تعز بين كماشة الفساد والقمع: مدينة تموت بصمت

في قلب اليمن، ترقد مدينة تعز، مدينة الثقافة والحضارة والتاريخ، لكنها اليوم تنهار بصمت تحت وطأة واقع مرير يشطرها إلى نصفين: نصف تحت سيطرة "الشرعية" المزعومة، ونصف في قبضة عصابة الحوثي الارهابية. وبين هذا وذاك، يحترق المواطن التعزي كقشّة بين نارين، يتنقل من خذلان إلى خذلان، ومن قمع إلى قهر.

تعز المدينة.. سلطة غائبة وفساد حاضر

داخل المدينة، حيث يُفترض أن "الشرعية" تدير شؤون المواطنين، لا يكاد المرء يرى أثراً للدولة. الحاكم الفعلي هنا ليس القانون، بل شبكات المصالح والفساد المتغلغلة في مفاصل السلطة المحلية، التي باتت لا همّ لها سوى إرضاء مراكز النفوذ الحزبي، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين التي تتحكم بزمام القرار في تعز، وتديرها كغنيمة حرب لا كمدينة مكلومة.

الشوارع غارقة في القمامة، الخدمات الصحية والتعليمية تترنح، الأمن هشّ إن لم يكن غائباً، بينما تتكاثر مظاهر الفساد والثراء الفاحش في جيوب محددة لا تمثل إلا نفسها. المواطن في تعز لا يطلب معجزة، فقط يريد دولة... ولا يجدها.

الحوبان.. واحة فساد وقمع حوثي

أما الحوبان، تلك المنطقة التي يفصلها خط تماس صغير عن المدينة، لكنها تفصل المواطن عن حقوقه وكينونته، فتحكمها جماعة الحوثي بقبضة حديدية. هناك، لا مجال للشكوى أو الاعتراض. من يعارض مصيره مجهول، ومن يرفع صوته يُسحق.

أقسام الشرطة تحولت إلى أوكار للقمع والابتزاز، حيث تُنهب الممتلكات، وتُفرض الإتاوات، وتُمارس أبشع أساليب الترهيب. الحوبان لم تعد منطقة سكنية، بل سوق مفتوحة للنهب، لا قوانين فيها إلا قوانين الغلبة والسلاح.

سجن الصالح.. بوابة إلى الجحيم

وفي عمق هذا الواقع القاتم، يبرز اسم "سجن مدينة الصالح" كواحد من أبشع رموز القمع الحوثي. السجن الذي بات يُذكر في تعز بصفته مقبرة للأحياء، شهد مقتل العشرات تحت التعذيب، وابتلع مئات المعتقلين دون أن يُعرف مصيرهم. الداخل إليه مفقود، والخارج مولود بجراح لا تندمل.

تعز.. مدينة تسحقها الكارثة من كل الجهات

تعز اليوم ليست فقط مدينة منسية، بل مدينة محاصرة بالخذلان، يتقاسمها لصوص السلطة ومجرمو الحرب، والضحية دوماً هو الإنسان التعزي البسيط، الذي لا يجد من يقف إلى جانبه، أو حتى يستمع لصرخته.

إن ما يجري في تعز لم يعد مجرد فصول حرب، بل هو انهيار أخلاقي وسياسي وإنساني كامل. مدينة تُحاصر من الخارج، وتُنهب من الداخل، وتُركت فريسة بين تجار السياسة وتجار الدين. فهل من ضمير حيّ ينهض لنجدتها؟ أم أن تعز ستظل تنزف وحدها إلى أن ينهكها الألم، وتسقط نهائياً في هاوية النسيان؟