(أمريكا؛ لا يفهم نبرتها إلا من قرأ فلسفتها) ق. م.
البارحة تابعت وقائع حفل تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ حفل مذهل. أذهلني في قوة التنظيم ودقته وبساطته وفخامته فضلا عن جمال مشهد التحول الديمقراطي السلمي للسلطة في بلد هي الأقوى في العالم. وحينما تكون القوة واعية بذاتها ولذاتها ومن أجل ذاتها فاعلم إن الرئيس الأمريكي الخامس والأربعين؛ ترامب هو الذي يتكلم.. حفل تنصيب تاريخي إذ لم يشهد تاريخ العالم مثيلا له من حيث الحضور والتعقيد والتنظيم والرموز والكلمات والموسيقى التي ترددت في الكابيتول أو بيت الشعب، المقر الرئيسي للسلطة التشريعية الاتحادية.
وأنا أتابع الحفل واستمع لكلمة الرجل الأول تذكرت ما سبق وإن قرأته عن حضارة الموجة الثالثة للأمريكي أولفين توفلر إذ كتب قائلا: تختلف وجهة نظر توڤ—لر بشأن أزمة النظام العالمي الجديد، و بشأن طبيعة الصراع الجوهري فيه، إذ هو على العكس من كثير من الكتاب الأمريكيين المتشائمين أمثال: (جون كينيت جالبريت) في كتابه (أزمة الديمقراطية الأمريكية) أو ديفيد هـ. دونالد المبشر بـ (جدب الحقبة الجديدة) أو كتاب(يول كيندي) (قيام وسقوط القوى الكبرى ” 1987م وكثير من عنوانات الكتب الجديدة –” الفجر الكاذب”، و”فقدان الأمل”، و”الجمهورية المجمدة”، و”بيع أمريكا” و” إفلاس أمريكا و” الحلم الأمريكي المهدد”. وكتاب آرثر هيرمان (فكرة الاضمحلال في التاريخ الغربي) الذي قال فيه : ” إننا نعيش حقبة أصبح التشاؤم فيها هو القاعدة فقد ظهرت سلسلة طويلة من كتب الأزمات تعدنا لاستقبال القرن الواحد والعشرين كمرحلة من التشوش العميق وعدم الثقة يبدو فيها الغرب – الذي يعني إلى حد كبير الولايات المتحدة، عاجزاً عن التأثير على ما ينتج عنه بأي شكل من الأشكال”.
إن تفاؤل توڤ—لر القوي بالمستقبل هو تفاؤل من نمط مختلف عن تفاؤل فرانسيس فوكوي كوياما في كتابه ” نهاية التاريخ والإنسان الأخير” كما أنه يختلف عن هنتجتون في تشخيص “صدام الحضارات”.
إن توڤ—لر يقر بوجود أزمة عميقة في قلب المجتمع الغربي لكنه لا يرى في الأزمة دلالة انهيار أو أفول الغرب بل بشارة ميلاد جديد لحضارة جديدة أخذت تبزغ لتؤها من هشيم الحضارة الصناعية الغاربة إذ يكتب في مقدمة كتابه (بناء حضارة جديدة) البيان الآتي: “تواجه أمريكا (وهي رمز الغرب) تجمع أزمات لم يسبق لها مثيل منذ أيامها الأولى: نظامها الأسري في أزمة وكذلك نظام الرعاية الصحية ونظامها القيمي والمدني، أما نظامها السياسي فهو أشدها تأزماً. وهو الذي فقد – من كافة الوجوه العملية – ثقة الشعب به. والسؤال هو: لماذا أصيبت أمريكا بهذه الأزمات في وقت واحد، كما لم يحدث في تاريخنا؟ هل هذه دلائل على اضمحلال نهائي لأمريكا؟ هل نحن في نهاية التاريخ؟ و يجيب توفلر على تساؤلاته بالقول ” إن أزمات أمريكا ليست نابعة من إخفاقها، و إنما هي نابعة من نجاحاتها المبكرة. وأحرى بنا أن نقول: إننا لسنا في نهاية التاريخ، و إنما نحن نشهد نهاية (ما قبل التاريخ)”. 30 هكذا نكون مع توڤ—لر مع التاريخ الذي لما ينتهِ والتاريخ الذي لما يبدأ. ويرى توڤ—لر أن ذلك الاضطراب الشامل الذي يعم الحياة الراهنة وما يخلفه من إحساس بالارتباك والخوف وفقدان الأمل والاتجاه يمكن أن يكون مصدره المباشر ذلك الصراع في داخلنا وفي داخل مؤسساتنا السياسية، الصراع بين حضارة الموجة الثانية المحتضرة وحضارة الموجة الثالثة البازغة، القادمة بهديرها لتأخذ مكان سابقتها. ويذهب توڤ—لر إلى أن الناس بدأوا متأخرين في إدراك أن الحضارة الصناعية تقترب من نهايتها وإذ تقترب من النهاية فإنها تجلب معها مزيداً من الحروب، وإن تكن حروباً من نوع جديد.