في زمن تتكاثر فيه الأزمات وتتعثر فيه مسارات النهوض، لا يمكن للوطن أن يخرج من دائرة التخبط والجمود إلا حين يتحول الفكر من ترفٍ نظري إلى أداة تحوّل، والعمل السياسي من شعارات مستهلكة إلى فعل مؤسَّس وموجَّه نحو التغيير الجذري.

أولًا: الفكر السياسي كشرط أول للنهوض

إن الفكر السياسي ليس مجرد تنظير أو تحليل أكاديمي، بل هو فعل مقاومة للواقع البائس، وتفكيك لأنظمته المترهلة، وإعادة بناء شاملة على أسس جديدة. فكرٌ يسائل، ويقترح، ويبتكر، ويؤمن بأن الهوية الوطنية ليست سكونًا بل سيرورة تُبنى بالوعي والجهد المشترك.

فكرٌ يعيد تعريف العدالة بوصفها حجر الأساس لأي عقد اجتماعي ناجح.

فكرٌ يرفض ثقافة الخوف والطاعة، ويُشجّع على النقد والتعددية والمشاركة.

فكرٌ يعترف بتنوع المجتمع، لكنه يعمل على توحيده لا على تقسيمه.

ثانيًا: العمل السياسي كرافعة للتغيير لا كأداة للسلطة

العمل السياسي المطلوب اليوم ليس تسويات شكلية أو إدارة للأزمات، بل مشروع تحوّل وطني شامل:

يُبنى على برامج لا أشخاص، على مؤسسات لا مراكز نفوذ.

يُستند إلى شرعية الناس، لا إلى قوة السلاح أو الخارج.

يعمل على إعادة الثقة بين الدولة والمواطن من خلال الشفافية والمحاسبة.

فالعمل السياسي لا يكون نبيلاً إلا حين يكون متجردًا من المصالح الشخصية، متصلًا بهموم الناس، ومرتبطًا بمستقبلهم لا بماضي الزعامات أو صراعات الطوائف.

ثالثًا: نهوض الوطن مشروع حضاري لا مجرد مطلب سياسي

ما نحتاجه اليوم هو مشروع حضاري متكامل:

يربط التعليم بالكرامة، والاقتصاد بالإنتاج، والسياسة بالمواطنة.

يواجه تحديات العصر من الذكاء الاصطناعي إلى تغيّر المناخ، لا أن يغرق في نزاعات الداخل العقيم.

يرفع سقف الطموح: من المطالبة بالخدمات إلى التأسيس لوطن حرّ، قوي، سيّد على قراره وثرواته.