استهلال
لابد وأن تنطوي أی رؤية موضوعیة علی الحیاد المهني أولًا. لتتأسس بعیدًا عن الضیق وهشاشة التحیزات. وهذا ما أحاول أن أنتهجه کلما جد موضوع بمتناول عام. أو حدیث بطابع النقاش الأوسع نطاقًا والفحص من قبل فاعلیات عدة.
ذلک أن أي حياد مهني صارم، لابد وأن یکون حویطًا وبالخصوص حینما یتعلق الأمر بقضية تنطوي على تضليل عالمي متعدد الطبقات، والحاجة هنا إلی زاویة نظر “تتخندق” بقدر ما تحتاج إلى خطاب وازن يروم الإنصاف لا الادعاء، ويعبر عن وعي تحليلي يعيد الاعتبار لما خفي بالخصوص خلف زعم استهداف البرنامج النووي الإيراني کنوع من اضفاء حال من زهو الهیمنة وتعالي مرکزيتها حتی علی ذهنیة المشاهد أو القارٸ من أی مکان فی العالم وهو یواجه سیل التصریحات المتناقضة: دافعها فلکلور الاحتفاء بمزاعم شتی أو حقائق بشریة تحتمل التناسب والنسبیة. وبعیدًا عن التفاصیل الصغیرة.
أسوق هنا رؤية أردتها محايدة وموغلة فی تحلیل نتوءات قد لا تلحظ في ظلال وقائع وطروحات قاتمة. فکم نحن کعرب بحاجة إلی إعمال الفکر بموضوعیة وأعمال افکار وتحلیلات تتوسل أخلاقية الحقيقة المفترضة حتی وسط محیط واسع من القش. وبمعزل عن اصطفاف السرديات.
لعل ما استوقفني كثيرًا هو تصريح مثير للانتباه، حیث قال المحلل الاستراتيجي الإيراني أمير موسوي إن طهران سحبت تجهيزاتها النووية من المواقع الحساسة قبل ما سُمي بـ”الضربة الأميركية” بثمانية أشهر، واصفًا العملية بأنها “خطة تمويه معقدة لم ترصدها الأقمار الصناعية”. وأوضح أن الشاحنات التي ظهرت في صور الأقمار لم تكن إلا جزءًا من مخطط خداعي مدروس، وأن البرنامج النووي الإيراني “بخير، بل بأفضل حال”. أما محمد إسلامي، رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، فقد أضاف أن “الترميم سيتم بسرعة فائقة”.
هذه التصريحات لا تستدعي ردودًا سياسية أو أمنية فحسب، بل تفتح الباب أمام قراءة تحليلية دقيقة، تحاول أن تفكك تضاريس ما جرى، وتعيد الاعتبار للمخفي خلف الضجيج، بعيدًا عن سطوة الروايات الجاهزة أو تصورات القوة الأحادية.
ممارسة التمويه كوعي استباقي لا كحيلة
أولا أجد في ترکز حديث موسوي حول سحب المعدات الحساسة من المواقع المستهدفة، اشارة إلى تحول في المنطق الاستراتيجي الإيراني من رد الفعل إلى صياغة وقائية واعية، تقوم على المعرفة الدقيقة بآلية الاستهداف الخارجي، وتقنيات الرصد، والتوقيت المتوقع.
فإذا صحّ أن عملية الإخلاء لمفاعل “فوردو” قد تمت قبل أشهر من الضربة، وتحدیدًا قبل 8 أشهر کما یقول امیر موسوي فإننا أمام عقلنة للتعامل مع الخطر، لا أمام مجرد استعراض للذكاء العسكري.
وبلغة أوضح: فإن ما بدا هدفًا، قد يكون منذ زمن لم يعد كذلك.
بين صور الأقمار الصناعیة ومشهد الواقع: أين تكمن الحقيقة؟
يُفترض أن الأقمار الصناعية قادرة على تتبع كل حركة، لكن هل رصدت فعلًا ما كان ينبغي أن تراه؟ أم أن البصر التكنولوجي كان يعاني من عمى استراتيجي مقصود؟.
وبإزاء ذلک فتصريحات موسوي توحي بأن طهران لم تُفاجأ، بل كانت تُراقب من يراقبها، وهو ما يعيدنا إلى سؤال الأخلاق المهنية في الرواية الاستخباراتية: من يصدق من، ولماذا؟.
