تفاصيل الخبر | اهم الاخبار
يانصيب لنوبل الأدب 
88 قراءة  |

ربّما كان من مصادفات الحظ غير الطيب أن أنغمس في قراءة رواية (الأخوة كارامازوف) لدوستويفسكي في الشهر الماضي وبداية الشهر التشريني الذي يشهد إعلان جوائز نوبل السنوية. عندما حاولتُ قراءة رواية (النباتية) للمُتوّجة بنوبل الأدب 2024 بدت لي الرواية كمن يتناول ساندويتشة فلافل سيئة المكوّنات بعد أن كان قد تناول عشاءً باذخاً (أقرب لعشاء الفيلسوف كانْت) في ليلة سابقة. هذا هو الحظ غير الطيب الذي قصدته في البدء.

من المفيد للمرء أن يراجع بعض الكلاسيكيات في الأدب والفلسفة كلّ بضعة شهور. تبدو لي هذه المراجعة مثل كنس الملفات المتقادمة وغير المفيدة في جهاز الحاسوب. الإنغماس حدّ الغرق في لجّة السائد من الأدب والفلسفة ليس بالعمل الحكيم أبداً. سبق للروائي الراحل (إيتالو كالفينو) أن كتب كتاباً رائعاً نشرته (المدى)، عنوانه (لماذا نقرأ الأدب الكلاسيكي؟)، قدّم فيه أسبابه لضرورة قراءة كلاسيكيات الأدب، وهو ما يصحّ مع الفلسفة كذلك.

ما يفعله الكلاسيكيون (وهذا بعض فضائلهم العظمى) أنّهم يذكّروننا بنقطة شروعنا البشرية في هذه الحياة وينتشلوننا من هوّة الغرق في معضلاتنا الآنية التي هي نتاجُ تعقيدات معيشنا اليومي. الروائيون الجدد غارقون بكامل أجسادهم في بركة معضلاتنا اليومية الناجمة عن تعقيدات تقنية في الغالب. النتيجة أننا سنقرأ (هان كانغ) أو (آني إرنو) ونظائرهما من حاملي نوبل من غير توق لإعادة قراءتهم في مستقبل قريب أو بعيد. معظمنا في الغالب يقرأهم مدفوعاً بسمعة اللجنة النوبلية وسطوتها ، وسيخاطب نفسه بين صفحة وأخرى: وهل أفهم أنا أكثر ممّا يفهم أعضاء نوبل المطوّبون؟ وهل أرى بأفضل ممّا يرون؟

حكاية الإمبراطور وملابسه غير المنظورة تبدو حاضرة دوماً.

الجميل في نوبل الأدب 2024 أنّها مرّت بسلام وهدوء من غير كثير ضوضاء كما في السنوات السابقة؛ وكأنّ خيارات نوبل صارت معروفة: الإبتعاد عن الأسماء الكبيرة، وبدلاً منها صَعْقُ المتوقّعين والمراهنين بأسماء غير متوقعة. ربما المفاجأة الكاملة هي السمة الأهم لجوائز نوبل الأدب في العشر سنوات الماضية، وأظنّ أن هذا التقليد سيمضي ويترسّخ على هذه الشاكلة. لو كانت لهذه الخصيصة فضيلة وحيدة فأحسبها في أنها تمنح الجائزة لأسماء أدبية ما شبعت بعدُ من مال الأدب وشهرته. لستُ ساذجة لأقبل فذلكات وتسويغات تجعل (هان كانغ) أفضل من (مارغريت آتوود) مثلاً أو كُتّاب وكاتبات سواها وهم كثرة.

يجب أن نقتنع في نهاية المطاف أنّ نوبل الادب أبعد ما تكون عن معيار الإستحقاق، والحقُّ أنّ أعضاءها ما ادّعوا يوماً أنّ معيار الإستحقاق هو الحاكم لخياراتهم على الأقل في العقد الأخير من عمر الجائزة. الجائزة عمل لوجستي تنهض به الحكومات. أنت في جائزة نوبل 2024 تكاد تشمّ رائحة (سامسونغ) وراء الجائزة. في يومنا هذا صار السبق في مباراة الهرم الرباعي (تصميم وتصنيع الرقائق الألكترونية- سطوة الأسلحة النووية الستراتيجية-  تقنيات الذكاء الإصطناعي- جائزة نوبل الأدب) معياراً معلناً متفقاً عليه للريادة العالمية بين الدول. قاتلت الصين حتى تحوز نوبل الأدب 2024. لم تفلح هذا العام. لا بأس. ستفلح حتماً في السنوات الخمس القادمات.

