تفاصيل الخبر | اهم الاخبار
الأعراس في اليمن.. ظواهر سلبية خطيرة بعضها سبب في الارتفاع المبالغ في أجور الفنانين
119 قراءة  |

قبل سنوات ليست بالبعيدة، كانت الأعراس اليمنية مناسبة اجتماعية تتسم بالفرح النقي والبساطة. المقاييل (التجمعات الاحتفالية) كانت ملتقىً للأهل والجيران والاصدقاء، تتخللها أغنيات تراثية وابداعية محترمة، تؤدى بإيقاع يبعث البهجة دون ضجيج أو تجاوز للذوق العام. الفنان كان يحضر كجزء من حفلة العرس، مشاركاً أهله وجمهوره فرحتهم، بأجر رمزي أو حتى مجانا، بدافع المحبة والارتباط بالمجتمع، لا بدافع الربح البحت.

لكن المشهد اليوم تغيّر جذرياً، فالفرح البسيط تحوّل إلى استعراض صاخب، والفنان الذي كان قريبا من جمهوره أصبح يحضر الحفلات محاطا بجيش من الشواترة واتباعهم (عاطلين ومراهقين وقصّر) وكاميرات التصوير والمصورين، وأجره يقفز إلى أرقام فلكية. ومع هذا التغيير، برزت ظواهر سلبية تهدد النسيج الاجتماعي وتحوّل العرس من مناسبة فرح إلى مسرح للاستغلال.

سمرة عرس تحوّلت إلى صدمة بالنسبة لي:

قبل ساعتين تقريباً، أي عند الثانية فجراً، عُدت من سمرة عرس أثنين من معارفنا في صنعاء. كانت القاعة كبيرة ومزدحمة، لكن ما أثار دهشتي أن ثلثي الحاضرين لم يكن لهم أي صلة بالعريس، وجاؤوا من أحياء في صنعاء بعيدة تماما عن الحي الذي يقطنه العريسان.

الفنان الذي أحيا السمرة هو الفنان الشهير جداً (ي.ع)، وقد بدا واضحاً أن ثلثي الحاضرين، أغلبهم مراهقون وقصّر، جاؤوا لأجله وليس لأجل الاحتفاء بالعريسان. كنت أرى المجموعات من هؤلاء المراهقين والاطفال تدخل القاعة تباعاً، كل مجموعة من نحو عشرة أشخاص، يتقدمهم شاب أكبرهم سناً. وما إن يمروا بمحاذاة مكان جلوس الفنان حتى يلوّح له المتزعم للمجموعة بيده وكأنه يبلغه بحضورهم لتنفيذ المهمة، فيرد الفنان التحية بابتسامة عريضة ورضا ظاهر.

أكثر المشاهد إثارة للغثيان كانت حين افترش الأطفال والمراهقون الأرض، حول منصة جلوس الفنان وفرقته الفنية، يتفاعلون مع كلماته بحركات مبتذلة، يصرخون مرددين الأغاني، يلوحون بأيديهم وكأنهم يترجمونها إلى لغة إشارة، بينما هو ينظر إليهم بتفاخر ساذج. الكاميرات والهواتف المحمولة كانت تلتقط كل لحظة، لتتحول إلى مادة “ترويجية” على منصات التواصل لهذا الفنان.

التلميع الزائف، هكذا يصنع بعض الفنانين نجوميتهم:

من أبرز الظواهر المستجدة، لجوء بعض الفنانين إلى أساليب احتيالية لرفع أجورهم عبر “تلميع” صورتهم أمام الجمهور. تقوم الخطة على تشكيل فريق مقرب (10–20 شخصًا) يتلقى دعما مالياً من الفنان نفسه قبل كل حفل. مهمة هؤلاء جلب مجموعات من الشباب العاطلين من الحواري والأحياء، وأحيانًا أطفال قاصرين، يتراوح عددهم بين 10 و20 فردا لكل شخص من الفريق، مقابل أجور بسيطة وتغطية تكاليف التنقل والقات.

في الحفل، يتكدس هؤلاء حول الفنان، يرددون أغانيه بشكل صاخب ويتفاعلون بشكل مبالغ فيه معها، لتلتقط الكاميرات مشاهد توحي بشعبية جارفة للفنان أوساط الشباب. تنتشر المقاطع في وسائل التواصل، ويترسخ انطباع أن الفنان هو النجم الأول على الساحة، ما يبرر رفع أجره إلى مستويات تصل في بعض الحالات من 5000 إلى 15000 دولار لمقيل عرس لا تتجاوز مدته بضع ساعات — أي بزيادة تصل إلى 1500% عن الأجر الحقيقي المفترض.

تنتشر هذه الظاهرة وغيرها في صنعاء، تعز، إب، عدن، وغيرها من المناطق اليمنية.

تكلفة هذه الخطة لا تتجاوز 10% من العائد، لكنها تحمل آثاراً اجتماعية خطيرة، أبرزها المساهمة في عزل الشباب اليمني عن سوق العمل، تعزيز ظاهرة عزوف المراهقين والاطفال عن التعليم والتهرب من المدارس، استغلال القاصرين الذين يتم استقطابهم من بيئات فقيرة أو من مدمني القات العاجزين عن شرائه، ما يجعلهم فريسة سهلة للاستغلال المادي وأحيانًا الجنسي من قبل بعض أفراد الطواقم التي تقوم باستقطابهم وتجميعهم لحفلات الفنان.

