناسب وتنسيق دقيق مع اللجنة الوطنية لتنظيم الاستيراد، إضافة إلى رقابة نشطة على المضاربة. الخطر الحقيقي يكمن في الفجوة بين حجم المزادات واحتياجات المرتبات، وفي توقيت فتح الاعتمادات وسلوك المضاربين.