هذه بعض حتميات الأمور. من العبث الاعتقاد بأن الجائزة قد تُمنَحُ لبلد غاطس في الفساد ويعجز عن رفع القمامة من شوارعه. لو إصطَفَتْك الآلهةُ بكلّ عبقريات أدباء العالم ( وروائييه بالتخصيص) فلن تحوز الجائزة النوبلية لو شاء لك الحظ العاثر أن تنتمي لبلد لا تعرف حكومته معنى ووظيفة وسياقات منح الجائزة النوبلية.

لديّ إقتراحان لتطوير نوبل الأدب: الأوّل (وقد سبق لي الكتابة عنه في مقالة سابقة) أن يعمد مسؤولو نوبل إلى تقسيم الجائزة لثلاث فئات: فئة أولى لكاتب، وفئة ثانية لكاتبة ، وفئة ثالثة لكاتب أو كاتبة من خارج نطاق مايسمى بالمركزية الغربية. هكذا يستقيم بعض إعوجاج نوبل الأدبية. لماذا تقتصر الجائزة على فائز واحد بدلاً من إثنين أو ثلاثة كما هو معمول به مع باقي فروع الجائزة؟ الإقتراح الثاني أن تضع لجنة نوبل أسماء مرشّحيها في ماكنة يانصيب يتكفّل فيها الحظ الطيب والمصادفة البحتة بإختيار الفائز، ولن يكون أمراً فارقاً أن يكون (س) أو (ص) أو (ع)،،، فكلهم سيكونون بالقدر ذاته من بلوغ الكشف عن “مكامن الهشاشة البشرية”!!.

هل كان الأدب يوماً شيئاً غير الكشف عن هشاشتنا البشرية ومحاولة العيش الشاق مع مفاعيلها؟

عندما قرأت بعض صفحات من روايات (كانغ) طاف بذهني مشهد للناقد الراحل(هارولد بلوم) وهو يتلقّى خبر فوزها بنوبل الأدب. أظنّ وقع الأمر عليه سيكون مماثلاُ لإعلان حرب نووية توصف بحرب القيامة. هل سيبقى معتمدٌ أدبي بعد اليوم؟ أوقنُ أنّه لن يبقى. لن تبقى سوى (اليد الخفية) لخيارات اللجنة النوبلية وهي تتلاعب بالسوق الحرّة للادب العالمي. ربما الكلاسيكيات الأدبية هي وحدها ما ستقف بوجه خيارات اللجنة النوبلية لتعمل مصدّاً واقياً منها.

أن نكرّس لأنفسنا بعض الأيام كلّ سنة لنراجع كلاسيكيات الأدب هو أفضلُ ما نستطيعه بوجه هذه الجائحة النوبلية التي بسببها ستكون أعمال آتوود ومعاصريها من الكُتّاب والكاتبات الكبار في عداد الكلاسيكيات الاغريقية الرفيعة  بعد زمن ليس ببعيد أبداً. 

     

* الصور: التقليد الأدبي الغربي أو المعتمد الأدبي للناقد الراحل هارولد بلوم،

الاخوة كارامازوف-مارغريت آتوود، لماذا نقرأ الكلاسيكيات لكالفينو – هان كانغ فائزة نوبل 2024، كونديرا الكبير الذي اخطأته الجائزة-فيليب روث عملاق الرواية الأمريكية مرشح دائم للجائزة خطفه الموت.

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك
المشهد اليمني | 656 قراءة 

هددت شركة كوفبيك الكويتية باللجوء الى المحاكم التجارية الدولية لاخذ حقوقها من الحكومة اليمنية وشر


حشد نت | 565 قراءة 

واشنطن تعيد تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية في خطوة تصعيدية


المشهد اليمني | 518 قراءة 

قال سفير اليمن لدى اليونيسكو، الدكتور محمد جميح، إن الإفراج عن طاقم سفينة جالكسي ليدر لا علاقة له


اليوم برس | 517 قراءة 

وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الأربعاء


بوابتي | 401 قراءة 

شرطة عدن تطلق تحذيرا لجميع اليمنيين في السعودية ودول الخليج


المشهد اليمني | 375 قراءة 

قال سفير اليمن لدى المملكة المتحدة، ياسين سعيد نعمان، إن مليشيا الحوثي قدمت للإدارة الأمريكية عرب


المشهد اليمني | 352 قراءة 

أكدت مصادر مطلعة ومقربة من جماعة الحوثي أن التوجهات القائمة لدى قيادة الأخيرة إزاء المشاركة فى مف


سما عدن | 346 قراءة 

دعا وزير الخارجية الأسبق، أبوبكر القربي، إلى تحرك وطني عاجل لإنقاذ اليمن من العبث والتصعيد المرتقب ف


سما عدن | 344 قراءة 

قبل عامين، تزوج شاب مأربي بفتاة بمهر قدره ستة ملايين ريال. بعد ولادة طفلتهما الأولى، بدأت الخلافات ب


موقع الأول | 291 قراءة