المؤتمر الشعبي العام بين إرث الجمهورية وتحديات المليشيا .. قراءة في خطاب السفير أحمد علي عبدالله صالح

قبل 1 دقيقة

جاءت كلمة معالي السفير أحمد علي عبدالله صالح، بمناسبة الذكرى الثالثة والأربعين لتأسيس المؤتمر الشعبي العام، لتشكّل محطة سياسية فارقة تؤكد على ثبات المواقف الوطنية، وتكشف بوضوح حجم التحديات التي تواجه اليمن والمؤتمر معاً في ظل الظروف العاصفة التي تعصف بالبلاد. الكلمة لم تكن مجرّد خطاب عاطفي أو احتفالي، بل مثّلت موقفاً سياسياً ناضجاً أعاد التذكير بالأسس التي قام عليها الحزب، وربط الماضي بالحاضر في سياق واحد عنوانه: الوفاء للشهداء والثبات على مبادئ الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية

.

أعاد السفير في خطابه التذكير بالدور الريادي الذي اضطلع به القائد المؤسس الشهيد علي عبدالله صالح ورفاقه، مؤكداً أن المؤتمر الشعبي العام لم يكن يوماً مجرّد كيان سياسي عابر، بل كان ولا يزال مدرسة وطنية كبرى تأسست على مبادئ ثورتي سبتمبر وأكتوبر، وقدّمت التضحيات الكبيرة في سبيل الجمهورية والوحدة. هذا الاستدعاء للتاريخ لم يكن استهلاكاً خطابياً بقدر ما هو تثبيت لمفهوم الاستمرارية السياسية في مواجهة المشاريع الصغيرة التي تحاول تقويض الدولة وإضعاف مؤسساتها.

المحور الأبرز في الكلمة تمثّل في الإدانة الصريحة والواضحة لممارسات مليشيا الحوثي الارهابية، التي لا تزال ـ بعد أكثر من عقدين من المواجهة ـ تثبت أنها لا تؤمن لا بالشراكة ولا بالحوار ولا بالديمقراطية. فقد وصف السفير، بجرأة، الحملات التي تستهدف قيادات وكوادر المؤتمر الشعبي العام بأنها ظالمة وممنهجة، موضحاً أن اعتقال الأستاذ غازي أحمد علي محسن أمين عام المؤتمر، ومدير مكتبه ومرافقيه، ليس إلا دليلاً إضافياً على نزعة الحوثي نحو الإقصاء والتفرّد، ورفض أي صوت وطني حر.

هذا الموقف أعاد التأكيد على أن المؤتمر الشعبي العام، رغم ما يتعرض له من استهداف، لا يزال حزباً صلباً متمسكاً بمرجعيته الوطنية والدستورية، وأنه لن يقبل التدخلات في شؤونه الداخلية، لأن شرعيته مستمدة من الشعب اليمني ومن قواعده العريضة الممتدة على امتداد الجغرافيا الوطنية. وهنا تكمن القوة الرمزية والسياسية للمؤتمر الذي بقي، رغم كل الضربات، رقماً صعباً في المعادلة اليمنية.

كما حملت الكلمة رسالة سياسية إلى المجتمع الدولي مفادها أن ما تقوم به المليشيا الحوثية الارهابية من اعتقالات وقمع وترهيب يُفشل كل جهود السلام التي يقودها المبعوث الأممي والأشقاء والأصدقاء، ويكشف حقيقة تلك المليشيا التي تتغنّى بالسلام في العلن بينما تمارس القمع والإقصاء في الواقع. إنها رسالة واضحة بأن أي مسار سياسي لا يقوم على أساس احترام التعددية وقبول الشراكة الوطنية سيكون مصيره الفشل، وأن وهم الهيمنة الأحادية لا يمكن أن يفضي إلى استقرار أو بناء دولة.

ولم تغفل الكلمة البعد المعنوي والنفسي في مخاطبة قواعد المؤتمر وأنصاره، حيث شدد السفير على ضرورة الصمود والثبات، مؤكداً أن ما يجري ليس سوى "سحابة صيف" ستنقشع عاجلاً أو آجلاً، وأن النصر سيكون حليف الحق مهما طال الليل. هذا الخطاب المعنوي يعكس إدراكاً عميقاً لاحتياجات القواعد في مثل هذه الظروف، إذ أن معركة الصبر والثبات لا تقل أهمية عن معركة السياسة والميدان.

إن قوة الكلمة تنبع من كونها جمعت بين الوفاء للتاريخ، والتمسك بالمبادئ، وكشف الممارسات العدوانية للحوثي، وربط كل ذلك بأفق مستقبلي يحمل الأمل بعودة الجمهورية قوية وشامخة. كما أنها أكدت على معادلة جوهرية: أن المؤتمر الشعبي العام سيبقى حاملاً للواء الدولة والجمهورية، وأنه لا يمكن لأي قوة طارئة أو مشروع دخيل أن يلغي هذا الدور المتجذر في الوجدان الشعبي.

وفي ضوء هذه الكلمة، يمكن القول إن المؤتمر يقف اليوم أمام مرحلة دقيقة من تاريخه، مرحلة تتطلب المزيد من التماسك الداخلي، والتمسك بالثوابت، واستثمار هذا الرصيد الكبير من النضال والتضحيات لإعادة تصحيح المسار الوطني. فالمؤتمر ليس مجرد حزب سياسي تقليدي، بل هو وعاء جامع لكل القوى الوطنية التي تؤمن بالحرية والديمقراطية وبناء الدولة المدنية الحديثة.

ختاماً، فإن كلمة معالي السفير أحمد علي عبدالله صالح جاءت في وقتها، لتعيد البوصلة إلى اتجاهها الصحيح، وتؤكد أن معركة اليمنيين ليست معركة أحزاب بقدر ما هي معركة وجود وهوية. إنها معركة الدفاع عن الجمهورية، وعن حق الشعب في العيش بكرامة تحت ظل دولة عادلة، بعيدة عن الكهنوت والطغيان. وكما قال السفير: ما بعد الليل إلا الصباح، ومهما طال ليل المليشيا، فإن شمس اليمن الجديد ستشرق من جديد.