قاصرين في السمرات الليلية:

المشهد الأكثر قسوة الذي وجدته في سمرة الليلة في القاعة: أطفال دون سن الحادية عشرة يخزنون القات ملتصقين برجال بالغين في الثلاثينيات من العمر (سُمع وبرزات الحواري) من عصابات وفتوات وعرابيد الحواري ومن سائقي الدراجات النارية. وكأن الأطفال توابع وملكيات لهؤلاء البرزات.

هذه ظاهرة مخيفة؛ مشاركة أعداد كبيرة من الأطفال والمراهقين في سمرات الأعراس الليلية التي تمتد حتى الفجر. هذه التجمعات ليست مجرد سهرات، بل بيئة خصبة لظهور مشكلات أسرية لهؤلاء الأولاد، وترك التعليم، وفرص كبيرة لانخراطهم في شلل تعاطى الحشيش والمواد المخدرة، تعلم السرقة، فضلًا عن تعرض بعضهم للتحرش أو الاستغلال الجنسي من قبل عديمي الأخلاق المنحرفين.

مرافقون مسلحين بالأجر اليومي لغرض الاستعراض (الهوكة)!!

ظاهرة أخرى تحمل من الغرابة الكثير، انتشرت بين بعض الشباب والمراهقين، موضة استئجار مجموعات من “المُفصعين” (المسلحين اصحاب قعشات الشعر والجاكيتات العسكرية) ليظهروا كمرافقين شخصيين لهم أثناء دخولهم صالات الأعراس، بهدف الظهور بمظهر الشخصيات المهمة.

احد الأصدقاء اخبرني أن مراهق من اقربائه أجر قبل مدة خمسة من هؤلاء المُفصعين المسلحين في صنعاء بمبلغ خمسون ألف، حضروا معه بأسلحتهم، رافقوه كحماية شخصية لمقيل عرس احد أصدقائه وجلسوا عن يمينه ويساره في المقيل، قال له المراهق: “كل الحاضرين في القاعة كانوا ينظرون لي بدهشة واعجاب، كانوا يتكلمون معي بأدب وخوف على غير العادة، شعور رهيب عشته تلك اليوم” !!

تعاقد هذا المراهق مع هؤلاء المسلحين عبر احد منسقي الأعراس.

عمليات استعراض غبية وسخيفة لا نعلم كيف تسللت الى شبابنا وعقولهم، هذه الظاهرة وان كانت حماقة استعراضية الا انها أحياناً تؤدي إلى وقوع اشتباكات مسلحة حقيقية بين مجموعات مختلفة في بعض الحفلات والسمرات، لتسفر عن قتلى ومصابين ابرياء من الحاضرين، العديد من المقاطع المصورة متداولة على منصات التواصل الاجتماعي لحوادث مماثلة.

ما بدأ كمظهر استعراضي تحوّل إلى تهديد أمني داخل قاعات الأعراس!!

ختاماً: الأعراس في اليمن كانت يوماً مرآة للقيم الاجتماعية اليمنية الأصيلة، لكن ممارسات دخيلة حولتها إلى بيئة للاستعراض، والربح المفرط، وأحيانا الجريمة.

الارتفاع الجنوني في أجور الفنانين ليس إلا قمة جبل الجليد، فأسفل السطح تختبئ ممارسات استغلالية تهدد الأطفال والمراهقين، وتنشر الانحراف، وتغذي العنف.

إن إعادة الأعراس إلى مسارها الطبيعي يتطلب وعيًا مجتمعياً، ومتابعة دقيقة من الأسر لابنائها، ورقابة وضغط صارم من المؤسسات الحكومية المعنية على منظمي الحفلات والفنانين، وتدخّل حازم لكبح هذه الظواهر قبل أن تتحول إلى ثقافة راسخة في مجتمعاتنا وبلدنا.

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك
المشهد اليمني | 640 قراءة 

في خطاب لاذع ومباشر، فتح أحمد علي عبدالله صالح النار على ميليشيات الحوثي، موجهًا رسائل دعم وتهديد


موقع الأول | 526 قراءة 


نافذة اليمن | 464 قراءة 

فتح أحمد علي عبدالله صالح النار على ميليشيات الحوثي، في خطوة لافتة وصريحة لأول مرة، موجهًا رسائل دعم


المشهد اليمني | 431 قراءة 

حدث تاريخي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وإعلان رسمي سعودي يفرح ملايين اليمنيين داخل المملكة وخارج


كريتر سكاي | 381 قراءة 

  سمع  قبل قليل اطلاق نار كثيف بمدينة عدنو أكدت المصادر أنه


المشهد الدولي | 364 قراءة 

هاني بن بريك يوجه اول تحذير لهذه الفئة في جنوب اليمن ويعلن براءته منهم شاهد ما قاله


نافذة اليمن | 355 قراءة 

عاد رئيس مجلس الوزراء، الدكتور سالم صالح بن بريك، اليوم السبت، إلى العاصمة عدن، بعد زيارة خاصة إلى ا


الحدث اليوم | 322 قراءة 

توقعات هامة للفلكي الشوافي خلال الساعات القليلة القادمة ..


المشهد اليمني | 284 قراءة 

في ظل تصاعد التوترات الداخلية وتعقد المشهد السياسي والعسكري في اليمن، دعا المجلس الانتقالي الجنوب


كريتر سكاي | 240 قراءة 

​لا تزال تأثيرات المنخفض الجوي مستمرة، مع حالة جوية غير مستقرة تشمل محافظتي