بعد ما يقرب من عامين على الحرب الإسرائيلية في غزة، لم يعد السؤال المطروح داخل الدولة العبرية وخارجها: "متى ستنتهي الحرب؟"، بل أصبح: "لماذا لا تزال مستمرة؟".

وكشف تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، أن الصدمة التي خلفها هجوم لحركة حماس في مدينة بيت حانون شمال القطاع، والذي أسفر عن مقتل 5 جنود إسرائيليين وإصابة 14 آخرين، لم تكن بسبب الخسائر فحسب، بل لأن الهجوم وقع في منطقة كان يُفترض أنها مؤمنة بالكامل من قبل الجيش الإسرائيلي.

وفي النهاية، طرح الهجوم تساؤلات عميقة حول جدوى العمليات المتواصلة، وقدرة الجيش الإسرائيلي على تحقيق أهدافه المعلنة.

استنزاف بلا هدف

وأوضح التقرير، أن القيادة الإسرائيلية، وعلى رأسها بنيامين نتانياهو، لا تزال متمسكة بخطاب "القوة العسكرية أولاً"، في مواجهة حماس.

وأشار إلى أن الهدف كان تحرير الرهائن المتبقين، والقضاء التام على الحركة. لكن الواقع يصر على "فضح هذه الشعارات": لا رهائن عادوا منذ مارس (أذار)، وحماس، رغم ما تعرضت له من ضربات، ما زالت قائمة ومتماسكة، وتشن هجمات خاطفة من تحت الأرض والأنقاض.

ولفت إلى أن هذا التناقض الصارخ بين الأهداف السياسية والواقع العسكري، يدفع الكثيرين داخل إسرائيل بمن فيهم مسؤولون سابقون ومحللون استراتيجيون إلى التساؤل: "هل أصبح استمرار الحرب وسيلة لخدمة بقاء الحكومة وليس حماية الدولة؟، وهل تحوّلت غزة إلى رهينة لطموحات نتانياهو السياسية، وسط ابتزاز من اليمين المتطرف الذي يهدد بإسقاط الحكومة إن وُقّعت هدنة حقيقية؟".

ووصف الضابط السابق في الاستخبارات العسكرية ميخائيل ميلشتاين، الحرب بأنها "استنزاف بلا هدف استراتيجي.. أشبه بالسير في مستنقع".

حرب بلا أفق

وقالت الصحيفة إن التكلفة الإنسانية للحرب، لا يمكن التغاضي عنها. فبحسب التقديرات المحلية، قُتل نحو 60 ألف فلسطيني، وغالبية السكان أصبحوا نازحين داخلياً، يتنقلون بين أنقاض المدن ومناطق محرومة من المياه والغذاء.

ومع ذلك، لا تبدو القيادة الإسرائيلية مكترثة، بل تذهب بعض الأصوات داخل الحكومة إلى طرح خطط لإعادة توطين سكان القطاع قسراً، في انتهاك صارخ للقانون الدولي.

وأضافت أن الجيش الإسرائيلي نفسه بات يعاني من حرب طويلة الأمد بلا أفق واضح. ففي الوقت الذي يطالب فيه بعض القادة الإسرائيليين السابقين، مثل إيهود أولمرت، بوقف الحرب، يذهب آخرون أبعد من ذلك باتهام إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، حيث تتهم أطراف دولية عدة إسرائيل بالسعي لتهجير سكان غزة قسرياً، وجعل القطاع غير صالح للعيش.

ورغم أن استطلاعات الرأي تُظهر أن غالبية الإسرائيليين تؤيد صفقة للإفراج عن الرهائن، حتى ولو تطلب الأمر إنهاء الحرب، فإن المحادثات الجارية في قطر، حول هدنة جديدة لمدة 60 يوماً، ما زالت تراوح مكانها، بسبب الخلاف حول شروط انسحاب الجيش الإسرائيلي، وضمانات بوقف الحرب.

النصر يبدو بعيداً

وفي ظل هذا المشهد، لا يبدو أن النصر الذي يتحدث عنه نتانياهو وحلفاؤه قابلاً للتحقق، وكل ما تحقق حتى الآن، هو تدمير واسع النطاق، وآلاف الضحايا من المدنيين، وتدهور صورة إسرائيل دولياً، حتى بين أقرب حلفائها.

وقالت الصحيفة إن "ما يجري في غزة ليس فقط مأساة إنسانية، بل مأزق استراتيجي لإسرائيل، التي تجد نفسها عالقة بين أهداف غير قابلة للتحقيق، وواقع ميداني يفرض معادلات جديدة".

ولخص الضابط السابق ميخائيل ميلشتاين الحرب، بأنها أصبحت انعكاساً لـ"أوهام إسرائيلية" غير واقعية، قائلاً: "هي حرب مليئة بالإنجازات التكتيكية، لكنها خالية من أي إنجاز استراتيجي حقيقي".

واختتمت "فايننشال تايمز" تقريرها بالقول: "الزمن لا يعمل لصالح إسرائيل. استمرار الحرب لن يحقق الأمن، بل قد يعمّق جراحاً جديدة يصعب ترميمها في المستقبل القريب. والمطلوب اليوم ليس استمرار العمليات، بل شجاعة سياسية للاعتراف بأن الحل العسكري وحده لن يأتي بالسلام، لا للإسرائيليين ولا للفلسطينيين".