في تصريحات لا تخلو من نبرة تحديٍ صارخ، ادّعى عماد محمد، مدير مكتب اللواء عيدروس الزُبيدي، رئيس ما يُعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، أن قواته "حرّرت الضالع بأسلحة خفيفة"، وبأنها اليوم "تضم مئة ألف مقاتل" مسلحين من المهرة حتى باب المندب.
غير أن هذه التصريحات لا تبدو مجرد فخرٍ عسكري، بل رسالة سياسية واضحة تتحدى جهود المملكة العربية السعودية المضنية لخفض التصعيد في جنوب اليمن، وتُعقّد المشهد في وقتٍ تشهد فيه محافظتا حضرموت والمهرة احتقانًا خطيرًا نتيجة تحركات ميليشيات الانتقالي المدعومة إماراتيًا.
ففي الوقت الذي تبذل فيه الرياض جهودًا دبلوماسية حثيثة لاحتواء التوترات بين القوى الجنوبية المختلفة، وتدعو صراحةً إلى "الانسحاب الفوري لقوات الانتقالي من حضرموت والمهرة" ، يأتي كلام محمد ليُعلن صراحةً أن "التراجع ليس من شيم الأحرار"، في إشارةٍ إلى رفض أي تسوية أو تراجع عن سيطرة ميليشيات الانتقالي على مناطق استراتيجية كانت تحت سيطرة الدولة الشرعية.
بل يذهب التصريح إلى أبعد من ذلك حين يختزل الجنوب كله في شعار "الدولة دولتنا، دولة الجنوب العربي"، متجاهلاً التنوّع القبلي والسياسي والجغرافي لليمن الجنوبي نفسه.
واللافت أن هذه التصريحات تأتي وسط تصاعد عسكري غير مسبوق في حضرموت والمهرة، حيث سيطرت قوات الانتقالي المدعومة إماراتيًا على وادي حضرموت ومحافظة المهرة منذ أوائل ديسمبر 2025، بعد مواجهات محدودة مع وحدات عسكرية شرعية .
ورغم المخاوف المحلية والإقليمية من أن تؤدي هذه الخطوة إلى "تصعيد أمني واسع" ، فإن قيادة الانتقالي ترفض دعوات الانسحاب، وتعتبر وجودها في المحافظتين "أمرًا واقعًا" .
ومن الناحية الاستراتيجية، تُعد هذه التصريحات بمثابة ضربة مباشرة لمبادرات السعودية لفرض التهدئة، خصوصًا بعد أن أعلنت الرياض دعمها للسلطة المحلية في حضرموت والمهرة كجهة شرعية وحيدة تمثّل الدولة.
ولعلَّ أكثر ما يُثير القلق هو أن الانتقالي يبني خطابه على منطق القوة العسكرية و"العقيدة"، لا على الشرعية أو الحوار أو التراضي المجتمعي، وهو ما يعكس رؤية انفصالية تُعيد إنتاج ذات نموذج الانقلاب الحوثي، لكن من بوابة إماراتية هذه المرة.
فهل يُدرك الزبيدي أن "السلاح الخفيف والمتوسط والثقيل" الذي يفتخر به اليوم لن يبني دولة، بل سيفجر الجنوب من الداخل؟ أم أن مشروعه الانفصالي المدعوم خارجيًا يرى في اضطراب حضرموت والمهرة فرصة لا تُعوّض لحسم معادلات القوة لصالحه، حتى لو كان ذلك على حساب الاستقرار الإقليمي ووحدة التراب اليمني؟
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news