فادية سمير
تستخدم روسيا المرتزقة من شعوب مختلفة في حربها على أوكرانيا بطرق متعددة ومتنوعة، بهدف تعزيز قدراتها العسكرية وتجنب الخسائر في صفوف قواتها النظامية. يخضع هذا الاستخدام للمرتزقة لرؤية روسية، حيث يتم عادةً نشرهم في المناطق الأكثر خطورة واشتباكًا، مما يسمح للقوات النظامية بالتركيز على مهام أخرى.
توظف روسيا المرتزقة في عمليات الاستطلاع والاغتيال والتخريب، نظرًا لمرونتهم وقدرتهم على العمل بشكل مستقل، مثل اعتمادها على مجموعة “فاغنر” وجيش كوريا الشمالية. كما يساعد أداء المرتزقة في اختبار الأسلحة والتكتيكات الجديدة قبل استخدامها على نطاق واسع.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن لروسيا التنصل من مسؤوليتها عن أفعال المرتزقة، مما يقلل من الضغط الدولي عليها. ويتم استخدامهم أيضًا لتجنب العقوبات المفروضة على روسيا، حيث تعمل الشركات العسكرية الخاصة في ظل غموض قانوني. وغالباً ما تسعى روسيا إلى استقطاب المرتزقة من الدول الفقيرة، مستغلة الأوضاع الاقتصادية القاسية، مثل استقطاب اليمنيين واستخدامهم في حربها ضد أوكرانيا.
اليمنيون مجندون في أوكرانيا
بحسب صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، جندت روسيا مئات المرتزقة من اليمن للقتال في حربها الدائرة ضد أوكرانيا. وقد صرح المجندون للصحيفة بأنهم تلقوا وعودًا بوظائف مربحة و”رواتب عالية”، وحتى إمكانية الحصول على الجنسية الروسية. إلا أنهم، ما إن وصلوا، حتى تم تجنيدهم في الجيش الروسي وإرسالهم إلى خطوط المواجهة في أوكرانيا.
إن ظهور مجموعة من المرتزقة اليمنيين في أوكرانيا، ومعظمهم غير طوعيين، يُظهِر كيف يجتذب الصراع بشكل متزايد جنودًا من الخارج، مع ارتفاع عدد الضحايا ومحاولة “الكرملين” تجنب التعبئة العامة.
يعلق الدكتور يوسف مرعي، الباحث المختص بالشأنين اليمني والروسي، في حديثه مع “الحل نت” قائلًا: “عمليات تجنيد المرتزقة بالنسبة لموسكو ليست أمرًا جديدًا، بل لها تاريخ وثيق الصلة بحروبها في أفغانستان والشيشان وسوريا وأخيرًا في أوكرانيا. لديها شركات أمنية خاصة مثل مجموعة فاغنر، التي غالبًا ما يعتبرها الكثيرون أداة لموسكو لتوسيع نفوذها الأمني والاقتصادي والجيوسياسي، خاصة في القارة الأفريقية. ورغم أن هذه الشركة أُنشئت قبل سقوط الاتحاد السوفييتي، إلا أنها لم تلقَ هذا الاهتمام الإعلامي إلا بعد عملياتها في سوريا والضربات التي تلقتها هناك”.
وتابع مرعي: “مع طول أمد الحرب الروسية في أوكرانيا، وهروبًا من التداعيات الداخلية التي قد تلحق بروسيا جراء الخسائر البشرية في أوكرانيا، اتجهت موسكو إلى اتخاذ العديد من الأساليب والتدابير لتوسيع شبكاتها وزيادة عدد شركاتها الأمنية. وهذا يشمل تجنيد الشباب، خاصة من الدول الفقيرة التي تشهد صراعات وحروب، من بينها اليمن. ففي ظل غياب التنمية وارتفاع معدلات البطالة والفقر، وللهروب من الواقع الموحش، اتجه الكثير من الشباب للقبول بخيارات أليمة رغم ما تنطوي عليه من مخاطر. كما وقع الكثير منهم ضحية لأساليب الخداع والاحتيال من شركات تعمل لصالح جماعة الحوثي”.
وأضاف: “إن ارتفاع منسوب العلاقة بين موسكو والجماعة الحوثية الإرهابية في صنعاء يفسر جزءًا من هذه العمليات. عمليات التجنيد الأخيرة، التي سُلِّط الضوء عليها، لم تكن لتحدث لولا جسارة وشجاعة أحد الشباب الذين تم الاحتيال عليهم والتغرير بهم، فضلًا عن جهود الصحفيين الاستقصائيين الذين حاولوا كشف أبعاد هذه القضية”.
هذه العمليات، بما تحتويه من امتهان لكرامة الشباب والزج بهم في الخطوط الأمامية، تكشف كيف أن الدول لا تستخدم القانون الدولي إلا بما يتناسب مع مصالحها، دون اعتبار لكرامة الإنسان وحقه في الحياة. وتُظهر هذه القضية كيف يتم التعامل مع الأرواح البشرية في جبهة الحرب الأوكرانية على أنها مواد استهلاكية لإطالة أمد الحرب والتخفيف من الاحتجاجات الداخلية في كلا النظامين الروسي والأوكراني، باستخدام أساليب تشمل الخداع والاحتيال.
