تفاصيل الخبر | اهم الاخبار
إشكاليات البناء الدرامي في المسلسلات اليمنية الرمضانية.. قراءة في ضوء التناولات النقدية
104 قراءة  |

شهدت الدراما اليمنية الرمضانية في السنوات الأخيرة حضورًا لافتًا، مما يستدعي تحليلًا نقديًا معمقًا لإشكالياتها الفنية، يتجاوز الوصف السطحي إلى التفكيك والتحليل في ضوء النظريات النقدية الدرامية. يهدف هذا المقال إلى تقديم قراءة نقدية تخصصية لهذه الإشكاليات، مع التركيز على علاقتها بالبناء الدرامي وعناصره المختلفة، مستندًا بشكل أساسي على ما كتبه الصديق الأديب والشاعر اليمني الدكتور هاني الصلوي، في مقاله المنشور في حلقتين تحت عنوان “اللهم اجعله سوء فهم فعالًا.. الخ”، وأيضًا على بعض المقالات والآراء المنشورة والمتداولة، إضافة إلى مشاهدتي للدراما اليمنية رمضانية وغير رمضانية.

نحو دراما يمنية واعية بذاتها

تواجه الدراما اليمنية الرمضانية تحديات بنيوية عميقة تتطلب معالجة جذرية. يتطلب تجاوز هذه الإشكاليات تطوير وعي نقدي ذاتي لدى صناع الدراما اليمنيين، والانفتاح على التجارب الدرامية العربية والعالمية، والاهتمام بالبحث والتجريب. وسنقوم هنا بسردها موجزة في:

1. إشكالية النص والسيناريو: غياب الدرامية وأزمة الحبكة.

يعد النص بمثابة “اللوغوس” (Logos) الأرسطي للعمل الدرامي، أي المبدأ المنظم والجوهر الذي يمنحه وحدته ومعناه. لكن العديد من المسلسلات اليمنية الرمضانية تعاني من “أزمة نص” تتجلى في غياب الدرامية الفاعلة، والقصور في بناء الحبكة.

غياب الصراع الدرامي:

تفتقر العديد من النصوص إلى صراع درامي حقيقي، وهو المحرك الأساسي للأحداث وتطور الشخصيات. الصراع الدرامي، كما يرى ستانسلافسكي في نظريته عن “فن الممثل”، يجب أن يكون داخليًا وخارجيًا، وأن ينبع من دوافع الشخصيات ورغباتها المتضاربة. في المسلسلات اليمنية، غالبًا ما يكون الصراع سطحيًا أو مفتعلًا، ولا يرتبط بعمق بالشخصيات.

ضعف الحبكة:

تعاني الحبكة في كثير من الأحيان من التفكك والارتجالية، إذ تتوالى الأحداث بشكل عرضي دون منطق سببي واضح. الحبكة القوية، كما يوضح أرسطو في “فن الشعر”، يجب أن تتسم بالوحدة والتماسك، وأن تقوم على مبدأ “الضرورة والاحتمال”. وهو ما يحتاجه النص الدرامي أيضًا.

تكرار الثيمات:

يلاحظ تكرار الثيمات الدرامية، مثل ثيمة “نهب الأراضي” التي أشار إليها هاني جازم الصلوي، مما يدل على غياب الابتكار والقدرة على استكشاف قضايا جديدة. هذا التكرار يخالف مبدأ “الجدة” الذي يعتبره النقاد عنصرًا أساسيًا في العمل الفني.

غياب النص “الورشي”:

النص “الورشي” مصطلح استخدمه الصلوي في مقاله النقدي للدراما اليمنية، للإشارة إلى نص يتم إنشاؤه بشكل تفاعلي وتعاوني بين جميع أفراد الفريق الفني، بمن في ذلك الكتاب والمخرجون والممثلون والمستشارون الفنيون والثقافيون والاجتماعيون. وتكمن أهمية النص “الورشي” في أنه يثري النص، ويعزز التفاعل بين أفراد الفريق الفني، ويقدمه بشكل أكثر شمولية وعمقًا من زوايا مختلفة، ويخلق ديناميكية إبداعية لتبادل الأفكار والآراء وتطويرها، ويحسن جودة وصياغة الحوار بما يتناسب مع شخصياتهم وقدراتهم، ويساعد في تطوير الشخصيات، ويضف لها أبعادًا جديدة، ويسهم “النص الورشي” في تحقيق التكامل الفني بين عناصر العمل المختلفة، مثل النص والإخراج والتمثيل والتصميم، مما يخلق عملًا فنيًا متماسكًا ومنسجمًا.

وبشكل عام، غياب النص “الورشي” في الدراما اليمنية يؤدي إلى نصوص ضعيفة وسطحية، ويحول دون تحقيق الإمكانات الإبداعية الكاملة للأعمال الدرامية، إذ إن غياب هذا النص عن الإنتاج الدرامي اليمني يؤثر سلبًا على جودة الحوار وتطور الشخصيات، ويعكس أزمة في “آليات الإنتاج الدرامي”، ويحول دون تحقيق التكامل الفني.

2. الأداء التمثيلي: بين النمطية والتجاوز

.

يمثل الأداء التمثيلي وسيطًا أساسيًا في تجسيد الشخصيات وإيصال الصراع الدرامي إلى الجمهور. في المسلسلات اليمنية، يتراوح الأداء بين النمطية والتجاوز:

النمطية: يقع بعض الممثلين في فخ “النمطية” (Stereotype)، إذ يكررون أنفسهم، ويقدمون أداءً سطحيًا لا يعكس عمق الشخصية. هذا النمط من الأداء يتنافى مع مبادئ “المدرسة الواقعية” في التمثيل التي تدعو إلى صدق الأداء والاندماج الكامل في الشخصية.

