لطالما كانت العلاقة بين الغرب الرأسمالي والمهاجرين معقدة ومتعددة الأوجه، ولكن في السنوات الأخيرة، يبدو أنها قد وصلت إلى نقطة تحول حرجة. فبعد عقود من التدخلات الإمبريالية التي دمرت البنى التحتية والاقتصادات في العديد من دول الجنوب العالمي، يواجه الغرب الآن تدفقًا هائلاً من المهاجرين الفارين من الفقر والعنف والاضطراب الذي غالبًا ما يكون نتيجة مباشرة لتلك السياسات. هذا التلاقي لا يمثل مجرد أزمة إنسانية، بل يشير إلى حقبة جديدة من الجشع الأناني الغربي، حيث تتجلى تناقضات الرأسمالية بوضوح صارخ.
إرث الإمبريالية والنزوح القسري
لا يمكن فهم الوضع الراهن دون الاعتراف بالإرث الثقيل للإمبريالية. فمنذ قرون، استغلت القوى الغربية الموارد الطبيعية والبشرية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، مما أدى إلى تدمير النظم الاقتصادية والاجتماعية المحلية. لم تكن هذه العمليات مجرد استغلال اقتصادي، بل تضمنت أيضًا فرض أنظمة سياسية واجتماعية أدت إلى تفكك المجتمعات وتأجيج الصراعات الداخلية. واليوم، عندما يفر الملايين من بلدانهم المدمرة، فإنهم لا يهربون من مجرد “ظروف سيئة”، بل من عواقب مباشرة لقرون من التدخلات الغربية.
الرأسمالية والجشع: استغلال مزدوج
في هذه الحقبة الجديدة، تبرز الرأسمالية الغربية كقوة ذات وجهين في التعامل مع المهاجرين. فمن ناحية، هناك الخطاب الرسمي الذي يركز على “أزمة المهاجرين” وضرورة “إدارة الحدود”، والذي غالبًا ما يصاحبه تصوير للمهاجرين كعبء أو تهديد. هذا الخطاب يتجاهل بشكل منهجي الأسباب الجذرية للهجرة، ويحاول تبرير سياسات الهجرة الصارمة التي تخدم في النهاية مصالح الرأسمالية في السيطرة على العمالة الرخيصة والحد من أي تكاليف اجتماعية قد تنجم عن الاندماج الحقيقي للمهاجرين.
ومن ناحية أخرى، تستفيد الرأسمالية بشكل مباشر من وجود هذه الأعداد الهائلة من المهاجرين. ففي العديد من القطاعات، يعتمد الاقتصاد الغربي بشكل كبير على العمالة المهاجرة ذات الأجور المنخفضة، التي غالبًا ما تعمل في ظروف صعبة وبدون حماية كافية. هذا يخلق سوق عمل مزدوجًا، حيث يتم استغلال المهاجرين للحفاظ على هوامش الربح المرتفعة، بينما يتم تصويرهم في نفس الوقت كتهديد للعمالة المحلية. هذا الاستغلال المزدوج هو جوهر الجشع الأناني الذي تتسم به هذه الحقبة.
استغلال الخطاب المعادي للمهاجرين: التضليل السياسي
يُعد استغلال الخطاب المعادي للمهاجرين أداة سياسية مفضلة لدى العديد من الساسة الغربيين. ففي مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة – مثل ارتفاع تكاليف المعيشة، وتدهور الخدمات العامة، وتزايد عدم المساواة – يلجأ هؤلاء الساسة إلى خلق “عدو وهمي” يتمثل في المهاجرين. يهدف هذا التكتيك إلى صرف انتباه الشعوب عن المشاكل الجوهرية التي غالبًا ما تكون ناتجة عن سياسات نيوليبرالية فاشلة أو عن ممارسات الرأسمالية المتطرفة.
يتم ترويج أساطير مثل أن المهاجرين يستنزفون الموارد، أو يرفعون معدلات الجريمة، أو يأخذون الوظائف من السكان المحليين. ومع ذلك، تشير الإحصائيات الموثوقة إلى عكس ذلك تمامًا. على سبيل المثال، تظهر العديد من الدراسات أن المهاجرين غالبًا ما يكون لديهم معدلات جريمة أقل من السكان الأصليين، وأنهم يساهمون بشكل كبير في الاقتصاد من خلال الضرائب والابتكار وريادة الأعمال. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تشير دراسات متعددة إلى أن المهاجرين يدفعون مليارات الدولارات كضرائب سنويًا، وأنهم يميلون إلى البدء في الأعمال التجارية بمعدلات أعلى من المواطنين الأصليين. كما أنهم يملأون وظائف لا يرغب المواطنون في شغلها، خاصة في قطاعات مثل الزراعة والرعاية الصحية والخدمات. هذه الحقائق الإحصائية تفكك بوضوح الصورة النمطية التي يتم ترويجها عن المهاجرين كتهديد، وتكشف أنهم جزء لا يتجزأ من النسيج الاقتصادي والاجتماعي.