تورط شركات عُمانية
طبقا لصحيفة “فاينانشيال تايمز”، فإن هؤلاء المرتزقة يشملون أفرادًا من نيبال والهند، ونحو 12 ألف جندي من الجيش النظامي الكوري الشمالي الذين وصلوا للمشاركة في القتال ضد القوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك الروسية. كما تؤكد جهود التجنيد اليمنية كيف تقترب روسيا، مدفوعة بمواجهتها مع الغرب، من إيران والجماعات المسلحة المتحالفة معها في الشرق الأوسط.
ويرى المحللون أن التفاهم القائم بين “الكرملين” و”الحوثيين”، والذي كان لا يمكن تصوره قبل الحرب في أوكرانيا، يُعدّ علامة على مدى استعداد روسيا لتوسيع هذا الصراع إلى مسارح جديدة، بما في ذلك الشرق الأوسط. ويتم هذا التجنيد المضلل عن طريق العقود التي يوقعها اليمنيون دون معرفة مضمونها، لأنها مكتوبة باللغة الإنجليزية.
وكان الجابري واحدًا من 174 قائدًا حوثيًا حكم عليهم بالإعدام غيابيًا من قبل محكمة عسكرية تابعة للحكومة الموالية للسعودية والمعترف بها من قبل الأمم المتحدة في عدن، في عام 2021، لدوره في الانقلاب الذي قاده “الحوثيون” عام 2015.
وتشير وثائق تسجيل شركة الجابري، المسجلة في صلالة بسلطنة عُمان، إلى أنها تعمل كشركة سياحية ومورد بالتجزئة للمعدات الطبية والأدوية. ويبدو أن عملية تجنيد الجنود اليمنيين بدأت في وقت مبكر من شهر تموز/يوليو الفائت.
تنسيق المصالح الروسية الحوثية
إن تجنيد المقاتلين اليمنيين ليس سوى عنصر واحد من العلاقة الناشئة بين “الحوثيين” وروسيا، والتي اكتسبت أهمية أكبر منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. فالحوثيون يسعون إلى دور أكثر بروزًا داخل شبكة حلفاء إيران ووكلائها. وبحسب تقرير صادر عن مركز أبحاث المجلس الأطلسي الأميركي، فإن عملية التجنيد تخدم مصالح “الحوثيين” وروسيا على حد سواء.
ويرجع ذلك إلى ضرباتهم على الشحن البحري الدولي والأراضي الإسرائيلية، فضلاً عن تضاؤل نفوذ “حزب الله” بعد العمليات العسكرية الإسرائيلية المتتالية التي استهدفت القيادات العليا والبنية التحتية الحيوية. وبالتالي، ينبغي النظر إلى العلاقة بين “الحوثيين” وروسيا باعتبارها جزءًا من جهد استراتيجي أكبر بين خصوم الولايات المتحدة – روسيا، وإيران، وكوريا الشمالية، والصين – لتعزيز تحالفاتهم وتحدي الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
وبالنسبة لموسكو، يقدم التعاون مع “الحوثيين” العديد من الفوائد التي تتجاوز مجرد تعويض الخسائر في ساحة المعركة في أوكرانيا. أولاً، من خلال تزويد “الحوثيين” بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية، تشجع روسيا الأعمال المزعزعة للاستقرار في البحر الأحمر والممرات المائية المحيطة. ترى موسكو الحملة البحرية لـ “الحوثيين” كفرصة لممارسة الضغط على الشحن التجاري الغربي، وتحويل انتباه الولايات المتحدة ومواردها عن حرب روسيا في أوكرانيا.
في الوقت نفسه، تمنح العلاقات الروسية الحوثية “الكرملين” نفوذًا إضافيًا على اللاعبين الإقليميين المهمين، مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، اللتين لديهما مصلحة راسخة في إنهاء الحرب في اليمن.
وقد علق المبعوث الأميركي الخاص لليمن، تيموثي ليندركينج، على مسألة تجنيد اليمنيين قائلاً: “فيما يتعلق بتجنيد روسيا للمرتزقة اليمنيين، فقد اطلعت على تقارير بهذا الشأن”. وأضاف: “أعتقد أن هذا الأمر يثير قلقنا بالتأكيد. إنه جزء من هذا الاتجاه، وليس بالضرورة أمرًا مفاجئًا بالنسبة لنا”.
هذا وقد أحال السفير اليمني في موسكو، أحمد سالم الوحيشي، ممثل الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية، الأسئلة حول تجنيد الجيش الروسي لليمنيين إلى الملحق العسكري بالسفارة، الذي لم يرد على الاتصالات الهاتفية أو الرسائل.
مجندون في حرب دون تدريب
بحسب تصريح توفيق الحميدي، مدير مركز الحقوق والحريات اليمنية، لوسائل الإعلام: “من المستحيل تحديد عدد الجنود الذين يقاتلون على الجبهة الروسية الأوكرانية على وجه الدقة. ربما يتراوح عددهم بين 500 و700، وربما أقل قليلاً”. ويتم تجنيد الشباب من خلال شبكة تعمل على المستوى الدولي.