وفي نقده لطروحات هنتجتون وبول كنيدي وفوكوياما يرى توفلر أن الصراع الأساسي الذي نواجهه ليس بين الإسلام والغرب، أو “الآخرون ضد الغرب” كما أعلن كنيدي، و لا نحن في نهاية التاريخ، بل نواجه انقسام للعالم على ثلاث حضارات مختلفة ومتمايزة الصدام بينها وارد، ولايمكن رسم حدودها وخرائطها باستخدام المفهومات والتعريفات التقليدية. على هذا النحو الاحتفالي يبشر توڤ—لر بقدوم الحضارة الجديدة، (حضارة الموجة الثالثة)، الذي يرى تباشيرها تلوح في الأفق في مظاهر كثيرة رصدها في كتبه (تحول السلطة) و (وخرائط المستقبل) (وبناء حضارة جديدة) أما بداية ميلاد الموجة الحضارية الثالثة فيحددها توڤ—لر في عام 1955م، الذي يعدُّه نقطة من أكبر نقاط الفصل في التاريخ، إذ شهد لأول مرة زيادة عدد العاملين ذوي الياقات البيضاء وأولئك الذين يعملون في قطاع الخدمات على عدد العمال ذوي الياقات الزرقاء. وهذا هو نفس العقد الذي شهد انتشار استخدام الكومبيوتر، والطيران التجاري النفاث، وحبوب منع الحمل.. وغيرها، من المستجدات بعيدة الأثر. وهذا بالتحديد هو العقد الذي بدأت فيه الموجه الثالثة تستجمع قوتها في الولايات المتحدة، ومنذ ذلك الحين بدأت تصل في أوقات متقاربة إلى غالبية البلاد الصناعية الأخرى واليوم يصيب الدوار كل بلاد التكنولوجيا المتطورة بسبب التصادم بين الموجة الثالثة من جانب، واقتصاديات ومؤسسات الموجة الثانية التي أصبحت جامدة وانتهى زمانها من جانب آخر. إن هذا الفهم هو مفتاح السر الذي يعطي معنى لكثير من الصراعات الاجتماعية والسياسية من حولنا.
هكذا يعلن توڤ—لر بيان البشارة تحت عنوان ( الكفاح الأكبر) فيقول: ” تنبثق حضارة جديدة في حياتنا، وفي كل مكان يحاول رجال فاقدو البصر والبصيرة أن يوقفوا بزوغها، تجيئنا هذه الحضارة الجديدة بأساليب عائلية جديدة، وأساليب مختلفة لمزاولة العمل، والحب والحياة، كما تجيئنا باقتصاديات جديدة، وصراعات سياسية جديدة، وفوق كل ذلك: تجيئنا بوعي مختلف تواجه البشرية قفزة هائلة إلى الأمام، تواجه أعمق فوران اجتماعي، واشمل عملية إعادة بناء في التاريخ. ونحن اليوم مندمجون في بناء حضارة جديدة متميزة بدءاً من البداية، وإن كنا غير واعين تماماً لهذه الحقيقة وهذا ما نعنيه بـ (الموجة الثالثة).
على هذا النحو الخطابي الاحتفالي يقرأ توڤ—لر أزمة العالم المعاصر، إذ يرى في الأزمة الماحقة التي تجتاح العالم بشائر ميلاد جديد لحضارة جديدة تحمل العالم إلى العصر القادم السعيد !!.
من الطريف أن نشير إلى أن تلك النبرة المتغطرسة في تبشير توڤ—لر بالعالم الجديد تذكرنا بخطاب مماثل لكاتب أمريكي من القرن الثامن عشر الميلادي هو (توم بين ) الذي كتب ،على أثر تحقيق الاستقلال الأمريكي عام 1783م يقول:
” نحن الأمريكيون نملك القوة و القدرة على أن نبدأ العالم من جديد، وإن العالم لم يشهد موقفاً مماثلاً منذ أيام نوح حتى الآن، ونحن نقف على عتبة ميلاد عالم جديد ” وفي عام 1858م كتبت مجلة ( هاربرز منثلي الأمريكية ) إن كل ماله علاقة بوضعنا وتاريخنا وتقدمنا، يعين الولايات المتحدة أرضا للمستقبل ” 34وإنها من مفارقات القدر أن يعيد توڤ—لر بعد قرنين من الزمن ترديد هذه الأنشودة الصاخبة بقوله: ” إن أمريكا هي البلد الذي عادة ما يأتيه المستقبل قبل غيره وإذ نحن نعاني من انهيار مؤسساتنا القديمة، فإننا أيضاً رواد حضارة جديدة”.35 وإذا كان كتاب ” هنتجتون ” ” صدام الحضارات ” قد آثار موجات عاتية من ردود الأفعال الناقدة والرافضة والمستنكرة، فإن توفلر في معظم كتبه هو أخطر بكثير من هنتجتون في تبرير وشرعنة الصدام الحضاري الراهن.
