تفاصيل الخبر | اهم الاخبار
جيل العشرية الثانية في اليمن.. الكتابة بأصابع مرتجفة وحسابات لا تنتهي في واقع مرير
59 قراءة  |

أكتب هنا عن جيل أدبي جديد ظهر في اليمن، هو الأحدث. يمثله مجموعة شباب يمكن وصفهم زمنيًا بجيل العشرية الثانية من هذا القرن الملغوم الذي شهد الكثير من الحروب والأزمات والكوارث، والتي يتداخل فيها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي.

هم أولئك الذين ولدوا ما بين أواخر تسعينيات القرن الفائت (95- 1999) ومطلع القرن الجديد إقليميًا وعالميًا، والراكد محليًا.

سترى أنهم بأجساد نحيلة، وعيون حادة، وملامح قلقة، وأسماء تحمل ألقابها على أكتاف الزمن، يحفرون حضورهم داخل أزمة وجودية ممتدة تعمقت بشكل أعنف، يعيشها اليمنيون منذ ما يقرب من 15 عامًا. تمثل عقدًا ونيف من السنوات التي تشكل خلالها وعيهم بالحياة والقراءة، وبمعنى أن تكون مبدعًا من اليمن وفي اليمن، بلد التقلبات الذي يتقدم خطوة إلى المستقبل، ثم يتراجع عشر خطوات إلى عهود لا تشبه إلا أيام السلاطين والاستعمار والإمامة والاقطاعيات، والهموم البدائية التي تجعل المرء يتقوقع داخل معركة الحياة اليومية، في سبيل تدبير لقمة العيش، وتجنب أذى الزمن القاسي والموحش، بفقره وناسه وقمعه.

جيل ولد منكوبًا، ولا تخلو تعبيرات كثير من أفراده عن الحلم بالمغادرة والتوق المحموم، إما لاقتحام الآفاق أو لمغادرة العالم برمته عبر التلويح بفكرة الهجرة، أو الانتحار المعنوي أو الجسدي، لا فرق.

إنه الجيل الذي ظهر وقد أصبح الإنترنت في مرحلة يطلق عليها الخبراء الإنترنت التفاعلي، خلافًا لجيلنا التسعيني الذي عاصر ما قبل الإنترنت، ثم استفتح هذا العصر بالإنترنت المبكر الذي امتاز بصفحات الويب الثابتة الخالية من التفاعل، مثل مخازن ومستودعات للتلقي من دون أي تعليق.

نشأ جيل العشرية الثانية في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، وتموضع فيها، وأعلن عن نفسه من خلالها، حيث برزت مشاغباته وملامح التجديد التي أبدعها، أو حيث لاحظنا تراجعات بعض أفراده عن الأجيال التي سبقته. ويبدو أننا الآن في عصر رقمي جديد مع ولادة أدوات الذكاء الاصطناعي وشيوع استخدامها، لكنها مرحلة ذكاء في عالم غبي، وفي واقع أشد غباءً، لا سيما في اليمن، حيث الأرضية السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تطرد كل كائن يتنفس هواء الحرية والإبداع والرغبة في الاستمتاع بالفنون والإضافة على مدونة الأدب.

جيل ولد في عالم (البوست) القصير والشذرة التي تلمع بالمعنى المكثف، وفي لحظة التجاذبات والـ (ترندات) وردود الأفعال والمشاركة والإدلاء بالرأي عبر شاشة الهاتف، بأصابع مرتجفة، وقلق سحيق، وحسابات لا نهاية لها، تواجه سلطة الأسرة والمجتمع والجامع والجماعة، ورقابة الذات الحائرة من كل شيء.

جيل منفتح على السرد قراءة وكتابة، وهو الانفتاح الذي سمح به توفر الكتب المقرصنة على الإنترنت، وغزارة الرصيد الذي تراكم من الرواية المترجمة والرواية العربية، وجعل الرغبة في كتابة الرواية هاجسًا وجد طريقه إلى صفحات الـ “وورد”.

لا أدري لماذا خامرتني وأنا أكتب هذه الخاطرة السريعة مشاعر التعاطف والتضامن الصادق مع هذا الجيل الذي أتحدث عنه، بالرغم من أن جيلنا والجيل التالي لنا لم يكن أحسن حظًا إلا خلال سنوات قليلة من الاستقرار والمثاقفة والفعاليات النشيطة والصداقات، والسباق على اقتناء كتب ومجلات كان لقراءتها مذاق مختلف يتناسب مع تعب الحصول عليها، قبل أن يظهر عصر الـ “PDF”.

