تعزز إيران نفوذها الإقليمي في عدد من الدول العربية عبر دعم تشكيلات مسلحة موالية لها، تتحرك خارج إطار المؤسسات الرسمية، وتعمل على تقويض فكرة الدولة الوطنية، وإضعاف سلطتها المركزية. ويبرز هذا النمط بوضوح في كل من العراق ولبنان واليمن، حيث شكّلت الميليشيات المدعومة من طهران أدوات ضغط سياسي وعسكري، تهدد استقرار الأنظمة، وتمنح إيران موطئ قدم دائمًا في ملفات الأمن والسيادة.

العراق: تشريع جديد للحشد وسط انقسام داخلي وضغوط خارجية

تشهد الساحة السياسية في العراق صراعًا محتدمًا داخل مجلس النواب، تقوده الكتل الشيعية بهدف تمرير قانون جديد خاص بـ”هيئة الحشد الشعبي”، مستغلة أغلبيتها البرلمانية، ومتحدية موجة اعتراضات واسعة من القوى السنّية والكردية، إلى جانب رفض أمريكي معلن.

ويبرر داعمو القانون الجديد بأن الهدف منه “ترصين” موقع الحشد وضمان حقوق مقاتليه في مواجهة دعوات متكررة لدمجه بالمؤسسات العسكرية أو حله، لكن مراقبين يرون في هذا التوجه محاولة لتحصين الكيانات المسلحة المرتبطة بإيران، وتعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي داخل الدولة.

وقد تأسست هيئة الحشد الشعبي في صيف عام 2014، عقب سيطرة تنظيم “داعش” على محافظة نينوى، استنادًا إلى فتوى “الجهاد الكفائي” التي أطلقها المرجع الديني علي السيستاني. ورغم تبعيتها الرسمية للقائد العام للقوات المسلحة، فإن عددًا من فصائلها، ومنها “كتائب حزب الله” و”عصائب أهل الحق”، ترتبط تنظيميًا وتمويليًا بالحرس الثوري الإيراني، وفق تقارير صادرة عن مراكز أبحاث دولية، بينها “معهد واشنطن” و”مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية”.

ويخشى معارضو القانون أن يؤدي تمريره إلى تقنين ازدواجية السلاح داخل العراق، وترسيخ كيان عسكري موازٍ للقوات المسلحة، بما يُهدد وحدة الدولة ومؤسساتها السيادية.

لبنان: حزب الله يرفض مبدأ حصرية السلاح

في لبنان، يواصل “حزب الله” فرض معادلة السلاح خارج سلطة الدولة، ورفض مناقشة أي مقترح يتعلق بإدماجه ضمن المؤسسة العسكرية أو تسليمه. وكان الأمين العام للحزب، حسن نصرالله، قد صرح قبل مقتله بأن “سلاح المقاومة ليس مطروحًا للنقاش”، في إشارة إلى تمسك الحزب بوضعه العسكري المستقل، رغم الأزمة السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد.

ويرتبط الحزب بعلاقة عضوية مع طهران، ويشكل أحد أبرز أدواتها الإقليمية. وقد سبق أن أدرجت عدة دول أوروبية “الجناح السياسي والعسكري” للحزب على قوائم الإرهاب، في ظل تقارير تؤكد تورطه في نشاطات خارج لبنان، منها سوريا واليمن والعراق.

اليمن: دعم إيراني مباشر لتطوير قدرات الحوثيين

في اليمن، تُواصل طهران دعم مليشيا الحوثي المسلحة، التي تسيطر على العاصمة صنعاء ومناطق واسعة من شمال البلاد، عبر تزويدها بتقنيات تصنيع صواريخ وطائرات مسيّرة. وكشفت تقارير استخباراتية غربية في النصف الأول من عام 2025 عن نشاط متزايد لخبراء إيرانيين ولبنانيين من “حزب الله” داخل مناطق سيطرة الحوثيين، يشرفون على تطوير منظومات هجومية تُستخدم لاستهداف الأراضي السعودية والملاحة في البحر الأحمر.

وكان فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن الدولي قد أشار في تقريره الصادر في مارس 2025 إلى “وجود بصمة تقنية إيرانية واضحة في الأسلحة المستخدمة من قبل الحوثيين، بما في ذلك مكونات مطابقة لما يُستخدم في صناعة المسيّرات الإيرانية”.

نموذج واحد بثلاث واجهات

تشير المعطيات الميدانية والسياسية في العراق ولبنان واليمن إلى نمط ثابت في السلوك الإيراني، يقوم على دعم ميليشيات محلية، ومنحها أدوارًا عسكرية وسياسية تتجاوز سلطة الدولة، ما يُبقي تلك الدول في حالة ضعف بنيوي دائم، ويمنح طهران قدرة على التحكم بمفاصل القرار من خارج المؤسسات الرسمية.

ويؤكد الباحث في معهد كارنيغي، مايكل يونغ، أن “إيران لا تسعى لبناء تحالفات مع دول مستقرة، بل تفضّل التعامل مع كيانات موازية داخل الدول، تمتلك السلاح وتدين لها بالولاء، مما يضع الدولة الوطنية في مواجهة دائمة مع سلطة السلاح الموازي”.