وقال الحميدي: “إن موظفيهم يعدونهم بوظائف غير عسكرية في روسيا، ويخبرونهم أنهم قد يكسبون ما يصل إلى 10 آلاف دولار (9500 يورو)”.
ويؤكد ماجد المذحجي، رئيس مركز “صنعاء” للدراسات الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث يركز على اليمن، أن روسيا مهتمة أيضًا “بأي مجموعة في البحر الأحمر أو في الشرق الأوسط، معادية للولايات المتحدة”. وأضاف أن المرتزقة يتم تنظيمهم من قبل “الحوثيين” كجزء من الجهود الرامية إلى بناء روابط مع روسيا.
وبحسب فارع المسلمي، الخبير في شؤون منطقة الخليج في “تشاتام هاوس”، فإن قلة من المرتزقة اليمنيين تلقوا أي تدريب، وكثير منهم لا يرغبون في التواجد هناك. وقال المسلمي: “إن الشيء الوحيد الذي تحتاجه روسيا هو الجنود، ومن الواضح أن الحوثيين يجندون لهم”. ووصف ذلك بأنه انفتاح على موسكو. وأضاف: “اليمن مكان سهل للغاية للتجنيد، فهي دولة فقيرة للغاية”.
وقال أحد المجندين ويدعى نبيل، الذي تبادل رسائل نصية مع صحيفة “فاينانشيال تايمز”، إنه كان جزءًا من مجموعة تضم نحو 200 يمني تم تجنيدهم في الجيش الروسي في أيلول/سبتمبر الفائت، بعد وصولهم إلى موسكو. ورغم أن بعضهم كانوا من المقاتلين المتمرسين، فإن العديد منهم لم يتلقوا أي تدريب عسكري.
وأضاف أن المجندين تعرضوا للخداع حتى سافروا إلى روسيا ووقعوا عقود تجنيد لم يتمكنوا من قراءتها. وأوضح نبيل – الذي طلب عدم ذكر اسمه الحقيقي – أنه أُغرِيَ بفرص عمل مربحة في مجالات مثل “الأمن” و”الهندسة”، على أمل كسب ما يكفي لإكمال دراسته. وبعد بضعة أسابيع، تم احتجازه مع أربعة يمنيين آخرين وصلوا حديثًا إلى غابة في أوكرانيا، وكانوا يرتدون ملابس عسكرية تحمل شعارات روسية، ووجوههم مغطاة بأوشحة.
ويرى بعض المحللين أن اعتماد روسيا على اليمنيين يرجع إلى رغبتها في تعويض خسائرها البشرية في الحرب الأوكرانية، خاصة مع انتشار أخبار عن خسارة موسكو نحو 700 ألف جندي بين قتيل وجريح منذ بدء غزوها في عام 2022. وربما ازداد الوضع سوءًا بالنسبة لروسيا في الآونة الأخيرة، حيث زعم مسؤولون أن “الكرملين” خسر ما معدله 1500 جندي يوميًا في تشرين الأول/أكتوبر الفائت، وهو أسوأ شهر من حيث الخسائر بالنسبة لموسكو مع اقتراب الحرب من عامها الثالث.
وأخيرًا، استغلت جماعة “الحوثي” وروسيا الفقر والحرمان والعوز الذي يعيشه اليمنيون لإلقاء جزء منهم في أتون الحرب الدائرة لصالحهم. وتحولت الحروب إلى وسيلة للعيش في نظر هؤلاء الشباب، وفرصة للبقاء على قيد الحياة ولو لبعض الوقت، بتحويلهم إلى مقاتلين مأجورين. أما الجزء الآخر، فكان نصيبه التسول، والتشرد، والاغتراب عن أوطانهم.
المصدر
الحل
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
شمسان بوست / خاص: أكد مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، يوم الاثنين، أنه ناقش مع عدد من الأطراف السياسي
زعيم الحوثيين " عبد الملك الحوثي " يتعرض لطعنة غادرة ومصير أسوأ من بشار الأسد
كشف رشاد العليمي، رئيس المجلس الرئاسي، الأربعاء، موعد توقيع اتفاق خارطة الطريق الأممية.
عدن توداي /خاص ينتظر 40 مليون يمني يوم الأربعاء القادم وبفارغ الصبر، حيث سيشهد هذا اليوم الموافق 25
نشرت صحيفة عكاظ المقربة من الديوان الملكي في السعودية معلومات عن اتفاقات رسمية بين الحكومة السعودية
عدن توداي/خاص أكد تقرير نشرته مجلة أمريكية أن الوضع الحالي في اليمن لن يستمر على ما هو عليه عام آخر،
كشفت مصادر خاصة عن قرب صرف راتبين للموظفين المدنيين والعسكريين في مختلف القطاعات الحكومية خلال الأيا
قال البرلماني، والقيادي البارز في حزب الإصلاح، حميد الأحمر، إن التحركات الأخيرة التي تجري في العا