يا له من جيل تحاصره كل أسباب الشيخوخة المبكرة جسديًا ونفسيًا! ولا يملك أحدنا إلا أن يسخر من تلك المقولة الماسخة التي كان الجميع يرددونها بترف بالغ: المعاناة تولّد الإبداع!

كلا يا أصدقائي! المعاناة المقصودة في هذه المقولة هي المعاناة الفنية والجوانية في الاشتباك مع ما تحويه أشكال الفن والأدب والموسيقى والرسم والحياة من جماليات شاهقة. وهي المعاناة في معالجة لحظة الانتشاء بتدفق الوعي والرغبة في التعبير، وليست المعاناة مع حق الحصول على المسكن والغذاء والتعليم والصحة وحرية القول، وغيرها من الأساسيات التي حسم الآخرون في بلدان العالم أمر توفرها، أو تعويض الفرد عن غيابها بالشكل المناسب.

وبعيدًا عن أولئك الشباب الذين تساقطوا في الالتحاق بطوابير صرخات الأيديولوجيا، وانسحقوا تحت عجلات لغة سياسية وشعارات ميتة لا حياة فيها، وأولئك الذين استمتعوا بالغرق في حالة غنائية ألزموا أنفسهم خلالها بإنشاد قصائد عمودية في مديح رموز الوهم والخراب، وانحازوا إلى صف تيار أقل ما يمكن أن يوصف به أنه ماضوي متعفن ومعاد لمستقبل اليمنيين، لا يزال هناك من قرروا تحويل عقولهم الفتية إلى مطاحن هائلة يكرسونها للتأمل والقراءة والكتابة وترقب الآتي، كما لو أنه نهاية فيلم سينمائي من أفلام الرعب، ولا يملكون أن يغمضوا أعينهم وهم في حالة اضطرار لمتابعته حتى النهاية، كأي إنسان قرر أن يواصل الحياة بشروطها في الواقع المر، لا كما كان يحلم أن يعيش.

لن يظهر نتاج هذا الجيل، ولن يصبح من الممكن دراسته وتأمله وفحص تعبيراته عن هذه المرحلة السوداء والغريبة في تاريخ وحاضر اليمن، إلا بعد 10 سنوات أو أكثر قليلاً، لنرى ساعتها من سيبقى منهم، وماذا سيكتبون. أما كتب الشعر والروايات التي صدرت، وبعضها خرجت من معاطف جوائز تشجيعية، وأخرى جرى تصميمها بهدف استقطاب المخطوطات لتحريك عجلة النشر وتقديم عناوين جديدة في المعارض وعلى منصات البيع الإلكترونية، فإنها إما من نتاج الجيل الذي سبقهم (جيل العشرية الأولى اللاحق لجيل تسعينيات القرن الماضي)، وما يحسب من إنتاجهم سيحتاج إلى غربلة يتكفل بها الزمن، ولن يبقى من الفائزين إلا من سيعترف به الوقت وقارئ المستقبل ورف الكتب الأنيقة التي تقاوم غبار السنين.

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك
صوت العاصمة | 439 قراءة 

شهدت عدن أمس حادثة غريبة داخل الحجاز مول، حيث ظهرت فتاة ترقص فوق سيارة مكشوفة أثناء تجولها في المول،


وطن نيوز | 427 قراءة 

تلقى الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" تهديد شديد اللهجة بفرض عقوبات قاسية على الولايات المتحدة الأمريك


هنا عدن | 350 قراءة 

‏ ‏تحدث موقع "دزين رو – دينفنكي زليونفا كرايا" الروسي، عن آخر معركة خاضتها قوات صنعاء مع حاملة الط


بوابتي | 314 قراءة 

ماذا يعني ادراج جماعة الحوثي على قائمة المنظمات الارهابية الأجنبية؟


اليمن السعيد | 264 قراءة 

هذا ما وجده صاحب المنزل الذي استشهد فيه يحيى السنوار بعد رفع الأنقاض؟


كريتر سكاي | 261 قراءة 

افاد ناشطون بان قوات امنية قامت بالقبض على الشاب الذي ظهر وهو يعتدي على شاب


اليوم برس | 258 قراءة 

وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الأربعاء


وطن نيوز | 254 قراءة 

بدأ مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، بالتعاون مع مؤسسة يماني للتنمية، تنفيذ المرحلة الثا


المشهد اليمني | 235 قراءة 

هددت شركة كوفبيك الكويتية باللجوء الى المحاكم التجارية الدولية لاخذ حقوقها من الحكومة اليمنية وشر


عدن الغد | 228 قراءة 

أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بتاريخ 22 يناير 2025، قرارًا يتضمن البدء بإجراءات تصنيف جماعة "أن