إذ يرى أن العالم اليوم يصطف اصطفافاً حضارياً مختلفاً في ثلاثة أقسام متناقضة ومتنافسة في ثلاث موجات حضارية متمايزة.
واليكم أبرز ما جاء ما جاء في خطاب التنصيب.
ألقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الاثنين 20 يناير 2025، خطاب تنصيبه بعد أدائه اليمين الدستورية كرئيس للولايات المتحدة. في خطابه، أعلن عن بداية “عصر ذهبي” جديد لأمريكا، متعهداً بإعادة الثروة والديمقراطية والحرية للشعب الأمريكي، ومؤكداً أن “انحدار أمريكا قد انتهى”.
تجدر الإشارة إلى أن خطاب ترامب تضمن انتقادات لإدارة سلفه، جو بايدن، متهمًا إياها بالفشل في إدارة الأزمات الداخلية والخارجية، وذلك بينما كان بايدن يجلس على بعد خطوات منه خلال حفل التنصيب.
من أبرز النقاط التي تناولها ترامب في خطابه:
• السياسة الداخلية: تعهد باتخاذ سلسلة من الأوامر التنفيذية، بما في ذلك إعلان حالة الطوارئ على الحدود الجنوبية، وتعليق جميع عمليات الدخول غير الشرعي، وترحيل “ملايين المجرمين الأجانب”. كما أعلن عن إنهاء سياسة “الاعتقال والإفراج”، وإرسال قوات إلى الحدود الجنوبية، واعتبار عصابات الكارتيل منظمات إرهابية دولية.
• الاقتصاد والطاقة: أعلن عن إطلاق حالة طوارئ وطنية في مجال الطاقة، واستئناف عمليات التنقيب عن النفط والغاز، بهدف خفض الأسعار وتعزيز الاحتياطي الاستراتيجي، مؤكدًا أن هذا “الذهب السائل” سيساعد في تحقيق الازدهار الاقتصادي.
• السياسة الخارجية: أشار إلى نيته استعادة السيطرة على قناة بنما، معتبراً أن الولايات المتحدة تعرضت “لمعاملة سيئة للغاية” بسبب التخلي عن هذه القناة. كما أعلن عن خطط لإعادة تسمية خليج المكسيك إلى “خليج أمريكا”، وتغيير اسم جبل دينالي إلى جبل ماكينلي.
• الهوية الوطنية: أكد أن السياسة الرسمية للحكومة الأمريكية ستكون الاعتراف بجنسين فقط: الذكر والأنثى، مشددًا على إنشاء مجتمع يعتمد على الجدارة دون تمييز.
• الاستكشاف الفضائي: أعرب عن عزمه دفع الولايات المتحدة نحو الفضاء الخارجي، ووضع العلم الأمريكي على كوكب المريخ، وسط تصفيق من إيلون ماسك، رئيس شركة “سبيس إكس”.
تجدر الإشارة إلى أن خطاب ترامب تضمن انتقادات لإدارة سلفه، جو بايدن، متهمًا إياها بالفشل في إدارة الأزمات الداخلية والخارجية، وذلك بينما كان بايدن يجلس على بعد خطوات منه خلال حفل التنصيب.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
صدمة كبيرة لكل من يحلم دخول المملكة ...اعلان حكومي سعودي عن اغلاق اكثر من 31 مكتب استقدام وتحذر الجم
المشهد اليمني - خاص أكدت مصادر سياسية مطلعة بعدن ان ثمة أطراف دولية لإتزال تقف حجر عثرة إمام توجه
أعلنت السلطات الأمنية السعودية، القبض على 16 مخالفًا يمنيًا، لتهريبهم كميات من القات إلى أراضي الممل
استأنفت مصلحة الهجرة والجوازات في عدن، عملها في إصدار الجوازات بشكل طبيعي في كافة المراكز التابعة له
عثر في مصر على فتاة محبوسة ومقيدة داخل غرفة مظلمة في منزل عمها منذ 6 سنوات. وتكشفت تفاصيل تلك القصة