الأنفاق لا تحمي الحديد فقط.. بل تحصّن السردية
مثل دول قليلة في العالم، یبدو أن إيران اعتمدت منذ سنوات مبدأ “الحماية الجوفية” لمنشآتها الحساسة.
فالأنفاق مثلًا لا تعني فقط التحصين من القصف، بل خلق فضاء رمزي مضاد للرؤية المعادية، حيث يتراجع المفهوم التقليدي للهدف القابل للضرب.
وبهذا المعنى، فإن الأنفاق ليست جغرافيا فقط، بل سياسة وظيفية تتستر في الغياب.
التوقيت كأداة تحليل لا كحكم مسبق
إن من السهل الحديث عن “تأخر الضربة”، لكن القراءة الموضوعية تقتضي النظر إلى الأمر من زاوية أوسع:
ربما لم يكن هناك تأخر، بل كان هناك سبق من الطرف الآخر، والذي أعني بها إيران، في إعادة تعريف ما يمكن أن يُستهدف أصلًا.
فحين يُعاد تشكيل الميدان قبل بدء الاشتباك، لا يعود السؤال عن “متى ضُربت المواقع؟”، بل: هل كانت تلك مواقع حيوية أصلًا لحظة الضربة التي استهدفتها؟.
“النووي بأفضل حال”: هل يعكس ثقة أم يخفي ما هو أعمق؟
بإعمال رٶیة تحلیلیة إلی ما وراء اکمة ما قاله محمد إسلامي فی تصریح له: أن البرنامج النووي الإيراني لم يتضرر، بل أنه في “أفضل حال”، لا يشي ذلک فقط بثقة الدولة، بل ربما يكون ردًا على محاولة كسر رمزية البرنامج لا بنيته.
هنا يمكن القول إن الرد لم يكن تقنيًا، بل وجوديًا: وبإعتبار أن ” البرنامج النووي الایراني” من وجهة نظر ایرانیة; قائم لأنه فكرة مستمرة، لا منشأة ثابتة.
إذًا من يملك السردية.. ومن يصوغ المعنى؟
ووسط تسونامي التحلیلات المتضاربة. في المقابل، كانت مصادر غربية قد أشارت في تصریحات متناقضة ومتأرجة الصیغ: إلى “تعطيل جزئي” أو “ضربات نوعية ناجحة”، وهو ما يعكس إزدواجية السردية الدولية، حيث تُنتج كل جهة قراءتها بناءً على موقعها من المعركة.
لكن السؤال الجوهري يبقى: هل يمكن الركون إلى الروايات التي تُبنى على صور مُفسّرة خارج سياقها؟.
أم أن منطق التحليل يقتضي تقليب وجهات النظر لفهم ما خفي لا ما أُعلن عنه؟.
جماليات الموقف المنتصف
أمیل صراحة في ظل في صراع تحكمه الأقمار الصناعية، والبروباجندات السياسية، والحروب غير المعلنة، إلی احتمالیة وجود حقیقة تفضي إلی حقاٸق. إذ تغدو الحقيقة نفسها مشروعًا قيد التشكيل.
وإزاء زخم الروايات التي تتنازع “الحق في تفسير ما جرى”، يظل الصوت التحليلي المنصف هو الأجدر بالاقتراب من حقيقة لم تُقل كاملة بعد.
ليس المطلوب إذن أن نصطف، بل أن نفتح أعيننا على فجوات الرواية، ونقرأ التوقيت لا كفشل أو نصر، بل كمؤشر لإعادة تشكيل المسرح الخلفي للصراع.
وإذا كان البرنامج النووي الإيراني قد نجا، أو أعيد تحصينه، فإن ما نجا معه أيضًا هو الحق في امتلاك السردية خارج مراكز القوى الكبرى.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
كشفت منصة “ديفانس لاين” المتخصصة في الشؤون العسكرية، تفاصيل جديدة حول طبيعة الأهداف التي
بدأت المملكة العربية السعودية، رسميا، دعم ما وصفه مراقبون "إحداث تغيير جذري في اليمن"، بما يضمن مص
ورد للتو، تأكيد رسمي، لانفراج كبير في معاناة اليمنيين المريرة جراء تداعيات الحرب المتواصلة للسنة الع
اقتحمت قوات أمنية تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي فجر اليوم الخميس، مسجداً في مدينة عدن بجنوب اليم