أعد الحلقة لـ”واي دي” محمد العياشي:

في حلقة جديدة من سلسلة “المستشرقون واليمن”، يُسلِّط موقع “يمن ديلي نيوز” الضوءَ على رحلات المستكشف البريطاني الشهير “ويلفريد ثيسيجر” إلى اليمن.

يُعدُّ المستكشف البريطاني ويلفريد ثيسيجر (1910–2003) أحد أبرز المستشرقين الذين زاروا اليمن وكتبوا عنها بتفصيل كبير.

من خلال كتابه الشهير “رمال العرب” (1959)، قدَّم وصفًا دقيقًا لرحلاته عبر الصحاري اليمنية، مركزًا على حياة البدو وتاريخ المنطقة العريق.

يقول ثيسيجر: “وجدت السعادة الحقيقية وأنا أعيش بين البدو”.

كما يعكس تأثير رحلته في الدراسات الاستشراقية، مُسلِّطًا الضوءَ على تاريخ اليمن العريق وحضاراته القديمة مثل مملكة سبأ.

مدينة الأبنية الشاهقة 

أمضى ثيسيجر يومين في مدينة شبام، التي وصفها بأنها “أكثر المدن إثارةً للاهتمام”.

قال إن “عدد سكانها 7000 نسمة تقريبًا، يحيط بها جدار عالٍ يبدو قزمًا إلى جانب البيوت التي ترتفع داخله سبع وثماني طبقات. عندما كنتُ أقف في الأزقة تحت الجدران الشاهقة لهذه البيوت، شعرتُ كأنني في قاع بئر”.

في 25 أكتوبر 1946، انطلق ثيسيجر برفقة 24 رجلًا من قبيلة بيت كثير متجهًا إلى العين عند سفوح جبل قرة، ثم إلى تريم، و موغشن، و بئر شبام.

وصف الزراعة على جوانب الأودية، ومنازل القبائل، وعاداتها، وطرق الري التقليدية، وحفظ المياه، وصولًا إلى عروق الشيبة، التي اعتبرها أعلى الكثبان الرملية في الربع الخالي.

توقَّف عند سليل على حافة بساتين النخيل، ثم إلى ليلى. وجبرين بعد عبور رمال الدهناء، واخترق رمال جافورة؛ فوصف أعشابها، وصولًا إلى سبخة مطي، وأخيرًا واحة ليوا، التي يسكنها بنو ياس والمناصير، وذكر بيوتها المصنوعة من الحصير وسعف النخيل.

إلى الربع الخالي

خلال إقامته في منطقة الرُّبْع الخالي بين عامي 1945 و1950، وصف ثيسيجر المناظر الطبيعية القاحلة التي اقترب منها الرومان ذات يوم.

قال: “تركت الأجيال الماضية أحجارًا ملطخةً بالنيران في مواقع التخييم، وبعض الآثار الباهتة مصقولةً على السهول الحصوية. في مكان آخر، تمحو الرياح آثار أقدامهم”.

وانطلق الجيش الروماني من الجوف إلى البيضاء (عسقة سابقًا)، وسيطر على المدينة، ثم تقدم إلى براقش (أثرولا أو يثل سابقًا)، وسيطر عليها وحولها إلى حامية عسكرية.

بعد ذلك، حاصر الرومان واحة مأرب الكبيرة، لكنهم فشلوا في دخولها بسبب نقص المياه، وفقًا للمؤرخ سترابو.

أرز ولحم

خلال تجواله في إحدى القرى النائية الصحراوية تعرَّض ثيسيجر للإرهاق الشديد بسبب الحر ونقص المياه.

يقول: “ظهر رعاةٌ يمنيون وأنقذونا، قدَّموا لنا الماء والطعام، ودعونا إلى منزلهم حيث أطعموا لنا أرزًا ولحمًا وقهوةً يمنية”.

أهدَوه سجادةً منسوجةً يدويًا، واصفًا التجربة بأنها “أحد أبرز اللحظات الإنسانية في رحلاتي”.

آخر الرجال الأحرار

أشاد ثيسيجر بحياة البدو، واصفًا إياهم بـ”أقوياءَ، صبورينَ، وأصحابَ شرفٍ”.

قال: “هم لا يطلبون الرفاهية، ويعتمدون على أنفسهم في بيئة قاسية”.

وأضاف: “الجمل ليس مجرد وسيلة نقل، بل جزءٌ من ثقافتهم”. لكنه عبَّر عن قلقه من تأثير التحضر على تقاليدهم، قائلًا: “البدو آخر الرجال الأحرار، وحياتهم نقيةٌ بعيدةٌ عن تعقيدات المدنية”.

مهد الحضارات 

سلَّط ثيسيجر الضوء على دور اليمن التاريخي كمركزٍ لحضاراتٍ مثل سبأ ، مشيرًا إلى تقدُّمهم في هندسة الري وبناء السدود مثل سد مأرب، ودورهم في تجارة البخور واللبان.

واختتم رحلته بقوله: “اليمن أرضٌ تجتمع فيها الطبيعة الخلابة مع التاريخ العريق والثقافة الغنية”.

إرث ثيسيجر

ساهمت رحلات ثيسيجر في كشف النقاب عن جوانبَ غامضةٍ من تاريخ اليمن، خاصةً حضارة سبأ، وفهم حياة البدو. ورغم رحيله، تظل صوره وكتاباته مرجعًا لأي باحثٍ في تاريخ الجزيرة العربية.

صور نادرة من كتاف بمحافظة صعدة

المراجع:

– كتاب “رمال العرب”لويلفريد ثيسيجر.

– ترجمة خاصة لموقع “بلقيس نت”.

– مجلة الفكرة الثقافية.

تابعونا غدًا في حلقة جديدة من سلسلة “المستشرقون واليمن”، حيث نستعرض انطباعات مستشرق آخر عن هذه الأرض العريقة.

 سلسلة حلقات “المستشرقون واليمن”:

الحلقة الأولى: الألماني “نيبور” ورحلته إلى البلاد التي تحكمها التوازنات

الحلقة الثانية: “هاليفي” في رحلة استكشاف تاريخ اليمن تحت عباءة التسول

الحلقة الثالثة: رحلة البريطاني “برتون” إلى أرض النقوش والعادات الفريدة

مرتبط

الوسوم

ويلفريد ثيسيجر

المستشرقون واليمن

الحلقة الرابعة

براقش

تريم

صحراء مأرب

نسخ الرابط

تم نسخ الرابط