التجاوز: في المقابل، يبرز بعض الممثلين قدرة على “التجاوز” وتقديم أداء مقنع ومؤثر. يشير الدكتور الصلوي -وهو صحيح- إلى تألق بعض الوجوه الجديدة، وهو ما يمكن تفسيره على أنه محاولة لكسر الأنماط السائدة، وتقديم أنماط أداء جديدة.

3. الإخراج والتقنيات الفنية: الرؤية الإخراجية الغائبة.

يمثل الإخراج الرؤية الفنية الموحدة للعمل الدرامي، وهو المسؤول عن ترجمة النص إلى لغة بصرية وسمعية. في المسلسلات اليمنية، غالبًا ما تغيب الرؤية الإخراجية الواضحة، مما يؤدي إلى:

السطحية البصرية: إذ يعاني الإخراج من السطحية البصرية، إذ يغلب عليه التصوير التقليدي والاهتمام المحدود بالجماليات البصرية. هذا الضعف في “اللغة البصرية” يقلل من قدرة العمل على التأثير في المتلقي.

غياب التناغم: يغيب التناغم بين عناصر الإنتاج المختلفة، مثل التصوير والإضاءة والموسيقى، مما يدل على غياب رؤية إخراجية موحدة. هذا الغياب يؤثر على “وحدة العمل الفني” وتماسكه.

4. اللهجة والمكان: الهوية الدرامية المفقودة.

تمثل اللهجة والمكان عنصرين أساسيين في بناء هوية العمل الدرامي، لكن المسلسلات اليمنية تعاني في هذا الجانب من:

الارتباك اللهجي: يلاحظ “ارتباك لهجي” في بعض المسلسلات، إذ تستخدم لهجات متعددة دون مبرر درامي واضح. هذا الارتباك يضعف مصداقية العمل وواقعيته.

التوظيف السطحي للمكان: غالبًا ما يوظف المكان بشكل سطحي، دون استثمار طاقته الدرامية، وقدرته على التأثير في الشخصيات والأحداث. هذا الضعف في “دلالة المكان” يقلل من قدرة العمل على خلق جو درامي مميز.

5. النهايات والرسائل: الخطابية وأزمة الحل الدرامي.

تتسم نهايات العديد من المسلسلات اليمنية بالخطابية المباشرة والحلول التصالحية السطحية، مما يقلل من تأثيرها الفني ورسالتها الاجتماعية. يمكن تفسير هذه النهايات في ضوء مفهوم “الحل الدرامي” الذي يجب أن ينبع من منطق الأحداث وتطور الشخصيات، لا أن يفرض عليها بشكل خارجي.

وختامًا، يمكن القول إن الدراما اليمنية، على الرغم من حضورها المتزايد، لاتزال تواجه تحديات جوهرية على صعيد البناء الدرامي وعناصره المختلفة. إن تجاوز إشكاليات النص والسيناريو، والأداء التمثيلي النمطي، وغياب الرؤية الإخراجية الواضحة، والارتباك اللهجي والتوظيف السطحي للمكان، وصولًا إلى النهايات الخطابية وأزمة الحل الدرامي، يتطلب وقفة نقدية جادة ومستمرة.

إن الحاجة ملحة لتطوير وعي نقدي ذاتي لدى صناع الدراما اليمنيين، وتشجيع البحث والتجريب، والانفتاح على التجارب الدرامية المتنوعة، والأخذ بمفهوم “النص الورشي” كآلية عمل تثري العملية الإبداعية.

إن الارتقاء بالدراما اليمنية الرمضانية لتصبح تعبيرًا فنيًا عميقًا وفاعلًا في المجتمع، وقادرًا على المنافسة على الساحة العربية، يظل رهنًا بمعالجة هذه الإشكاليات بنيويًا، والتحلي برؤية فنية واضحة تسعى نحو دراما يمنية واعية بذاتها وقضاياها.

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك
وطن نيوز | 673 قراءة 

قالت مصادر مطلعة إن قوة تابعة لجماعة الحوثي نفذت، صباح الأربعاء، عملية اعتقال بحق اللواء غازي أحمد ع


بيس هورايزونس | 666 قراءة 

الإهداء: إلى الإنسان الجميل الصديق، العميد/ جابر عبده فارع.المخفي قسرياً حتى اليوم. ارتبط اسم جابر ع


المشهد اليمني | 533 قراءة 

قالت مصادر محلية في مديرية الحيمة بمحافظة صنعاء ، إن جماعة الحوثي، المصنفة إرهابية، أقدمت على نبش


مراقبون برس | 306 قراءة 

جدد مسؤول حكومي تأكيده بأن الدولة لم ولن تصرف أي مرتبات بالدولار، مما يسمى بكشف الاعاشات للمسؤولين ب


عدن نيوز | 300 قراءة 

تتجه الأنظار نحو التقلبات الجوية المتوقعة في اليمن خلال الأيام المقبلة، حيث تشير النماذج المناخية إل


نيوز لاين | 284 قراءة 

خبير اقتصادي يفجّرها: الريال اليمني يتجه نحو 350 مقابل السعودي


نيوز لاين | 277 قراءة 

قيادي في الانتقالي يعلن انسحابه من المشهد السياسي بسبب هذا الأمر


موقع الأول | 262 قراءة 

"اغتصاب جماعي للنساء".. العفو الدولية تدين نادي برشلونة


العين الثالثة | 260 قراءة 

تضاربت الأنباء الواردة من مدينة مأرب حول مقتل القيادي البارز في تنظيم القاعدة، عبد السميع الصنعاني،


موقع حيروت | 224 قراءة 

  الدكتور / الخضر محمد الجعري يوم الجمعه قدم استقالته وزير خارجية هولندا كاسبار فيلد كامب بعد ا