ما يحدث اليوم في لوس أنجلوس: انعكاس الأزمة
تُعد لوس أنجلوس، كواحدة من أكبر المدن وأكثرها تنوعًا في العالم، مرآة تعكس التناقضات الكامنة في هذه العلاقة. ففي حين تستقبل المدينة أعدادًا كبيرة من المهاجرين من مختلف أنحاء العالم، إلا أنها تعاني أيضًا من أزمات اجتماعية واقتصادية عميقة، مثل ارتفاع معدلات التشرد، وتزايد عدم المساواة، وتدهور البنية التحتية. غالبًا ما يتم تحميل المهاجرين جزءًا من المسؤولية عن هذه المشاكل، بينما في الواقع، هم غالبًا من بين الفئات الأكثر تضررًا منها.
نرى في لوس أنجلوس اليوم كيف تتجلى هذه التناقضات: ففي الوقت الذي يعمل فيه المهاجرون بجد في العديد من الصناعات الحيوية للمدينة، يواجهون تحديات هائلة في الحصول على السكن اللائق والرعاية الصحية والفرص التعليمية. هذا الواقع يوضح أن المشكلة ليست في وجود المهاجرين، بل في الأنظمة الرأسمالية التي تفشل في توفير حلول مستدامة وعادلة لجميع سكانها، وتستغل الوجود المهاجر للحفاظ على أرباحها على حساب الرفاه الاجتماعي.
ان اعلان ترمب المواجهة العسكرية العنيفة ضد المهاجرين الضعفاء سيؤدي لا محالة الى انفراط الأساس الانساني للتعايش بين البشر و خلق فجوة مخيفة لا تسمح بالعيش الا لنخبة مجتمعات واعراق بشرية محدودة و تضع المجتمعات الأضعف و الأفقر أمام مصير حتمي بالزوال في ظل تلاشي فرص الحياة الكريمة و استحواذ الغرب على الموارد و التكنولوجيا التي تسمح له بالتطور بمفرده و انصرافه عن عدم تنمية مجتمعات العالم الثالث و دعم الديمقراطية و حقوق الانسان فيها
دعوة للوحدة: يا مهاجري العالم اتحدوا!
إن الصراع بين الرأسمالية الغربية والمهاجرين ليس مجرد قضية هامشية، بل هو علامة تاريخية فاصلة تكشف عن عمق الأزمة الأخلاقية والاجتماعية في الغرب. لم يعد بالإمكان تجاهل العلاقة بين السياسات الاقتصادية والتدخلات الخارجية من جهة، والنزوح البشري الهائل من جهة أخرى.
لمواجهة هذه الأزمة، هناك حاجة ملحة إلى إعادة تقييم شاملة لنموذج الرأسمالية الحالي. يجب أن تتضمن هذه الإعادة تقييمًا لسياسات التجارة الدولية، والتدخلات العسكرية، وأيضًا للنظم الاجتماعية التي تهمش المهاجرين. لا يمكن تحقيق حلول مستدامة دون معالجة الأسباب الجذرية للهجرة، والاعتراف بالمسؤولية التاريخية للقوى الغربية.
لقد حان الوقت للمهاجرين في كل مكان، والعمال المقهورين من جميع الخلفيات، أن يتحدوا ويدركوا أن عدوهم المشترك ليسوا بعضهم البعض، بل النظام الذي يستغلهم جميعًا والخطاب السياسي المضلل الذي يحاول جعل الرأي العام الغربي في صدام مباشر مع المهاجرين . يجب أن نرفض الخطابات التي تسعى الى خلق عداوات وهمية. ففي وجه الجشع الأناني الذي تحركه الرأسمالية، تكمن القوة في الفهم و التضامن والعمل المشترك.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
كانت ثورة فبراير 2011 صارمة جدا في تمسكها بمبدأ النضال السلمي، رغم الإفراط في العنف الذي ما
أكد الدكتور عبدالعزيز العقاب، رئيس منظمة السلام الدولية، وجود مؤشرات إيجابية في عدد من القضايا المتص
ظهر نائب رئيس الجمهورية السابق، الفريق علي محسن الأحمر، يوم الأحد في حفل استقبالٍ أقامه ولي العهد ال
أدانت هيئة المحلفين الفيدرالية التابعة لوزارة العدل الأمريكية، مهرب الأسلحة الباكستاني محمد بهلوا
قال الصحفي صالح الحنشي:ومن اراد ان يعرف اين تذهب حصة عدن من الغاز.قلناها لكم من قبل ونعيدها لكمالكمي
القاضي قطران يتهم ابتسام ابو دنيا والمقيمه في السعودية بالتحريض على قتله مع عائلته أثناء زيارته لعدن
القاضي قطران يتهم ابتسام ابو دنيا والمقيمه في السعودية بالتحريض على قتله مع عائلته أثناء زيارته لعدن