أعادت التطورات المتسارعة التي شهدها اليمن خلال الساعات الماضية خلط الأوراق على نحو غير مسبوق، عقب توجيه رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، طلبًا رسميًا بخروج القوات الإماراتية من جميع الأراضي اليمنية خلال مهلة لا تتجاوز 24 ساعة، وهو طلب حظي بتأييد مباشر من المملكة العربية السعودية.
هذه الخطوة فتحت بابًا واسعًا للتساؤل حول مستقبل الوجود الإماراتي في اليمن، الذي بدأ تحت مظلة التحالف العربي عام 2015 لمواجهة جماعة الحوثي، قبل أن يتحول تدريجيًا إلى نفوذ مباشر وغير مباشر عبر تشكيلات عسكرية محلية مدعومة من أبوظبي، تتركز في مناطق ذات حساسية استراتيجية عالية.
ويأتي هذا التحول في ظل تطورات ميدانية اعتُبرت مفصلية، أبرزها سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على محافظتي حضرموت والمهرة، المتاخمتين لحدود السعودية وسلطنة عُمان، وهو ما عُدّ تجاوزًا لخطوط حمراء إقليمية، ومؤشرًا على انتقال النفوذ الإماراتي إلى مناطق تمثل عمقًا اقتصاديًا وأمنيًا لليمن وجواره.
خلافات متراكمة مع أبوظبي
منذ انطلاق عمليات التحالف العربي، شهدت العلاقة بين السلطة اليمنية المعترف بها دوليًا ودولة الإمارات تحولات عميقة، اتسعت معها فجوة الخلاف، خصوصًا مع توجه أبوظبي لدعم إنشاء قوى سياسية وعسكرية موالية لها في المناطق المحررة من سيطرة الحوثيين. وتمثلت ذروة هذا المسار في دعم المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يتبنى مشروع الانفصال، وسعى خلال السنوات الأخيرة إلى فرض سيطرة واسعة على محافظات جنوب وشرق البلاد.
وبرزت هذه الخلافات بشكل علني في أغسطس/آب 2019، حين استهدف الطيران الإماراتي قوات حكومية كانت تتحرك من مأرب باتجاه عدن لاستعادتها من قبضة المجلس الانتقالي، ما أدى حينها إلى تصعيد سياسي حاد، ودفع القيادة اليمنية، برئاسة عبد ربه منصور هادي آنذاك، للمطالبة بتقليص الدور الإماراتي داخل التحالف.
وعلى إثر ذلك، قلّصت الإمارات وجودها العسكري المباشر، وانسحبت من عدة مناطق، بينها عدن ومأرب، لكنها أبقت على نفوذ واسع في مواقع استراتيجية، أبرزها محافظة شبوة الغنية بالنفط، وميناء بلحاف على بحر العرب، الذي يُعد المنفذ الوحيد لتصدير الغاز اليمني، إضافة إلى حضورها في جزيرة سقطرى ذات الموقع الجيوسياسي المهم في المحيط الهندي، وجزيرة ميون الواقعة في قلب مضيق باب المندب.
سقطرى وميون… نفوذ خارج إطار الدولة
وخلال السنوات الماضية، واجهت الإمارات اتهامات متكررة من أطراف في معسكر الشرعية باتخاذ خطوات أحادية في سقطرى، شملت إنشاء قواعد ومعسكرات ومراكز تدريب، وبسط نفوذ أمني مباشر، وفرض قيود على حركة المسؤولين اليمنيين، إلى جانب التحكم في الموانئ والاتصالات، والتضييق على المظاهر السيادية، مثل رفع العلم اليمني وترديد النشيد الوطني. كما تحدثت تقارير عن ضغوط مورست على شخصيات موالية للشرعية لمغادرة الأرخبيل، مقابل إغراءات أخرى للسكان بالهجرة والعمل في الإمارات.
وفي ديسمبر/كانون الأول الجاري، اتهمت الحكومة اليمنية أبوظبي بدعم تحركات المجلس الانتقالي للسيطرة على حضرموت، المحافظة الأهم اقتصاديًا في البلاد، والتي تمثل عمقًا استراتيجيًا لليمن والسعودية على حد سواء، مع تثبيت وجود إماراتي في مطار الريان بالمكلا.
اتفاقيات منتهية وتحالفات متصدعة
وكانت اليمن والإمارات قد وقعتا في ديسمبر/كانون الأول 2022 اتفاقية تعاون عسكري وأمني، هدفت إلى تعزيز التنسيق ومكافحة الإرهاب، غير أن إعلان العليمي، الثلاثاء، إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك، وتوجيهه بخروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة، مثّل تحولًا جذريًا في مسار العلاقة بين الطرفين، وأعاد تعريف طبيعة الشراكة داخل التحالف العربي.
تشكيلات عسكرية متعددة الولاءات
وخلال سنوات الحرب، دعمت الإمارات تشكيل عدد كبير من القوات العسكرية والأمنية، من بينها قوات “العمالقة”، و”الأحزمة الأمنية”، و”دفاع شبوة”، و”النخبة الحضرمية”، وجميعها تدين بالولاء للمجلس الانتقالي الجنوبي، إلى جانب دعمها لقوات “المقاومة الوطنية” و”حراس الجمهورية” في الساحل الغربي بقيادة طارق صالح.
في المقابل، تقلص نفوذ الحكومة الشرعية ميدانيًا، بعد خسارتها عدن ومحافظات أخرى، لتتركز قوتها الأساسية في مأرب ومناطق التماس مع الحوثيين. ويُعد الجيش الوطني في مأرب أبرز تشكيلاتها، إلى جانب قوات الطوارئ، وقوات “درع الوطن” المنتشرة في حضرموت والمهرة وشبوة، والتي يجري تجهيزها لتولي مهام أمنية واسعة شرق البلاد.
في ظل هذه المعطيات، تبدو المطالبة بخروج القوات الإماراتية نقطة فاصلة، قد تضع حدًا لمرحلة طويلة من النفوذ المتداخل، وتفتح الباب أمام إعادة رسم مشهد التحالفات والوجود العسكري في اليمن، في وقت لا تزال فيه البلاد تواجه حربًا مفتوحة وتحديات سيادية معقدة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news