في حضرموت والمهرة لا يُواجَه تمدّد المجلس الانتقالي الجنوبي بإشكالٍ سياسي عابر يمكن تجاوزه بتفاهمات شكلية ، بل بعائقٍ بنيوي عميق يتصل بطبيعة المجتمع المحلي ومنظومته القيمية والتاريخية . فهاتان المحافظتان لا تنظران إلى السلطة بوصفها غلبةً مسلحة ولا إلى السياسة باعتبارها امتدادًا للبندقية ، بل كوظيفة دولة ونظام وقانون . من هنا يبدأ مأزق المجلس الانتقالي الحقيقي .
أول مظاهر هذا المأزق يتمثل في غياب الحاضنة الاجتماعية الصلبة . فحضرموت والمهرة تمتلكان بنية اجتماعية وقبلية مختلفة جذريًا عن بيئات عدن ولحج والضالع ، حيث لا تُنتج القوة المسلحة شرعية تلقائية ولا تُكافأ الهيمنة الخشنة بولاء اجتماعي . المجتمع هنا أكثر ميلاً إلى السلم الأهلي وأكثر حساسية تجاه أي محاولة فرض نفوذ خارج التوافق المحلي . ولهذا فإن أي حضور سياسي لا ينبثق من الداخل الاجتماعي ولا يحترم توازناته يُنظر إليه باعتباره اختراقًا لا تمثيلًا .
ويتعزز هذا الرفض البنيوي بسبب انعدام الشرعية التاريخية للمجلس الانتقالي في المحافظتين . فالمجلس لا يمتلك سردية تاريخية جامعة ولا ذاكرة نضالية مرتبطة بحضرموت أو المهرة يمكن البناء عليها لإنتاج قبول رمزي . على العكس يُنظر إليه كفاعل وافد تشكّل في سياق جغرافي وتاريخي مختلف ، ويحاول إسقاط تجربته ورموزه على بيئة لم تكن جزءًا من نشأته ولا من معاركه . وبدون شرعية تاريخية أو رمزية يصبح أي حضور سياسي مجرد محاولة تمدّد بلا جذور .
أما الإشكال الثالث، فيكمن في تصادم الخطاب الانفصالي مع المزاج المحلي . فالمجتمع في حضرموت والمهرة يميل بطبيعته إلى الدولة والنظام ، حتى في لحظات ضعف الدولة نفسها
لا توجد حاضنة واسعة لمشاريع فصائلية أو شعارات تعبوية تقوم على القطيعة مع الإطار الوطني العام . بل إن مطلب الناس في جوهره يتمحور حول دولة عادلة وسلطة محلية قوية ضمن نظام وطني جامع ، لا حول مشاريع هوية صدامية أو اصطفافات حادة . ومن هنا يبدو الخطاب الانفصالي غريبًا عن المزاج العام بل ومقلقًا له .
ويبلغ هذا التناقض ذروته عند نقطة الارتهان لشرعية القوة . فالمجلس الانتقالي بُني أساسًا كفاعل “عسكري–أمني” قبل أن يكون كيانًا سياسيًا مدنيًا ، وهو ما يضعف مصداقيته في بيئة ترى في السلاح خطرًا على الاستقرار لا وسيلة لتحقيقه . في حضرموت والمهرة لا يُكافأ السلاح بالشرعية بل يُقابل بالتحفّظ والريبة . وكلما استند الفاعل السياسي إلى القوة بدل التوافق تآكلت فرص قبوله حتى وإن رفع شعارات المشاركة أو الشراكة.
في المحصلة لا يواجه المجلس الانتقالي في حضرموت والمهرة أزمة تكتيك أو سوء تواصل بل أزمة بنية وملاءمة . فبيئة تُقدّس النظام وتحترم الدولة وتتحسّس من الهيمنة المسلحة ، لا يمكن اختراقها بخطاب صدامي ولا بوجود أمني فوقي ، سيظل قبول المجلس الانتقالي في هاتين المحافظتين قبولًا مستحيلًا .
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news