في مشهد يعكس تصاعد معاناة المسافرين وتدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية في جنوب البلاد، اضطرت شركات النقل الجماعي إلى اتخاذ قرارات جريئة وغير مسبوقة بتعديل خطوط سيرها بشكل كامل، متخليًة عن الطريق المباشر الذي ظل لسنوات شريان الحياة لملايين اليمنيين.
وبحسب متابعات ميدانية، شهدت الأيام الأخيرة تحولًا ملحوظًا في حركة الباصات والنقل العام، حيث باتت تتجه نحو منفذ الوديعة الحدودي، مسلكة طريقًا طويلًا وشاقًا وغير معبد في معظمه، ممتدًا من مديرية الحوبان (تعز)، مرورًا بمحافظة البيضاء، وصولًا إلى مأرب ثم العبر، بدلًا من الطريق السريع المباشر الذي يربط تعز بعدن.
هذا التحول الجذري في الخريطة اللوجستية للنقل لا يأتي من فراغ، بل هو نتيجة حتمية للإجراءات التعسفية والقيود المشددة التي فرضتها المليشيات الانتقالية على حركة المسافرين والبضائع في الطريق الرئيسي (تعز – عدن).
لقد تحولت هذه المليشيات، المدعومة من جهات خارجية، إلى أدوات لاختناق الحياة اليومية للناس، حيث وضعت عقبات أمنية وإدارية غير مبررة، هدفت بشكل واضح إلى استهداف رزق المواطنين وتعقيد تنقلاتهم تحت ذرائع شتى واهية، مما حول الطريق الذي كان يعد الأسرع والأكثر أمانًا إلى مسار محفوف بالمخاطر والابتزاز.
وفي ظل هذه الإجراءات القمعية، باتت شركات النقل أمام خيارات محدودة وصعبة؛ فالاستمرار في استخدام الطريق المباشر يعني المخاطرة بمصالح المسافرين وتعرضها للتعطيل المطول، فضلاً عن المعاناة النفسية والجسدية التي يتعرضونها على الحواجز التي تديرها المليشيات.
لذلك، جاء قرار سلوك الطريق البديل عبر مأرب كحل مؤقت، رغم ما ينطوي عليه من مشقة طول المسافة وتكاليف باهظة تتحملها الشركات والموافقة على تقاسمها مع المسافرين، إلا أنه يضمن لهم عنصرًا جوهريًا هو "الوصول الآمن".
يأتي هذا الموقف من شركات النقل كرد فعل طبيعي على الاستفزازات المستمرة من قبل المليشيات الانتقالية، التي تحولت من كيانات سياسية إلى ميليشيات معيقة للحركة، تعمل على قطع أوصال المحافظات وإشعال فتيل الأزمات لخدمة أجندات ضيقة، غير مكترثة بالمعاناة الإنسانية التي تسببها للمواطنين العزل الذين يبحثون ببساطة عن وسيلة للتنقل بين محافظاتهم.
وتُعد هذه التغييرات في مسارات الرحلات مؤشرًا خطيرًا على تداعيات الصراع السياسي والميداني المستعر، حيث يبقى المواطن هو الضحية الأولى لتصرفات المليشيات التي تسيطر على مفاصل الطرق، دافعةً بالأمور إلى مزيد من التدهور وانسداد الأفق، مما يستدعي تحركًا عاجلًا لرفع الغصة التي تصدى صدور المسافرين وتعيد فتح الطرق أمام الحركة الطبيعية بعيدًا عن سيطرة المليشيات ونزعاتها العدائية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news